افتتاحية

من يزرع الريح يحصد العاصفة

كثيراً ما تتعرض انظمة الحكم في بعض الدول، وبينها لبنان، للانتقاد والمطالبة بتغييرها او بتعديلها، وهذا امر طبيعي. ان الاحداث تكشف دائماً الثغرات في هذا النظام او ذاك من خلال الممارسة، مما يستوجب العمل على سدها لكي تستقيم الامور. والنظام اللبناني بحاجة الى استكمال تطبيقه اولاً، ثم تعديل بعض بنوده. وحده النظام العالمي المعرض للانتقاد هو خارج اي تعديل، مع انه مليء بالاخطاء المميتة، التي تنعكس في كثير من الاحيان على العالم كله، هذا ما هو حاصل اليوم.
فلاديمير بوتين رئيس دولة، مهما عظم شأنها، من غير المسموح او المقبول ان يتحكم بشعوب الارض قاطبة، لقد اقدم على مخالفة كل القوانين وغزا اوكرانيا وهو يعرف ان ما من رادع يمنعه، لان مجلس الامن الدولي، المفترض فيه ان يحاسب ويردع، معطل من قبل الدول الكبرى، التي حصنت نفسها ببدعة عجيبة اخترعتها لتحميها وتبقيها متحكمة، دون ان تتمكن دولة اخرى من الغائها او تعطيل مشاريعها، انها بدعة «الفيتو» التي تبقي المرتكب بعيداً عن اي محاسبة، مهما كانت الجريمة التي يرتكبها.
لمع حكم العظمة في رأس بوتين، وتخيل نفسه حاكماً على رأس امبراطورية يستعيد فيها مجد القياصرة وعظمة الاتحاد السوفياتي، فبدأ بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم وضمها الى روسيا. وانتظر سنوات، ولما ايقن ان ردة الفعل شبه معدومة، شن معركة احتلال اوكرانيا دون اي سبب سوى هدف ضمها هي الاخرى، واعتقد انه سينفذ مأربه في غضون ايام قليلة او اسابيع، على اكثر تعديل، ينصرف بعدها الى التنقل بجيشه من دولة الى اخرى، يخضعها لامره حتى يستعيد دول الاتحاد السوفياتي، ويكلل نفسه بالعظمة التي لا يغيب طيفها عن مخيلته. الا ان حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر. ففشل في محاولته، ولكي لا يبدو منهزماً، فهو يستمر في قتاله، حتى حوّل حرب اوكرانيا الى حرب عالمية، تركت انعكاساتها على العالم باسره.
استخدم جميع انواع الاسلحة من المسيرات الى الصواريخ البالستية الى كل ما يمكن ان يسعّر القتال ولكن بلا نتيجة. فالحرب التي خطط لها لتنتهي في اسابيع، انقضت اكثر من سنة ونصف السنة ولم تبدل شيئاً، سوى انها زرعت القتل والدمار، وتركت تداعيات مؤلمة على معظم دول العالم ان لم يكن كلها. واخيراً لجأ الى الحرب الغذائية، وراح يعاقب شعوب العالم كلها. فقصف الموانىء الاوكرانية ومنع تصدير الحبوب، كما قصف بعض متسودعاتها فكأنه اراد ان ينشر الجوع في كل بقعة من بقاع الارض انتقاماً لفشله، مع ان خسارته ليس مسؤولاً عنها سوى بوتين نفسه، لانه خاص مغامرة لم تكن محسوبة جيداً، وان من تجب معاقبته هو المخطط لهذه الحرب المدمرة.
امام هذا الواقع المؤلم باثاره المدمرة، نسأل لو كان النظام السياسي العالمي صحيحاً، ولو تضمن قوانين وقوى رادعة، لا تطوقها عقبات المصالح الشخصية، هل كان ذلك يحدث؟ وكيف يجوز لرجل واحد مهما بلغ من القوة، ان يتحكم بمصير العالم، ويجوّع شعوبه، ارضاء لنزواته؟ ان حرب روسيا على اوكرانيا يجب ان تكون المحفز الاول لمجلس الامن فيجتمع فوراً ويعمل بجدية على تغيير النظام العالمي، وضبط هذا الفلتان الهدام، الذي اذا استمر فقد يتطور يوماً الى حرب نووية تدمر الكرة الارضية فتذهب ضحية نزوة حاكم مستبد، راودته احلام وكوابيس، فجاء يمارسها محاولاً تحقيقها على حساب شعوب الارض.
مؤخراً هدد مسؤول روسي كبير (ميدفيدف) بحرب نووية اذا خسرت روسيا الحرب، فهل بدأ الكرملين يستجدي الربح بعدما تيقن ان الخسارة واقعة حتماً. ان الرد الابلغ عليه: «من يزرع الريح يحصد العاصفة».

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق