سياسة لبنانية

انفراج لبناني بدفع اوروبي!

المفاجآت الايجابية واردة باستمرار في الملف اللبناني. ويمكن لتطور غير محسوب ان يقوّض اي انفراج يسعى اليه المجتمع الدولي ويتزامن مع انفراجات اقليمية محتملة.

يتحدث مراقبون سياسيون عن انفراج لبناني محتمل، قبل انتصاف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مرتبط حكماً بمجموعة من العوامل. وتالياً يصبح هذا الانفراج واقعا متى تحققت هذه العوامل.
يرتكز هؤلاء على التطورات على مستوى العلاقة الاميركية – الايرانية، وما يحكى عن تراجع دولي عن ازاحة قسرية للرئيس السوري بشار الاسد ونظامه عن السلطة. ويعطون امثلة عدة عن هذا الارتخاء السوري – الدولي، من مثل الزخم في مهمة المفتشين لازالة السلاح الكيماوي وتدميره، والتعاون الذي يوفّره النظام الى الخبراء الدوليين، في ظل تبدل الاولويات الدولية باعطاء الاسبقية لاستهداف الجماعات المتطرفة.

تطورات
يلاقي لبنان هذا الارتخاء في العلاقات الدولية، بمجموعة من التطورات ذات تأثير مباشر، بعدما صار صعباً استمرار التعايش السياسي والحكومي مع مرحلة الوقت الضائع، الفاصل عن انتخابات رئاسة الجمهورية، ومن بعدها انتخاب مجلس النواب وقانونه الضائع:
أ- الجلسة النيابية لانتخاب اللجان النيابية، واميني السر والاعضاء الثلاثة في مكتب هيئة المجلس، التي نتجت عن تفاهمات سياسية شملت كل الكتل المتخاصمة، واعادت الروح الى الجلسات التشريعية، وانهت جزئياً الشلل البرلماني.
ب- الاجتماعات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة، والتي اتت في سياق الخروج الجزئي من المقاطعة السياسية المتبادلة بين فريقي الازمة.
ج- ما يحكى عن توجه لدى «حزب الله» لإعادة النظر بإنتشاره العسكري في سوريا، في ضوء ما يحصل ميدانياً في ريف دمشق، من تعزيز النظام مواقعه على حساب المعارضة العسكرية، بعدما كانت النقاط والبلدات الاستراتيجية في ريف دمشق قد سقطت بأيدي الجيش السوري الحر والمجموعات القتالية المناهضة للنظام. وسيسهم اي قرار مماثل في تخفيف الاحتقان الداخلي. مع الاشارة الى ان الحزب منهمك راهناً في معركة القلمون في ريف دمشق، القريبة من الحدود اللبنانية، والتي تحتاج لبضعة آلاف من الجهة اللبنانية، حيث في ضوء النتائج سيعيد الحزب النظر بمشاركته في الحرب السورية.
د- الانفراج في المفاوضات في جنيف بين ايران ومجموعة الدول الخمس زائداً واحداً.
هـ- الحاجة الى حكومة قادرة على معالجة ذيول التداعيات الناجمة عن الازمة السورية، بعدما لمس المسؤولون الالحاح الدولي على هذه الحاجة، سواء عبر محادثات الرئيس ميشال سليمان في نيويورك او مشاركة الوفد الرسمي الوزاري – المالي في اجتماعات البنك الدولي. علماً بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سبق ان اعلن ان ثمة توجهاً دولياً، لمساعدة لبنان، الذي خسر ما يقرب من 7،1 مليار دولار بسبب التبدلات الناتجة عن تغير ديمغرافي – اقتصادي – اجتماعي، والانفاق على اكثر من 800  الف نازح سوري على اراضيه، مع ما عناه ذلك من زيادة في الانفاق على الخدمات العامة من كهرباء ومياه وهاتف، ومن عبء على الاقتصاد نتيجة تسرب فرص العمل الى مجموعات كبيرة من النازحين.
و- الحرص الدولي – الاوروبي على متابعة نتائج الاجتماع الموسع لاصدقاء لبنان في نيويورك، والتأسيس عليه سياسياً واقتصادياً. تأتي في هذا السياق لقاءات رئيس الجمهورية مع السفراء الغربيين، وسط اجماع على دعم استقرار لبنان وسيادته وتحييده عن النزاعات، والمساعدة في مواجهة الاعباء الناتجة عن الازمة السورية والنازحين وتعزيز قدرات الجيش اللبناني.

 حزب الله في باريس
ز- اللقاء الذي جمع في باريس النائب عن «حزب الله» علي فياض مع مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية، بعد اشهر قليلة من ادراج الحزب في لوائح الارهاب الاوروبية.
وتقول تقارير صحافية ان باريس تتهيأ لاستعادة دور محوري في الوساطات الاوروبية والغربية لمساعدة اللبنانيين على تجاوز التعقيدات التي تعترض الحلول. وتتحدث عن امكان تخطيط الديبلوماسية الفرنسية دعوة الافرقاء اللبنانيين الى مؤتمر مماثل لمؤتمر لا سيل سان – كلو الذي نظمه وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير في العام 2007 (في الرابع عشر من تموز – يوليو – والخامس عشر منه). ولا تزال هذه الفكرة قيد الدرس لدى الخارجية الفرنسية، لكن الطرح الفرنسي قد يتبلور عقب مشاورات تجريها باريس مع جهات نافذة ومؤثرة. كما يحتمل ان يطرح الموضوع على هامش الاجتماع الذي سيعقده في باريس وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظراؤه العرب والامين العام لجامعة الدول العربية في اطار المشاورات التي يجريها الجانب الاميركي في شأن اطلاق عملية السلام الاسرائيلية – الفلسطينية. وتعتبر التقارير ان باريس تسعى الى انقاذ المؤسسات الدستورية اللبنانية من خطر الفراغ، وتبدو متشجعة بمناخ الانفتاح الايراني على الغرب، لذا يشكل تأليف حكومة لبنانية جديدة اولوية مما يفرض التوفيق بين الاطراف اللبنانيين في شأنها.
وتدرج التقارير، في السياق الانفتاحي – الحواري، اللقاء الذي عقد بين مسؤولين في الخارجية الفرنسية والنائب فياض على هامش مشاركته مع وفد نيابي في ندوة في الجمعية الوطنية الفرنسية. وعبرت باريس من اللقاء عن رغبتها في احياء الحوار مع الحزب استعداداً للاضطلاع بدور في التسوية اللبنانية.

مراوغة واهتمام
وكان المتحدث الجديد باسم وزارة الخارجية الفرنسية (كي دورسيه) رومان نادال قد جدد دعم فرنسا للبنان، وحضّ مختلف الأطراف اللبنانية للعمل معاً للتعامل مع الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.
وفضّل نادال المراوغة في الرد على سؤال حول صحة تقارير تزعم وجود مشروع مؤتمر حول لبنان شبيه باجتماع لا سيل سان – كلو، وقال: افضّل الا اتحدث في هذه النقطة. وعاد الى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية لوران فابيوس، مذكّراً بتضامن فرنسا مع لبنان «حتى يتمكن من الحفاظ على التوازن السياسي».
وحضّ على بذل كل شيء للحفاظ على لبنان «الذي يمكن الاعتماد على تضامن فرنسا وعلى المساعدة الفرنسية لجمع الأطراف اللبنانية وتعزيز الحوار من أجل تحقيق الاستقرار السياسي».
ولا يُخفى ان الأوساط السياسية الفرنسية مهتمة في الوضع اللبناني. كما لا تخفي باريس قلقها من انعكاسات الازمة السورية على الاستقرار.
ويقول ديبلوماسيون ان التذبذب ال
سياسي – الحكومي في لبنان لا يشجع أوروبا ودولاً أخرى على فتح قنوات الجهات المانحة للمعونة، لذا من الاهمية بمكان ان ينصرف المسؤولون الى تأليف حكومة جديدة، تدير بكفاءة ازمة اللاجئين السوريين وغيرها من القضايا الملحة التي تواجه لبنان، وتكون مسؤولة عن تلقي المساعدات وتوزيعها.
ويشير هؤلاء الى انه بلغ جهات لبنانية رسمية وزارية واقتصادية صراحة ان تقديم المساعدات المقررة للبنان في مؤتمر مجموعة الدعم الدولي للبنان الذي انعقد في نيويورك، يقتضي التعجيل الى اقص
ى الحدود في تشكيل حكومة جديدة.
ولم يغب هذا الواقع عن تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون عن تنفيذ القرار 1559 الذي تميز بتشديده على استعجال تشكيل حكومة جديدة. وجاء في خلاصات التقرير نصف السنوي عن القرار ان الامين العام «شجع زعماء لبنان على اتمام عملية تشكيل الحكومة من دون المزيد من التأخير»، مؤكداً انه «من الحرج ان يقوي زعماء لبنان المؤسسات الوطنية وثقة كل المجموعات بانهم سيتصرفون بطريقة تحمي لبنان من اثر الازمة السورية». أضاف: «ان التشكيل الملح للحكومة حرج بالتحديد في سياق الازمة الانسانية»، داعياً الجميع الى «المحافظة على مبادىء بيان بعبدا».

الاحلك
وكان فابيوس في آخر اطلالته اللبنانية، قد اشار الى أن «لبنان يمرّ في الوقت الراهن في ظروف تعتبر من الأحلك في تاريخه، إذ يتعرض لتداعيات الأزمة السورية، وعمليات إطلاق النار على الحدود، وأعمال العنف في بعض المناطق، والعمليات التفجيرية الدامية التي حدثت في بيروت وطرابلس في هذا الصيف. وتسعى السلطات اللبنانية جاهدة إلى المحافظة على سيادة لبنان ووحدته واستقراره، بعدما تزعزع البلد في هذا السياق الشديد التدهور وطنياً وإقليمياً».
وأكد أن «فرنسا تقف إلى جانب لبنان وشعبه ومؤسساته كعهدها دوماً، باسم الصداقة والتاريخ». وقال: «التف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول موقف موحد بناء على مبادرتنا. ففي واقع الأمر إن التضامن الدولي أمر أساسي من أجل مساعدة لبنان في المحنة، كما أن التحديات الماثلة أمامنا لا يستهان بها، والوضع يستدعي استجابة عاجلة. اعتمد مجلس الأمن بالإجماع، في 10 تموز (يوليو)، بياناً يدعم الرئيس ميشال سليمان، وإعلان بعبدا الصادر في حزيران (يونيو) 2012، وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، والمحكمة الخاصة بلبنان. ودعا إلى تأليف حكومة جديدة، مشدداً على ضرورة تقديم دعم دولي إلى لبنان من أجل مساعدته في استضافة اللاجئين السوريين. وتحدث عن «توافق في الآراء في شأن هذه الأهداف، ويجب الآن الانتقال من الأقوال إلى الأفعال».
وأوضح أن «هذا هو القصد من إنشاء المجموعة الدولية لدعم لبنان في 25 أيلول (سبتمبر) 2013، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة. ووضعت المجموعة ثلاثة أهداف، حُدّدت مع السلطات اللبنانية، وهي: تقديم المساعدة الإنسانية للاجئين واللبنانيين في المناطق الأكثر تضرراً، ودعم القوات المسلحة اللبنانية، وتقديم الدعم المالي والدعم لميزانية الدولة اللبنانية».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق