افتتاحية

«الانجازات الورقية» لم تعد تخدع احداً

احتفلت الحكومة بمرور مئة يوم على تسلمها مهامها بعد ان نالت ثقة المجلس النيابي، وكانت قد وعدت المواطنين يومها بانها ستقدم لهم الانجازات خلال هذه الفترة، فهل وفت بتعهداتها؟ وما هي الانجازات التي تحققت؟
اطل الرئيس حسان دياب مبشراً بان حكومته انجزت 97 بالمئة من الوعود التي وردت في البيان الوزاري، مرتكزاً على وعود وتوقعات ومشاريع قوانين مسمياً اياها «انجازات»، وهي في الحقيقة اوهام واحلام وتمنيات، اما على ارض الواقع فلا شيء. اذ ان الازمة التي تعصف بالبلد اقتصادياً ومالياً ومعيشياً لا تزال قائمة، لا بل استفحلت خلال هذه الفترة لتتخطى قدرة المواطن على التحمل. فتدهورت الليرة وقفزت اسعار السلع الغذائية بشكل خيالي غير مسبوق. وتضاعف الحصار العربي والدولي على لبنان رفضاً لسياسة الحكومة ووقوعها تحت ضغوط الامر الواقع والقوى السياسية التي جاءت بها، وهي تقف وراءها في كل خطوة. وهذا يعني باختصار انها غير مسيطرة على قراراتها، وهو ما ترفضه الاوساط الداخلية والخارجية على حد سواء.
اذاً عن اي انجازات تتحدث هذه الحكومة؟ نبدأ بالكهرباء علة العلل والتي فضحت في الاونة الاخيرة ادعاءات المسؤولين، واظهرت العجز عن حل هذه الازمة المستعصية. فقد عمدت وزارة الطاقة وشركة كهرباء لبنان الى قطع التيار عن المواطنين لمعظم ساعات الليل والنهار. وهناك مناطق غاب عنها اياماً متواصلة، حتى شعرنا اننا عدنا الى القرون الوسطى. فهذا لا يمكن ان يحصل، حتى في الدول الاشد تخلفاً. اما التبريرات فهي كالعادة لا تقنع الناس بهذا الفشل الذريع. ثلاثون سنة مرت على انتهاء الحرب الاهلية في لبنان، وتعاقب على وزارة الطاقة عدد من الوزراء من لون واحد والنتيجة صفر. فلماذا؟ وما هي حجة هؤلاء الوزراء في عدم تأهيل قطاع الكهرباء، وقد انفق عليه ما يفوق الاربعين مليار دولار. فاين طارت هذه الاموال، ومن المسؤول عن انفاقها او هدرها؟هل من تحقيق جدي اجري في هذا المجال وهل تم تحديد المسؤوليات ومحاسبة المرتكبين؟ وهل دخل احد المسؤولين الكبار السجن؟
وما يقال عن الكهرباء ينطبق ايضاً على شركة المياه التي ما ان توقف المطر بعد شتاء غزير، حتى بدأ التقنين وعادت الصهاريج تسرح وتمرح ناقلة هذه المادة الحيوية الى المنازل. فلماذا يتوفر الماء لهؤلاء ولا يتوفر للشركة؟ وهنا لا بد من طرح سؤال بديهي، لماذا كل قطاع تتسلمه وزارة الطاقة من الكهرباء الى المياه الى الفيول المغلف بالغش (والذي تفوح منه هذه الايام روائح كريهة) لماذا يفشل في تأمين ما يوكل اليه؟ وما دام الامر كذلك اي معنى يبقى لوجود وزارة الطاقة، طالما انها عاجزة الى هذا الحد، فلتلغ وبذلك توفر الدولة قيمة الانفاق عليها.
قبل سنة اطل علينا احد المسؤولين عن شركة مياه بيروت، مبرراً زيادة كبيرة تعسفية فرضتها الشركة على المواطنين، وقال انها مساهمة من المستهلك لتحسين وضع المياه. فماذا تحقق؟ لا شيء، لا بل زاد التقنين وقهر الناس. فهل بعد ذلك يسألون لماذا ثار الشعب؟
وفي تعداد لفشل الحكومة في تحقيق اي انجاز نسأل، ماذا فعلت لانقاذ الليرة اللبنانية من الانهيار، وقد وصل سعر الدولار الى 4500 ليرة؟ وماذا فعلت لتخفيض اسعار السلع الغذائية التي حولت 55 بالمئة من اللبنانيين الى خط الفقر؟ نسمع عن ملاحقات وتوقيفات ولكننا لم نر رأساً كبيراً واحداً دخل السجن. الم يثبت في التحقيقات ان وزيراً واحداً سابقاً مثلاً يحمل مسؤولية الهدر والفساد في وزارته ويجب ان يدخل السجن؟ ان الاكتفاء بملاحقة الصغار كبش محرقة والتغطية على الكبار لا يمكن ان يوصل الى اصلاح. يتحدث الرئيس دياب عن استقلالية القضاء، فكيف يمكنه ان يقول هذا، والتشكيلات القضائية قابعة في الادراج بانتظار تسوية ما ترضي السياسيين. مع تأكيدنا ان مجلس القضاء الاعلى لن يرضخ للضغوط التي تمارس، وهو متمسك بالتشكيلات التي وضعها، فاما انهم يريدون قضاء مستقلاً واما على الدنيا السلام.
يقولون انهم يريدون ان تقوم التعيينات المالية والادارية على اساس الكفاءة والنزاهة، بعيداً عن المحاصصة. فلماذا فشل مجلس الوزراء في تعيين نواب لحاكم مصرف لبنان وغيرهم من المسؤولين في القطاع المالي؟ هل يعتقدون ان الشعب ساذج ويصدق اقوالهم؟ كلا ايها السادة الشعب واع لكل الاضاليل التي تنشر عبر سيل من التصريحات التي لم يعد احد يصدقها.
واخيراً وليس اخراً نسأل الحكومة لماذا لا يكلف الجيش بضبط الحدود بصورة كاملة تمنع التهريب؟ ان الجيش قادر على المهمة والناس كل الناس تثق به رغم قول البعض بانه لا يستطيع ضبط الحدود لوحده، وانه بحاجة الى الجيش السوري وهذا غير صحيح. انه كلام مرفوض ونحن على ثقة بان الجيش يستطيع تنفيذ المهمة على اكمل وجه. فبماذا سيجيب المسؤولون صندوق النقد الدولي الذي يجري التفاوض معه حالياً وهو يطالب بسد مزاريب الهدر والفساد وفي طليعتها المعابر غير الشرعية؟
الملفات كثيرة ولا يمكن ان يستوعبها مقال واحد ولكننا نقول ان الشعب يتابع عن كثب ويتحين الفرص، وقد بدأت ثورة الجياع تتكون. فاستدركوا الامور قبل فوات الاوان والا لا يعود ينفع الندم، ولا تستخفوا بعقول الناس. فالمشاريع والتمنيات والتصريحات و«الانجازات» على الورق لم تعد تخدع احداً.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق