افتتاحية

هنيئاً للحكومة ولمجلس النواب بهكذا شعب

في لبنان الكل مستقيل من الكل، وليس هناك جهة واحدة تقوم بواجباتها، حتى اصبحت الدولة على حافة الانهيار. ولولا وجود الجيش الباسل الذي هو وحده يقوم بالدفاع عن الناس وعن الوطن لكان انهار كل شيء.
فالشعب وهو مصدر كل السلطات تنازل عن كامل حقوقه وعن دوره، حتى غدا شعباً مطيعاً مدجناً، يتلقى الضربات العصي ويكتفي بعدّها، دون ان تصدر صرخة ألم واحدة، فاستحق بغيابه عن الساحة ان يُسجل في كتاب غينيس للارقام القياسية.
هذا الشعب يعيش على هامش الحياة. يحرم من الكهرباء فيتقبل العتمة وظلم مافيا مولدات الكهرباء، ولا يسمع له صوت. يحرم من المياه وهو في عز الصيف والحر فيلتزم الصمت. يحرم من الامن ومن مكافحة الغلاء ومن… ومن… وهو ساكت صابر فهنيئاً لهذه الحكومة وللحكومات التي سبقتها بهذا الشعب الذي هو اشبه بالنعجة.
وبما ان المثل يقول «كما تكونون يولى عليكم» جاءت هذه الحكومة وايضاً الحكومات السابقة على صورة هذا الشعب ومثاله. فهي مستقيلة من كل واجباتها. تجتمع لتختلف، ثم تنشغل بحل خلافات بعضها البعض. فهي تحرم الشعب من المياه العنصر الاساسي للحياة ولا من يعترض. تغرقه في الظلمات وترميه في اتون جشع التجار فلا يتحرك.
في مطلع العام رفعت وزارة الطاقة والموارد المائية قيمة الاشتراك في المياه ستين الف ليرة دفعة واحدة، ولا نعلم ان كان لها الحق في ذلك باعتبار ان الضرائب يجب الا تحظى بموافقة مجلس النواب، ولكن ليس هذا المهم، بل الاهم هو ان الوزارة مقابل هذه الزيادة قطعت المياه عن المواطنين، او لكي لا نظلمها فهي تعطيهم ثلاث ساعات كل 48 ساعة، وبكمية قليلة لا تصل الى الطبقات العليا، فازدهرت سوق الصهاريج وبائعي المياه. والسؤال هنا كيف يؤمن اصحاب الصهاريج المياه والدولة عاجزة عن تأمينها؟ فهل كان هناك من اعترض؟
وهنا لا بد من سؤال وزير الطاقة والموارد المائية، ماذا لو لجأ المواطنون الى القضاء فاقاموا الدعاوى على شركة المياه، باعتبار ان الشعب يلتزم بدفع البدل والوزارة لا تؤمن له المياه. فهل يعتقد معالية ان الاحكام ستكون لصالحه؟ وهل معقول ان بلد المياه يشحد نقطة ماء حتى صح فيه قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتله الظمأ  والماء فوق ظهورها محمول.
اما الكهرباء فهناك الطاعة الكبرى. بعد عشرين سنة من انتهاء الحرب،وبعد انفاق حوالي العشرين مليار دولار، لا يزال المواطن عند نقطة البداية، ولا امل له بتحسن الوضع في السنوات المقبلة، رغم الوعود التي اغدقوها علينا، والاحلام الوردية التي بشروا بها فاين طارت هذه المليارات وفي اي جيوب حطت؟
وزاد في الطين بلة اقدام حفنة من المياومين تدعمهم رؤوس متسلطة على البلد، فاحتلوا شركة الكهرباء وطردوا مديرها العام وموظفيها واقفلوا ابوابها بالجنازير وحرموا اربعة ملايين انسان من النور واوقعوهم في العتمة واخضعوهم لاطماع اصحاب المولدات الذين قصفوا الناس بفواتير خيالية يعجز الكثيرون عن دفعها. وهذا عمل يعاقب عليه القانون ويقضي بعقوبة السجن.
فماذا فعلت الدولة؟ ولماذا لا تقدم على اخراج هؤلاء واستعادة المؤسسة الرسمية المحسوبة لها؟
انها حتماً التزمت الصمت. فلا وزارة الداخلية تحركت لاخراج هؤلاء من ادارة رسمية احتلوها بالقوة، ولا وزارة العدل قامت بأي دور لاعادة الامور الى نصابها. لماذا؟ لان الذين ينفذون العصيان محميون وفهمكم كفاية. شركة الكهرباءسرّها الامر فتذرعت باحتلال مبنى الشركة وراحت تقطع الكهرباء عشوائياً.
انها نماذج صغيرة عن استقالة الحكومة من واجباتها. فمتى ستتحرك؟
اما المستقيل الاكبر من مهامه فهو مجلس النواب. لقد نشرت الصحف في الاسبوع الماضي ارقاماً خيالية عن المبالغ التي قبضها النواب على مدى خمس سنوات وخمسة اشهر. فماذا قدموا للشعب مقابل هذه المبالغ؟ حتماً لا شيء. اللهم سوى قانون للايجارات رمى مئة الف عائلة على الطرقات دون ان تكون هناك سياسة اسكانية واضحة.
فالمجلس النيابي فشل في وضع قانون جديد عادل للانتخابات طوال الاربع سنوات مدة ولاية النواب. ثم مددوا لانفسهم، ودون اخذ رأي الشعب صاحب الحق واشترطوا على انفسهم ان يباشروا فوراً في وضع قانون للانتخابات. وانتهت مدة التمديد ايضاً ولم يفعلوا شيئاً، وتحولت وعودهم كما افعالهم الى سلة المهملات.
تقاعسوا عن انتخاب رئيس للبلاد، وهذا من صميم واجباتهم، وهم يتصرفون وكأن شيئاً لم يكن، حتى طلعوا مؤخراً بنغمة التمديد مرة ثانية لانفسهم رغم علمهم ان الشعب يرفضهم ولا يريدهم، ولكنهم لا يبالون. فهم يعرفون ان الشعب من طينتهم والا لما كان اختارهم. وحتى الآن لو جرت الانتخابات لعاد هؤلاء النواب انفسهم لان الشعب المدجن سيعيد انتخابهم.
حقاً ان لبنان بلد العجائب والغرائب وهو اشبه بفيلم عربي طويل لا تعرف بدايته ولا نهايته والمعجزة الوحيدة التي تنقذه، هي ان يستفيق الشعب من سباته وهذا امر مستبعد في المدى المنظور. فهنئياً للحكومة ولمجلس النواب بهكذا شعب.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق