افتتاحية

حاسبوا انفسكم ثم حاسبوا الاخرين

وزارة الطاقة شكلت على مدى اكثر من عقد من الزمن مشكلة مستعصية في طريق السلطة التنفيذية، فكان لها اليد الطولى في افلاس الدولة، بعدما هدرت الكهرباء اكثر من اربعين مليار دولار، مع صفر انجازات، الى ان وصلنا الى العتمة التي عانى منها اللبنانيون الامرين ولا يزالون حتى الساعة، ورتبت عليهم اعباء ثقيلة الحمل، وكان عليهم تمويل الهدر في الوزارة وفي شركة كهرباء لبنان، والانفاق الباهظ على المولدات الكهربائية، التي تفلت اصحابها من اي قيود ورفضوا تركيب العدادات وتمادوا في تسطير الفواتير الخيالية، مستغلين العجز الحكومي، وهم اليوم يبتزون المشتركين بعيداً عن اي رقابة او محاسبة. ويقول الخبراء واصحاب الرأي الحر ان الاموال التي انفقت على استئجار البواخر كانت كافية لبناء معامل انتاج، تؤمن الكهرباء على مدى 24 ساعة في اليوم، الا ان سوء الادارة والمصالح الخاصة وغياب المحاسبة كانت كافية للوصول الى هذا الانهيار التام في القطاع، وهو سبب اساسي في ابتعاد الشركات الاجنبية عن لبنان، وتحولها الى دول الجوار، فازدهرت الحركة الاقتصادية فيها على حساب لبنان، بسبب غياب المسؤولية وعدم الكفاءة في ادارة شؤون البلد. فالحكم له رجاله وقد غابوا منذ عقود، وحلت مكانهم منظومة اوصلت اللبنانيين الى الهلاك.
شربت وزارة الطاقة ومعها شركة الكهرباء حليب السباع، فصدر منذ ايام انذار الى المؤسسات العامة، اما بدفع ما يترتب عليها بدل استهلاك التيار الكهربائي، وتقدر قيمة فواتيرها بملايين الدولارات، واما بقطع التيار عنها. وهنا لا بد من ملاحظتين تدينان الشركة والمؤسسات الرسمية المتخلفة عن الدفع. الملاحظة الاولى تقضي بتذكير مؤسسة كهرباء لبنان، بان الدولة سلفتها مؤخراً الوف مليارات الليرات اللبنانية حتى استطاعت الوقوف، ولو بالحد الادنى فكيف تأتي اليوم وتطالب بما لها. افليس من حق الخزينة ان تطالبها بما لها عليها؟ اما الملاحظة الثانية فتتعلق بالمسؤولين. فقد تردد ان اكبر المؤسسات المدينة لشركة الكهرباء هي السرايا الحكومية والمصرف المركزي وغيرهما. فكيف يجوز للقيمين على الحكومة ان يندفعوا بكل قوة نحو البحث عن ابواب جديدة يفرغون من خلالها جيوب المواطنين، عبر فرض ضرائب غير مدروسة فاقت بكثير الدخل الشهري للمواطن، فيما هم يتخلفون عن تسديد الديون المترتبة عليهم لشركة الكهرباء؟ وكيف يجوز للمصرف المركزي الذي خان الامانة وانفق اموال المودعين بالتواطؤ مع المصارف والحكومات المتعاقبة، الا يدفع ما يترتب عليه لشركة الكهرباء؟
ثم لا بد من الاشارة الى التناقض الذي وقعت فيه وزارة الطاقة ومن خلالها شركة الكهرباء. فقد جاء في بيانها التحذيري ان من يحصل على سلعة ما، عليه ان يدفع ثمنها. وبما ان الوزارات والادارات الرسمية تحصل على التيار، فعليها تسديد ما يتوجب عليها، ونحن بدورنا نقول لوزارة الطاقة ان المواطن الذي يدفع الملايين، يجب ان يحصل على السلعة مقابل ذلك، ولكن مياه بيروت وجبل لبنان التابعة لوزارة الطاقة تقبض اشتراكاتها، التي ترتفع اضعافاً سنة بعد سنة، ولا تؤمن لهم السلعة التي يدفعون ثمنها. فالمياه مقطوعة عن المنازل على مدى ايام الصيف الحارة، وقد استنفدت الصهاريج كل ما ابقت الدولة من اموال في جيوب المواطنين التي اصبحت شبيهة بخزينة الدولة يعشش فيها الفقر والجوع والحرمان. فلماذا لا تحاسب وزارة الطاقة نفسها وتطبق على الادارات التابعة لها ما تطالب به الادارات الرسمية؟
هذا هو نموذج عن سير العمل في الادارات الرسمية، في ظل منظومة لم تكن على مستوى الحكم، فانهار كل شيء ووصلنا الى جهنم، وعلى كل حال لقد بشرونا بذلك قبل الانهيار الكبير.
كلمة اخيرة ان اصدار الفواتير بالدولار سيخلق الكثير من المشاكل، ثم انه لا يساوي بين المواطنين. فمن يدفع بالدولار يدفع اقل من الذي يدفع بالليرة اللبنانية. فالدولار في السوق السوداء سعره 89،500 ليرة لبنانية فيما الدولار وفق تسعيرة الكهرباء هو 103 ليرات، اليس هذا تمييزاً بين المواطنين ومخالفاً للدستور الذي يساوي بين اللبنانيين. وبما ان خطة تأمين الكهرباء من ثماني الى عشر ساعات فشلت، وبما ان زيادة الفواتير تمت على هذا الاساس، فعليكم خفض الفاتورة فوراً عبر الغاء نفقات التأهيل التي لا وجود لها كما يقول احد المسؤولين السابقين في الكهرباء الذي اعلن ان هذا الرسم هو لتدفيع الذين يدفعون عن الذين لا يدفعون وهذه هي عدالة هذه السلطة، وخفض قيمة الاشتراكات واحتسابها على اساس ساعات التغذية فكفى استغلالاً وظلماً للمواطنين.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق