افتتاحية

فسادكم اخطر من ارهاب التكفيريين

بعد اربعة اشهر، والحبل على الجرار، لم تتمكن حكومة الوفاق الوطني، او هكذا يسمونها زوراً، لانها لم تتفق يوماً في ما بينها منذ تشكيلها، على ايجاد حل لازمة النفايات، والتي لم يعد من المجدي التذكير بمخاطرها، بعدما تحدثت كل الاوساط وخصوصاً الاوساط الطبية عن الامراض الناتجة عن النفايات والتي تهدد بانتشار الاوبئة في كل مكان. على كل حال لا يخلو بيت واحد اليوم من عوارض صحية تصيب المواطنين، وهي مرشحة لان تتفاقم اكثر.
اربعة اشهر من المداولات والنفاق السياسي، بشروا خلالها المواطنين مرات عدة بان الحل اصبح جاهزاً، وان الاتفاق تم على المخارج، ليتبين في ما بعد ان كل ما قيل من توقعات كان كلاماً في الهواء.
المحطة الحالية تتوقف عند ترحيل النفايات الى الخارج، الا ان الكلفة باهظة جداً، نصف مليار دولار، اي ان كلفة الطن الواحد هي 230 دولاراً، بينما كانت الكلفة في خطة الوزير اكرم شهب ثلاثين دولاراً فلماذا لم تعتمد هذه الخطة ومن عرقلها؟ ولماذا لا يقف المعنيون ويعلنون بالفم المليان اسماء المعرقلين؟
من هي الجهات التي كانت تحرك المواطنين في المناطق التي كانت ستعتمد لطمر النفايات، وسد الطريق امام التنفيذ؟ وما هي اهدافها؟ هل صحيح ان خطة الوزير شهيب، منعت المستغلين من الحصول على الحصص التي كانوا يحلمون بها، فغضبوا ووقفوا بوجه تنفيذ الخطة؟ وهل صحيح ان وراء اعتماد الترحيل، وربما اصبح قريباً، امكانية للكسب، عبر المناقصات والنقل والتنفيذ ولذلك فان الكلفة عالية جداً؟
هذه الطبقة السياسية التي عجزت عن رفع النفايات من حول منازلها ومنازل الناس، كيف يمكنها ان ترفع كمية فسادها المتراكمة منذ عشرات السنين، وهي عملية اصعب بكثير من رفع النفايات؟ لذلك فان اصلاح هذه الطبقة ضرب من المستحيل.
الوزير شهيب علق على دفن خطته التي امضى الساعات الطويلة والايام لدفعها الى التنفيذ، فقال: ان هناك اهدافاً وراء عرقلتها. ولكنه تكتم على الكشف عن هذه الاهداف حالياً. فلماذا هذا التقاعس؟ لماذ لا يقف ويعلن على الملأ من عرقل خطته، وما هي الاهداف التي باتت على كل حال معروفة لدى الرأي العام اللبناني، الذي عاد الى صمته المطبق، بعد موجة الحراك الوطني، بعدما شن عليها السياسيون حرباً شعواء لاسكاتها. صحيح ان حركة طلعت ريحتكم وغيرها تحركت قبل ايام، ولكنه كان تحركاً خجولاً لا يسمن ولا يغني عن جوع. اذ ان الزخم الذي انطلقت به الحركة خفت ويكاد لا يسمع صوته.
حتى الترحيل الذي تكلموا عنه والذي يؤمن للفاسدين صفقات ومداخيل كبيرة، عاد يتعثر، وقد يكون ذلك بسبب عدم استفادة فريق من الافرقاء. يقولون ان الترحيل معرقل لان الكلفة العالية تشكل عقبة امام التنفيذ. ولكن المواطن اللبناني يسأل متى اهتم هؤلاء السياسيون باموال الخزينة، وهي اموال الشعب اللبناني؟ لو كانوا حقاً يغارون على اموال الشعب، لماذا تركوا المليارات تهدر على الكهرباء، حتى فاقت كل التصورات دون ان يتحسن شيء في التيار الكهربائي، وبقي اللبنانيون يعانون من الانقطاع المستمر، وهم يدفعون فاتورتين؟ لو كانوا يغارون على اموال الخزينة لما فرغت واصبحت خاوية.
من هي الجهات التي تعارض خطة شهيب، وما هي الصفقات التي تدبر من خلال رفع النفايات؟ لعله يأتي يوم وتكشف فيه كل خبايا واسرار هذا الفساد المستشري، امام الرأي العام.
اخر بدعة من البدع السياسية الفاسدة، انهم يستنكفون عن الاهتمام بثروة لبنان الدفينة من الغاز والبترول، وهم يبحثون عن حصص لهم في هذا المشروع، والا فلتبق هذه الثروة دفينة مدفونة في قعر البحر، وربما غاب عن بالهم ان هذه الثروة باتت معرضة للنهب من قبل اسرائيل في غياب الدولة اللبنانية. وقد وصلت في الايام الاخيرة تحذيرات الى المعنيين بان لبنان معرض لان يفقد هذه الثروة، التي لو باشر باستخراجها لتغيرت حياة الناس ولاستطاع البلد ان يتخلص من ديونه التي ترهق الخزينة، وتنعكس على حياة المواطنين اليومية، فهل يجوز ان تبقى كل هذه الخيرات ضائعة بسبب تنفيعات وصفقات يعرفها الشعب اللبناني؟ هل يطل من بين هذه الطبقة الشخص النظيف الكف والقادر، فيسمي الاشياء باسمائها وينقذ المواطنين من هذا الغول الطامع بثروتهم وبرزقهم ورزق عيالهم؟
يبدو ان الله لن يتخلى عن لبنان، فمقابل هذه الطبقة السياسية الفاسدة، منحه اجهزة امنية من جيش وقوى امن وامن عام وامن دولة تعوضه عن نكبته بسياسييه، الذين طلعت ريحتهم، ليس في الداخل وحسب، بل وصلت ارتكاباتهم الى الخارج، وهم موضع انتقاد عربي ودولي. ولكن احداً لا يريد ان يسمع ولا يريد ان يتخلى عن مصالحه وصفقاته، ولا يهمه ان خرب البلد طالما ان مكاسبه مؤمنة.
هذه الاجهزة الامنية حققت في الايام الاخيرة وكما كانت دائماً انجازات اشاد بها العالم كله، وفي ذلك تعويض للبنانيين عما اقترفت ايدي سياسييهم الذين قابلوا جهود القوى الامنية الجبارة بحجب رواتبهم عن العسكر فهل هذا معقول؟ حقاً انه امر لا يصدق. فبئس هذا الزمن الرديء الذي ابتلانا بفساد سياسي يعادل في خطورته، الارهاب بكل اشكاله، فهل من يعي هذه الحقائق ويتحرك دون توقف حتى يتحقق التغيير واياً يكن الثمن؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق