افتتاحية

لو ينتفض الشعب يوماً ويمسك بزمام الامور

منذ سنتين بالتحديد والمحاولات قائمة لاخراج لبنان من الفراغ الرئاسي البغيض، واعادة تحريك عجلة الادارة واحياء المؤسسات، بحيث تنشط الحركة الاقتصادية المنهارة، والتي تنعكس بدورها على حياة اللبنانيين، فباتت تهدد الكثير من المؤسسات بالاقفال، وقد سبقتها مؤسسات اخرى شهدت هذا المصير الاسود. انها سلسلة مترابطة ومستمرة منذ ان عشش الفراغ في قصر بعبدا، ادانه العالم كله، وانتقد السياسيين اللبنانيين على عدم وطنيتهم، وقلة حيويتهم في التعاطي مع امور البلد ومصالح الناس.
فبعد زيارة البطريرك بشارة الراعي الى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وكان الفراغ الرئاسي محور الحديث ولا شيء غيره، توجه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، المعروف عنه حرصه على انتخاب رئيس للجمهورية، مستنجداً بالرئيس الفرنسي عله يوفق في ايجاد حل يخرج لبنان من المأزق، الذي رماه فيه السياسيون اللبنانيون. وعلى الرغم من الرغبة الاكيدة لسيد الاليزيه بمساعدة بلد الارز، الا ان جهوده وجهود بعض الاوساط المحلية والدولية تبقى مقيدة بالعناد الايراني، واصراره على بقاء لبنان بلا رئيس. فالرئاسة اللبنانية ورقة رابحة بيد المفاوض الايراني، ولا يريد التخلي عنها بلا ثمن كبير لم يفصح عنه بعد بانتظار التطورات في المنطقة.
بما ان التحرك باتجاه الخارج لم يؤد الى نتيجة، رغم نوايا القائمين به الصادقة، كان لا بد من تحرك داخلي، مع علم الجميع بان المواقف التعطيلية على حالها، وهي تتأثر بايحاءات من الخارج، ولكن المحاولات مستمرة وعسى ان تثمر يوماً. اخر المبادرات المحلية جاءت من الرئيس نبيه بري، الذي استغل جلسة الحوار الاخيرة، فاعلن عن مبادرة تنهي الفراغ وتخرج لبنان من ازمته، وهي تقوم على اجراء انتخابات نيابية مبكرة، نقول مبكرة وهي في الحقيقة متأخرة ثلاث سنوات عن موعدها الدستوري والقانوني! ولكن ما العمل وكل شيء في لبنان مخالف للقوانين ولطبيعة سير الامور، ويناقض الديمقراطية التي نتغنى بها ليلاً نهاراً، ونحن ابعد ما يكون عنها. واشترط الرئيس بري على النواب ان يوقعوا تعهدات خطية بالنزول الى المجلس النيابي فور اعلان نتائج الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس للجمهورية متناسياً او متجاهلاً ان رجال السياسة لا تلزمهم كلمة شرف يعلنونها ولا تعهد شفهي او مكتوب، والكل يذكر اعلان بعبدا الذي تم التوقيع عليه من قبل الجميع ثم ما لبثوا ان تراجعوا. البعض رحب باقتراح الرئيس بري والبعض الاخر تريث، والبعض الثالث رفض الفكرة من اصلها، واعتبر ان انتخابات نيابية تسبق انتخاب رئيس للجمهورية هي بمثابة مؤتمر تأسيسي وهو مرفوض تماماً.
واقترح بري في مبادرته التي لا تزال قيد التداول، وهو ينتظر اجوبة نهائية عليها، اقرار قانون انتخاب جديد، وتقصير ولاية المجلس الممددة، واجراء الانتخابات النيابية، على ان يليها انتخاب رئيس جديد للمجلس، فانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد ان يكون قد حصل على تعهد من النواب كلهم بضور جلسة انتخاب الرئيس. رافضو المبادرة يقولون بانه لا يجوز اجراء انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية.
ولكن ماذا لو لم يتم وضع قانون جديد للانتخاب؟ يقول الرئيس بري انه في هذه الحالة لا بد من العودة الى قانون الستين واجراء الانتخابات على اساسه. ومعلوم ان فريقاً كبيراً من السياسيين يؤيدون قانون الستين، لا لانه يخدم البلد، بل لانه يخدم مصالحهم، ويؤمن فوز لوائحهم. وهكذا يكون قد كتب على لبنان ان يبقى يدور في الدوامة عينها، وان يبقى هذا الطقم السياسي الذي اصبح مرفوضاً من الناس، متربعاً على كراسيه، لا يستطيع احد ان  يزحزحه عنها. مع ان الهدف الاساسي من الانتخابات ضخ دم جديد في الحياة السياسية البالية. فعن اي احلام بالتغيير نتحدث والحال هكذا؟ وكيف نؤمن الطريق امام فئة الشباب الذين لم تلوث ايديهم بالفساد السياسي، للوصول الى كراسي الحكم، وقلب هذا الوضع المهترىء الذي يصبغ لبنان بالسواد.
قلنا في مقالات سابقة في هذه الزاوية، ان التغيير مستحيل مع هذه الطبقة السياسية، وطالما ان العمل جار لتثبيتها في مواقعها ومنع ازاحتها، فعن اي تغيير نتحدث؟
بما ان الموسم هو موسم اقتراحات وتقديم حلول لا بد لنا من ان ندلي بدلونا، عله يعجب البعض من داخل الطبقة السياسية، بل من خارجها، وهو يقوم على انشاء محكمة عليا تكون مؤلفة من اشخاص يشهد الجميع على نظافة كفهم واخلاقهم، يكونون بعيدين كل البعد عن الطبقة السياسية وغير مرتبطين بها لا من قريب ولا من بعيد. ويحال الى هذه المحكمة جميع ملفات العاملين في الحقل السياسي، فتفتح كل واحد منها وبالتفصيل وتصدر احكامها دون ان تتأثر باي طرف او جهة، حتى ولو اضطر الامر الى تأمين حماية دولية لاعضاء هذه المحكمة، فمن يثبت في موقعه ويجتاز الامتحان، يعطى شهادة بممارسة العمل السياسي ومن يحكم عليه يدخل السجن كل وفق ارتكاباته. ولكن هل تعتقدون ان سياسياً واحداً يمكن ان يبقى حراً. فهل هناك من يوافق على هذا الطرح؟
ويشترط ايضاً ان يمر اي شخص يريد ان ينخرط في العمل السياسي على هذه المحكمة، فتشبع ملفه درساً وتمحيصاً وتعطي رأيها فيه، على ان تنشر نتائج التحقيقات في كل وسائل الاعلام، ليعرف الناس مع من يسيرون، ومن يؤيدون لتمثيلهم في المحافل الرسمية. طبعاً لا احد من السياسيين يوافق على هذا الحل، وان كان السواد الاعظم من اللبنانيين يحبذونه ويفضلونه. غير ان الكلمة الفصل ليست للشعب، بل للسياسيين الا اذا انتفض هذا الشعب يوماً وامسك بزمام الامور.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق