افتتاحية

حرب غزة والتأييد الاعمى للعدوان

عندما تغيب العدالة وتتحكم المصالح الخاصة، تسود الفوضى ويضيع الحق ويحكم القوي الضعيف. هذا هو واقع العالم اليوم. لذلك تكثر الحروب وترتفع اعداد النازحين وينتشر الفقر والجوع. وحدها الشعوب تدفع الاثمان الباهظة من غير ذنب اقترفته. بل ارضاء لمطامع الكبار المتحكمين.
منذ تشكيل الحكومة الاسرائيلية الاخيرة، التي اعتبرت الاكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، وهي تمارس سياسة القهر ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، فتداهم وتعتدي وتقتل وتعتقل وتهدم منازل، ثم تنسحب لتعاود الكرة في اليوم التالي. ولم تكتف بجرائمها، بل اطلقت المستوطنين المليئة قلوبهم بالحقد الاعمى فمارسوا اسوأ انواع الاعتداءات حتى ضاق الفلسطينيون ذرعاً بهذه الممارسات. ووصل الامر بهؤلاء الاشرار الى مهاجمة الاماكن الدينية الاسلامية والمسيحية وفي كل يوم كانوا يدنسون باحات المسجد الاقصى بقيادة وزير متعصب مقيت وبحماية الشرطة المعادية.
كان كل هذا يحصل يومياً والعالم يتفرج. لم تصدر كلمة ادانة واحدة من اي دولة او جهة، حتى شعر الفلسطينيون انهم متروكون لمصيرهم. ولما كان الضغط يولد الانفجار، ثارت حماس وقامت بعمليتها «طوفان الاقصى»، واسقطت اسطورة «الجيش الذي لا يقهر» ومرغت جباهه بالوحل. وهنا ثار العالم كله متجاهلاً السبب الذي دفع حماس الى القيام بما فعلت، فادانها واعلن تأىيده الاعمى للدولة المعتدية التي لم تسلم دولة عربية واحدة من شرورها واذيتها. فاثبت المجتمع الدولي ان شريعة الغاب القائمة على المصالح الخاصة هي التي تتحكم به.
تسلحت اسرائيل بهذا التأىيد الجارف، فاعتمدت سياسة الارض المحروقة في غزة، وشنت حرب ابادة ضد سكانها، فقطعت عنهم كل سبل العيش وحرمتهم المياه والغذاء والادوية والكهرباء في تصميم اكيد على ابادة شعب بكامله. اما المطبلون لها ولاعتداءاتها فلزموا الصمت ولم يحاولوا وقف هذه الجريمة النكراء ضد مدنيين لا ذنب لهم. حتى ان مجلس الامن الدولي، الذي انشىء في الاساس للحفاظ على حقوق الشعب، اجتمع لبحث هذه الحرب الدموية فاختلف اعضاؤه ولم يتمكنوا من الوصول الى قرار يضع حداً لهذه المأساة. وعلق جلسته لايام فكأن الوضع المتدهور يحتمل التأجيل. ان ضياع الحق وحجب العدالة والسير وراء المصالح الخاصة كلها عوامل تساهم في اشعال المزيد من الحروب المدمرة، تغذيها انقسامات تساهم في تأجيجها. فها هو الشعب الاوكراني يقتل يومياً منذ اكثر من سنة ونصف السنة وكل ما فعلته الدول الاخرى هي مد اوكرانيا بالسلاح لاطالة امد الحرب ولسقوط المزيد من القتلى.
ان النظام العالمي بحاجة الى مراجعة، واعادة نظر في بنوده الاساسية، وابعاد المصالح الخاصة عن التحكم به وفي ما عدا ذلك ستبقى الحروب مشتعلة، تتنقل من منطقة الى اخرى وستبقى الشعوب البريئة تدفع الاثمان الباهظة. الا ان تعديل النظام العالمي يحتاج الى تنازلات، خصوصاً من الدول الكبرى المتحكمة، وهذا حلم بعيد المنال.
وماذا بشأن لبنان، ولماذا كل هذه التحذيرات الاميركية والفرنسية والاوربية بعدم فتح الجبهة؟
الاجوبة متعددة واولها عدم زيادة الضغط على اسرائيل مع ما لهذه الجبهة من تأثير وفعالية… وثانيها ان لبنان بلا سلطة سياسية فلا رئيس للجمهورية ولا حكومة فاعلة، والحكومة الحالية مستقيلة وتصرف الاعمال، ولا مجلس نيابياً فاعلاً. فهو يرفض منذ سنة القيام بمهماته وانتخاب رئيس للبلاد، وفي هذا الوضع فان دخول لبنان في الحرب سيؤدي حتماً الى انهياره الكامل اقتصادياً ومالياً ويتسبب بضائقة توصل شعبه الى الهلاك. ومن هنا كانت كل الدعوات لتحييد الجبهة. لبنان قدم الكثير الكثير لفلسطين ولا يزال، وهو مستمر ولكنه اليوم عاجز، وواجب الجميع مساعدته على اجتياز هذه المرحلة بعيداً عن اي خطوة ناقصة تكون قاتلة.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق