افتتاحية

متى تصدر لائحة السياسيين فاقدي الصلاحية؟

في كل اسبوع، يصدر وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور، لائحة بالمؤسسات التي لا تستوفي شروط السلامة العامة، ويعدد المواد الفاسدة، محذراً منتجيها من انزالها الى الاسواق قبل تصحيح وضعهم.
انها بادرة طيبة من الوزير، شكره عليها معظم اللبنانيين، اللهم باستثناء قلة متضررة. ولكن العمل يبقى ناقصاً الى ان تصدر لائحة باسماء السياسيين الذين لا يستوفون الشروط، فيمنعون من العمل السياسي ويحجر عليهم في منازلهم، لرد الاذى الذي يتسببون به عن المواطنين.
لو اقدم الوزير ابو فاعور، ولو توفرت له الصلاحية الكاملة لمثل هذا العمل، لما بقي سياسيون من الطقم الذي يتحكم بالشعب وبالوطن، على الساحة، وعندها فقط يتنفس الناس الصعداء. فتختفي الصفقات والسمسرات والمحاصصات، وتتراجع المصالح الشخصية امام مصلحة الوطن، وتعود ثقة الناس الى حيث يجب ان تكون، ويبرز على الساحة، اناس تحفل بهم الطبقة الثقافية والاجتماعية، ولكن الطاغوت الفاسد، المتحكم بالبلد، يمنعهم من الظهور. فهم في نظره يشكلون الخطر الاكبر عليه.
لو طبقت لائحة السياسيين الفاقدي الصلاحية، تصبح الساحة نظيفة من الفساد، ويظهر جيل كفوء يتمتع بنظافة الكف وبالعلم والمعرفة وحسن تدبير الامور، فيعيد تنظيم البلد على اسس سليمة عصرية. ويعود لبنان الى لعب دور افتقده منذ ان فقد رجاله الرجال.
عندها فقط ينعم اللبناني بالهناء ورغد العيش، فتعود الكهرباء التي افتقدها منذ اكثر من ربع قرن على ايدي تجار السياسة وسماسرة اخر زمان، وتعود اليه المياه يومياً وعلى مدى ساعات اليوم الاربع والعشرين، وتعود كذلك كل مقومات الحياة الكريمة التي غابت عن سماء هذا الوطن، والتي ضاعت عند جيوب اصحاب النفوذ والمطامع الذين لا يشبعون.
الجميع باتوا يعرفون ان قضية النفايات التي تشغل الرأي العام اليوم، والتي وصلت اخبارها وروائحها الى الخارج، وتداولتها الصحافة العالمية، هي قضية رشوات وسمسرات وحصص، يتصارع عليها الافرقاء، ويسعى كل واحد منهم الى تكبير حصته، حتى اذا تمت القسمة بما يلائم الجميع تحل القضية. فهل هذا معقول؟
والمضحك المبكي ان هؤلاء السياسيين الفاقدي الصلاحية يسمعون الاهانات والشتائم تنهال عليهم يومياً، فيقولون ان السماء تمطر، ويطلون عبر الشاشات الصغيرة، بكل وقاحة والضحكات لا تفارق وجوههم. فهم مرتاحون الى وضعهم، وما همهم اذا جاع الشعب او شبع. عائلاتهم مؤمنة، اولادهم يتابعون دراساتهم في الخارج، وكل شيء على ما يرام بالنسبة اليهم، حتى اذا اكتشف امرهم وجاء من يحاسبهم يكونون مطمئنين، لانهم يحملون جنسية بلد آخر، فيستقلون الطائرة ويذهبون بعيداً، ويا ليتهم يذهبون اليوم فيريحون المواطنين من خلافاتهم واخطائهم وسياساتهم الخرقاء وفسادهم والتي اصبحت كلها موضع تندر الجميع.
وربما متسائل يسأل الا تزعجهم الروائح الكريهة المنبعثة من اطنان النفايات المكدسة على الطرقات وهي تنغص حياة اللبنانيين وتهددهم بالامراض؟
والجواب هو كلا. لان روائح الفضائح التي يرتكبونها والفساد الذي يملأ الاجواء هي الطاغية، وقد اعتادوا عليها، فلن يضيرهم اذا زيدت اليها رائحة النفايات.
اننا ننتظر من الوزير ابو فاعور هذه اللائحة السياسية، فعلها تصدر يوماً ويأتي من يطرد من تاجر بحياة الناس ويريحهم من فساده.
غير ان ما نخشاه حقاً هو ان تصدر لائحة «شعب غير مستوف الشروط»، وعندها يضيع كل امل بالاصلاح. فنحن نعرف ان الشعب وحده، هو الذي يستطيع محاسبة هؤلاء الذين يتاجرون بمصيره ومصير عياله، فماذا لو فقد القدرة على ذلك؟
في كل بلدان العالم عندما يعم الفساد السياسي ولو بنسبة ضئيلة يهب الشعب ليحاسب المسؤولين فهو المرجع الوحيد المؤهل لمحاسبة هؤلاء، فلماذا لا يهب اللبنانيون كل اللبنانيين دون تفرقة بين منطقة واخرى وطائفة واخرى، وينقلبون على هذا الوضع الذي لم يعد يطاق، ويفرضون نهجاً جديداًيعيد الى لبنان دوره. الشعوب العربية التي ترزح تحت الفساد تحركت في السنوات الاخيرة، فاطاحت حكاماً اخطأوا بحق اوطانهم وشعوبهم، بعضهم اختفى والبعض الاخر على الطريق. قد يقول قائل ان الربيع العربي فشل في فرض حكم صالح يعوض عما افسده الحكام المطاحون، ولكن ذلك عائد الى سوءالتخطيط والصراع على النفوذ، فحلت الاطماع والرغبة في السيطرة والسلطة محل المصلحة العامة، فكان طبيعياً ان تفشل التحركات. غير انه لو تكاتف اللبنانيون كلهم وعملوا لمصلحة بلدهم،دون التطلع الى المصالح الشخصية الضيقة، واستفادوا من تجارب الاخرين، لطردوا من عاثوا في الوطن فساداً، ولبنوا دولة تستحق عن حق ان تسمى سويسرا الشرق، فهل هذا ممكن ام انه ضرب من الاحلام؟
ان الامل الوحيد الباقي امامنا بعد ان باع سياسيونا شعبهم وانصرفوا الى عبادة المال وساروا وراء مصالحهم البعيدة عن مصالح البلد، ان هذا الامل الوحيد يتجسد في الشعب. ولكن اين هو هذا الشعب الذي لا يفعل سوى ان يعد العصي التي يتلقاها يومياً، فهل من ضربة مؤلمة تصيبه في موقع حساس فيستفيق ويتحرك؟ اننا لمنتظرون.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق