افتتاحية

التمديد ينتصر على البيض والبندوره

اعضاء المجلس النيابي الذين تستنكف اكثريتهم عن حضور الجلسات وتأمين النصاب، معطلة الاستحقاقات الدستورية ذات الاولوية القصوى، واهمها انتخاب رئيس للجمهورية، شوهدوا هذا الاسبوع وهم يتسابقون للوصول الى ساحة النجمة رغم قذف سياراتهم بالبيض والبندوره، لا من اجل انتخاب رئيس للجمهورية، افتقدته البلاد منذ اكثر من خمسة اشهر ونصف الشهر، ولا من اجل وضع قانون جديد للانتخابات ينصف الجميع ويساوي بين الطوائف امام الدستور، ولا من اجل استرداد قانون للايجارات، وقعوا عليه دون قراءته، فاذا به يهدد بكارثة على الصعيد الشعبي في حال تطبيقه، ولا من اجل بحث قضايا الدفاع وسبل تقوية الجيش وتمكينه من صد العدوان الارهابي، ولا من اجل وضع سياسة دفاعية تغلّب الدولة، والدولة وحدها وتلغي جميع الميليشيات والقوى الاخرى…
لا… ليس من اجل هذا كله سارع النواب الى المجلس النيابي، بل من اجل التمديد لانفسهم، في مهزلة سياسية لم تشهد الدول المتخلفة مثيلاً لها. من اجل مصلحتهم اجتمع 97 نائباً ومن اجل انتخاب رئيس هربوا. يا له من زمن.
قالوا اذا لم يحصل التمديد فسيحل الفراغ. ولكننا نسألهم لماذا تركوا الامور تصل الى هذا الحد؟ لماذا لم يشكلوا الهيئة الخاصة بالانتخابات، لو كانت لديهم النوايا الطيبة في اجراء الانتخابات؟ ولماذا لم يدعوا المواطنين الى الانتخابات في الوقت المحدد لها ولماذا…؟ ولماذا؟…
ولبنان بفضل هذه الطبقة السياسية غير الجديرة في حكم البلد، هو بلد البدع السياسية، تخصص نواب الامة في ابتكارها وتطبيقها وفقاً لمصالحهم غير عابئين لا بدستور ولا بقوانين. وهذه البدع ليست مقتصرة على النواب وحدهم، بل وايضاً على الوزراء. فهل رأيتم في كل دول العالم المتمدن والمتخلف بلداً يحكمه 24 رئيساً للجمهورية؟ نعم ان لبنان يحكمه اليوم 24 رئيساً وفق بدعة اخترعوها تقول ان الوزراء الاربعة والعشرين يجب ان يوقعوا كلهم على اي قانون او مشروع، حتى يصبح سارياً، والا احيل الى البراد. فهل هذا معقول؟
لو جمعت 24 شقيقاً في غرفة واحدة وطرحت عليهم مشروعاً ما، هل يمكن ان يتفقوا كلهم على رأي واحد؟ ان هذا مستحيل اذ ان لكل انسان رأياً وطريقة تفكير. فكيف والحال هكذا في جمع 24 وزيراً تتحكم بهم الخلافات والانقسامات؟
هكذا شلوا الدولة عبر مجلس الوزراء لان الاتفاق بين اعضائه مستحيل، وعبر النواب الذين هم عطلوا دورهم بانفسهم. فلا يجتمعون ولا ينتجون، بل يتسابقون الى التمديد.
لنسلم جدلاً ان الوضع الامني لا يسمح باجراء انتخابات، وعلى كل حال هم الذين اوصلوا البلد الى هذه الحال، أفما كان من الواجب عليهم ان يضمنوا مشروع التمديد شرطاً لا تنازل ولا رجوع عنه، فيربطوا بين التمديد واجراء الانتخابات الرئاسية؟ مع العلم ان وجود رئيس على رأس الدولة، وهو امر طبيعي، يساعد على حل الكثير من المشاكل القائمة. ويؤمن اجراء انتخابات. ولكن يبدو ان وراء المماطلة والتسويف والتغيب عن الانتخابات الرئاسية نوايا مبيتة اصبح الكبير والصغير في هذا البلد يعرف دوافعها واسبابها. فهم لا يريدون رئيساً وقد يكونون يتطلعون الى مؤتمر تأسيسي يكرس المثالثة، ويحرم المسيحيين من رئاسة الجمهورية. والمؤسف ان بعض المسيحيين يساهمون في هذا المخطط.
ولا بد من قول الحقيقة في هذا المجال وهي ان المسيحيين هم الذين يقودون التعطيل على الاقل في الظاهر، رغم علمنا ان هناك فئة تتلطى وراءهم لتحقيق غاياتها. فلماذا لا ينتفضون على هذا الوضع ويكفون عن تأمين الغطاء للذين لا يريدون الخير لهم؟ ولماذا لا يقولونها بالفم الملآ ان الرئاسة لنا ولن نتخلى عنها تحت اي ظرف كان، وهذا ليس لمصلحة المسيحيين بقدر ما هو لمصلحة البلد. فلبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يحكمه رئيس مسيحي، وفي ذلك الكثير من المعاني والقيم.
اكثر موقف اضحك اللبنانيين كثيراً هو قول مرجع نيابي انه بعد التمديد سينصرف المجلس الى وضع قانون جديد للانتخابات. هذا الكلام للذين لا تخونهم الذاكرة تردد قبيل التمديد الاول. وما ان استوى النواب في مقاعدهم حتى اقفلوا اي حديث عن انتخابات نيابية، فهل تكون الوعود هذه المرة افضل من سابقاتها؟ اننا نشك بذلك، لا بل اننا متأكدون من ان شيئاً ما لن يحصل، والامور باقية على ما هي عليه، حتى يقيض الله للبنان عصا كالتي اعلن عنها البطريرك الراعي، فتطرد محتلي المجلس النيابي الى حيث يستحقون ان يكونوا، فعسى ان يكون الموعد قريباً.

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق