رئيسيسياسة عربية

العراق: اين هي مجالس الصحوة؟ وما هو مصيرها؟

اين هي «مجالس الصحوة» في العراق، واي مصير ينتظرها؟ واستطراداً هل ما زال بالامكان  الحديث عن دور مستقبلي لهذه المجالس التي انطلقت منذ نحو 7 اعوام، ونجحت في احتلال حيز كبير لها في الخريطة السياسية والامنية العراقية، بعدما تصدت لمهمة مواجهة عناصر تنظيم «القاعدة»، ونجحت بجهود كبرى من قواتها في تحجيم تطلعات هذا التنظيم الارهابي الشرس، وفي تبديد محاولاته الرامية الى السيطرة على محافظات الوسط العراقي؟

 هذه الاسئلة عن واقع مجالس الصحوة ومستقبلها طرحت بإلحاح في الآونة الاخيرة، وبالتحديد بعد سلسلة تطورات وتحولات جذرية طغت على الساحة العراقية، ولدت معادلات مختلفة بالتحديد في المحافظات والمناطق التي تشكل معاقل مجالس الصحوة، ومواقع نفوذها وساحة تأثيرها، مما ولد وقائع جديدة ومعادلات مختلفة عما كان سائداً في السابق.
وابرز هذه التطورات والتحولات:
1- حركة الاعتصامات والاحتجاجات الواسعة النطاق التي تشهدها محافظات الوسط اي معقل الصحوة منذ نحو 7 اشهر ضد حكومة نوري المالكي وادائها، واستطراداً ضد التركيبة السياسية والحكومية التي همشت واقصت شريحة وازنة من العراقيين، مما سمح بنشوء واقع سياسي متوتر قلب الصورة رأساً على عقب في هذه المحافظات الثلاث، واوجد معطيات جديدة كل الجدة، وخصوصاً في مزاج سكان هذه المحافظات.
2- عمليات التصفية والاغتيال بالجملة التي تتم بوتيرة اعلى من السابق بدرجات، وتستهدف عناصر وقيادات مجالس الصحوة الحاليين والسابقين، فضلاً عن تفجير مقراتها الى حد ان ثمة من صار يعتقد بأن هناك حرباً حقيقية تستهدف عناصر هذه المجالس وترمي الى اجتثاث حضورها او بالحد الادنى اضعاف وجودها وتقليص تأثيرها الى اقصى الحدود.

الانطلاق
عندما انطلقت مجالس الصحوة في ايلول (سبتمبر) من عام 2006، كان لظهورها المفاجىء على الساحة صدى واسع وتأثير كبير في مجرى الاحداث ومسار التطورات في عراق ما بعد صدام حسين.
فعند انطلاقتها كان تنظيم «القاعدة» يقبض بقوة على زمام الوضع في محافظات الوسط، ويعلن قيام «دولة العراق الاسلامية» بعدما بسط سيطرته على هذه المحافظات وشرع في التأسيس لحروب اهلية على اسس مذهبية وطائفية طويلة المدى.
وقفت مجالس الصحوة بشراسة وبسالة في وجه تنظيم «القاعدة» الذي كان استدرج آلاف العناصر من الخارج والف بين قلوب كل المعادين للحالة التي نشأت بعد الاحتلال الاميركي للعراق في ربيع عام 2003، سحبت هذه المجالس اولاً «الغطاء» الديني الذي كانت تتلطى وراءه، وتحتكر باسمه النطق بلسان السنة العرب، ثم بدأت بتحدي عناصر «القاعدة» ومواجهتها عسكرياً فأحبطت مع مرور اشهر عدة كل جهودها وبددت كل ما كانت ارست اسسه واطمأنت الى انه صار امراً واقعاً.
وبمرور الوقت، انضم عشرات الآلاف الى مجالس الصحوة، لا سيما بعد تضحيات قادتها وزعماءها امثال الشيخ عمران ابو ريشة وعشرات اخرين، سقطوا لاحقاً بعمليات اغتيال وتفجير نفذتها عناصر «القاعدة».
وبمرور الوقت ايضاً، بدأت رقعة نفوذ «القاعدة» تتقلص شيئاً فشيئاً الى ان باتت عبارة عن جيوب متناثرة وعصابات خفية دأبت على ممارسة لون من الوان حروب العصابات المتقطعة، الى درجة ان المسؤولين العراقيين ومعهم المسؤولون الاميركيون في بغداد، خرجوا بعد اقل من عام على انطلاقة مجالس الصحوة على وسائل الاعلام ليعلنوا بأن تنظيم «القاعدة» في العراق، اوشك على الاندثار والتلاشي.
ومنذ ذلك الحين، صارت مجالس الصحوة وزعماؤها وكوادرها وعناصرها رقماً صعباً في المعادلة السياسية العراقية، فعدد المنضوين تحت لوائها بلغ ما يقارب الثمانين الف عنصر، يتقاضون رواتب من الدولة ويحظون برعاية رسمية خاصة مع وعد في ان يكونوا لاحقاً جزءاً من التركيبة الامنية والعسكرية والادارية في البلاد، ويصيروا جزءاً اساسياً من جهاز الدولة في العراق.
واكثر من ذلك، صارت لمجالس الصحوة الكلمة العليا في محافظات الوسط، وصار زعماؤها، ولا سيما الشيخ احمد ابو ريشة الذي خلف اخاه الشهيد ابو ريشة، هم نجوم اللعبة السياسية في هذه المحافظات، واستطراداً صارت هذه المجالس بزعمائها وعناصرها وكوادرها تعد نفسها بناء على وعد الحكومة المركزية وسلطات الاحتلال الاميركي، بان تكون هي الممثلة السنية الحصرية لسنة العراق في السلطة والحكم، لها حق النقض في كل امر او قرار مصيري يخص العراق حاضراً ومستقبلاً.

تجاذب وصراع
لكن رياح الامور لم تسر وفق ما اشتهته هذه المجالس وما منت نفسها به، اذ بعد عام وبضعة اشهر من «الانتصار» الذي تم تحقيقه على تنظيم «القاعدة» وادى الى تغييبه عن الواجهة، انفتحت ابواب التجاذب والتصارع والخلاف على مصراعيها بين مجالس الصحوة والحكومة المركزية في بغداد.
ففيما اتهمت مجالس الصحوة هذه الحكومة صراحة بأنها لم تف بتعهداتها والتزاماتها تجاهها، لا سيما لجهة ضم عناصر الصحوة الى القوات الامنية والى الادارة، ومن ثم تقليص رواتبهم ومخصصاتهم المالية، لدرجة ان قادة هذه المجالس بدأوا يتحدثون عن ان الحكومة ولاسباب طائفية ومذهبية تريد انهاء دور مجالس الصحوة وابعاد عناصرها عن الادارة والدولة، لذا فهي بدأت عملية تنكيل منظمة بهؤلاء بعدما استغلتهم.
اما الحكومة العراقية فكان لها رأي مختلف في المسألة، اذ اتهمت مجموعات من مجالس الصحوة يعملون لمصلحة تنظيم «القاعدة» وانهم نفذوا عمليات ارهابية، وبالتالي صار مشكوكاً بولاء هؤلاء وبخضوعهم للقوانين والانظمة ولعمل المؤسسات.
واعلنت انها فعلاً ادخلت قسماً من عناصر هذه المجالس ولا سيما المستوفين الشروط الى المؤسسات الرسمية ودوائر الدولة، نزولاً عند تعهداتها والتزاماتها.
وهكذا وقع التباعد بين مجالس الصحوة وحكومة المالكي، ولم تعد هذه المجالس الطفل المدلل عند الدولة العراقية، مما اضعف مع مرور الوقت دورها وتراجع حضورها لمصلحة زعامات سياسية اخرى، وتجلى ذلك اكثر ما يكون في الانتخابات العامة الاخيرة في العراق التي حصلت قبل نحو عامين ونصف العام، حيث برزت قوى اخرى مثل «القائمة العراقية» كممثل للمحافظات الثلاث في البرلمان العراقي، مما اظهر تقليصاً لدائرة حضور المجالس وزعمائها، واستطراداً بدء افول نجم مشروع المجالس وامال وتطلعات زعمائها.
وقد اثبتت الايام صحة ذلك، اذ تولت القوى المنضوية تحت راية القائمة العراقية السيطرة على الكوتا الوزارية المخصصة لسنة العراق، وباتت مجالس الصحوة اشبه ما تكون بالنسي المنسي.

احتجاجات الميادين
ومنذ نحو 7 اشهر اي مع بداية حركة الاعتصامات والاحتجاجات في الميادين والساحات في المحافظات الوسطى احتجاجاً على اداء حكومة المالكي، برز اسم مجالس الصحوة مجدداً، ولكن بشكل مختلف، اذ تناقلت وسائل الاعلام انباء عن انشقاقات غير معلنة داخل مجالس الصحوة، واعلن احد ابرز زعماء هذه المجالس الشيخ احمد ابو ريشة التحاقه بحركة الاحتجاجات والاعتصامات وتبنيه شعاراتها ومطالبها، وشرع ايضاً في حملة انتقاد واسعة للمالكي وحكومته، مما دفع هذه الحكومة لاحقاً الى سحب الصفة الرسمية عن الشيخ ابو ريشة بعدما سحبت فوج مرافقته وحراسته التابع للقوى الامنية الرسمية.
وفي المقابل، فإن ثمة مشايخ اخرين من مشايخ الصحوة اعلنوا انهم باقون على ولائهم لحكومة المالكي، وانهم ليسوا مع اداء المحتجين والمعارضين للمالكي رغم انهم قد يتبنون بعض المطالب المرفوعة في الميادين والساحات.
وهكذا وبعد اعوام على انطلاقة مجالس الصحوة وبعد رحلة جهاد طويلة ومريرة بدت هذه المجالس في الاونة الاخيرة وكأن الاحداث والتطورات قد تجاوزتها ولم تعد هي الرقم الصعب في ساحتها، فهي صارت منقسمة على نفسها ومتذبذبة في مواقفها.
فالذين التحقوا منها بالاعتصامات والاحتجاجات على المالكي، وجدوا انفسهم في حالة استتباع او في حالة ملحق ليس اكثر لان ساحات الاعتصام وميادينه اوجدت قيادة جديدة للشارع، تتمثل بعلماء دين صاروا اصحاب الكلمة والتأثير الاهم، خصوصاً في مجال تصعيد المواجهة ضد حكومة المالكي، علماً بأن ثمة من يرى بأن مستوى حركة الاعتصامات والاحتجاجات بدأ ينخفض قياساً الى ما بدأ عليه قبل نحو سبعة اشهر.

تهميش وعجز
وفي المقابل، فإن اعضاء مجالس الصحوة الذين بقوا مع الحكومة لم ينجحوا في خلق مواجهة مع الطرف الاخر، واستيعاب المتظاهرين والمحتجين واعادة مد جسور التحاور والعلاقة بينهم وبين الحكومة المركزية، فصاروا على هامش الحدث عاجزين عن احداث اختراق حقيقي في ساحتهم، رغم استبسالهم في الدفاع عن قناعاتهم.
وفي كل الحالات، بدا واضحاً ان «مجالس الصحوة» كانت الضحية الكبرى لحالة «الانتفاضة» في محافظات الوسط ضد حكومة المالكي، فهم ازدادوا انقساماً حيالها، فضلاً عن تراجع حضورهم.
اضافة الى ذلك، فإن هذا الوضع المتحرك والمهتز سمح لخصومهم «التاريخيين”» وبالتحديد تنظيم «القاعدة» بالعمل على الانتقام والثأر منهم مستغلاً فقدان الغطاء اللازم لهم، فكانت عمليات التصفية بالجملة التي طاولتهم مع عائلاتهم.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق