سياسة لبنانية

حوار عين التينية واستراتيجية مكافحة الإرهاب

ربما لم يكن الحريري يتوقع أن يكون جواب حزب الله سريعاً وأن يأخذ الأمر على «محمل الجد»، فيحمل استراتيجية محاربة الإرهاب الى طاولة الحوار ويجعل منها بنداً رئيسياً متقدماً على بند رئاسة الجمهورية التي من أجلها دخل المستقبل الحوار وللوصول الى الرئيس التوافقي… وأمام اندفاعة حزب الله في هذا الموضوع عمل تيار المستقبل على التخفيف من اندفاعته ووضع قيوداً وضوابط معتبراً أن مفهوم محاربة الإرهاب يستند الى ثلاثة مبادىء: تسريع إجراء انتخابات الرئاسة، التوقف عن التدخل في الصراعات العربية، وتكليف الدولة وأجهزتها المهمات العسكرية والأمنية لمواجهة الإرهاب.
يمكن القول إنه، رغم حجم المخاطر التي تطل برأسها عبر الحدود وطبيعتها الداهمة، من المستبعد أن يصل الحوار حول الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب الى نتيجة واتفاق لأسباب عدة يمكن اختصارها في النقاط الآتية:
1- الحوار بين المستقبل وحزب الله، والذي هدفه الأول المعلن هو تنفيس الاحتقان المذهبي، أعطى أولوية للملف الأمني وحقق تقدماً في هذا المجال مع تثبيت خطة طرابلس، وتنفيذ خطة البقاع وتنظيف بيروت من الشعارات الحزبية ووضع مخيم عين الحلوة تحت رقابة مشددة… ولكن الالتقاء الحاصل بين الطرفين هو على «الأمن الداخلي» وليس على «أمن الحدود» الذي تتمحور حوله استراتيجية محاربة الإرهاب الآتي عبر الحدود السورية – اللبنانية… فإذا كان هناك اتفاق على محاربة كل أشكال الإرهاب في الداخل اللبناني، فإن هذا الاتفاق لا يسري ولا تنسحب مفاعيله على الحدود مع سوريا، لأن كل ما يجري في المنطقة الحدودية وفي الجانب اللبناني من منطقة القلمون السورية، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمة السورية وهو جزء من معاركها وصراعها.
ولما كان الخلاف على أشده بين المستقبل وحزب الله، وما زال، حول الأزمة السورية والموقف من طرفيها، النظام والمعارضة، فإنه من غير السهل ومن غير الممكن أن يتوصلا الى استراتيجية واحدة لمكافحة الإرهاب في ظل خلافات وتباينات جلية حول تعريف الإرهاب وطبيعته وأطرافه.
2- من غير الممكن التوصل الى استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب بين المستقبل وحزب الله بمعزل عن الخلاف المستحكم داخل الحكومة وبين أطرافها وتحديداً بين فريقي 8 و14 آذار بشأن كيفية مقاربة الوضع على الحدود اللبنانية – السورية واستراتيجية مواجهة الخطر الوافد عبر هذه الحدود.
حزب الله مع حلفائه يرون أن الأخطار ستتعاظم أكثر في المرحلة المقبلة بعدما «يذوب الثلج ويبين المرج» وتبدأ معارك الربيع انطلاقاً من القلمون، وحيث سيجد الجيش اللبناني نفسه في مواجهة ضغوط قوية ليس قادراً لوحده على التعامل معها، وإنما سيكون أمام حتمية التعاون والتنسيق مع حزب الله ومع الجيش السوري في معركة واحدة وضد عدو مشترك هو الإرهاب… وإذا كان حزب الله يطرح في الاستراتيجية الدفاعية ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، فإنه يطرح في الاستراتيجية «الإرهابية» ثلاثية الجيش والمقاومة والنظام السوري…
أما المستقبل مع حلفائه، فإنهم يقفون في المقلب الآخر ويطرحون لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية استراتيجية من بندين وعنوانين عريضين: من جهة، ربط الجيش اللبناني بالتحالف الدولي وغرفة عملياته ليلقى المساندة الجوية عند الحاجة. ومن جهة ثانية، نشر قوات دولية على الحدود الشرقية مع سوريا إسوة بالقوات المنتشرة على الحدود الجنوبية مع إسرائيل وتحت القرار 1701 الذي يحمل في بنوده إمكانية التوسع ويتيح للحكومة اللبنانية أن تطلب مؤازرة دولية للجيش اللبناني على كل الحدود…
3- الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الإرهاب تحتاج الى حوار وطني يضم كل الأفرقاء والقوى السياسية والطائفية في لبنان، ولا يمكن أن تكون نتاج حوارات ثنائية مهما بلغ أطرافها من حجم وقوة… والحوار الوطني يلزمه رئيس للجمهورية هو الذي يدعو إليه ويستضيفه ويرأسه ويديره.
4- الرعاية الإقليمية لحوار المستقبل – حزب الله تغطي الداخل اللبناني ولا تشمل الحدود. ثمة تقاطع بين السعودية وإيران «مصلحي موضوعي» في لبنان بغض النظر عن علاقتهما السيئة في المنطقة والتي تزداد سوءاً. الدولتان مهتمتان بالحفاظ على استقرار لبنان وتحييده عن الحرب السورية، وهذا الاهتمام حاصل من منطلقات مختلفة: إيران لا تريد لحليفها في لبنان حزب الله أن يغرق في مستنقع داخلي يصرفه عن معركته الأساسية في سوريا، وتريد له أن يؤمن ظهره في لبنان في الوقت الذي يدير وجهه ناحية سوريا… والسعودية لا تريد لحليفها في لبنان تيار المستقبل أن يدفع ثمن أي حرب داخلية سيكون فيها المتضرر والخاسر الأكبر والحلقة الأضعف، وسيسود فيها التطرف عند الجهتين وحيث لا يجد المستقبل «تيار الاعتدال» مكاناً ودوراً له في هذه اللعبة وهذ الفتنة المذهبية…
ثمة التقاء وتقاطع بين إيران والسعودية على الاستقرار الأمني وأيضاً على الاستقرار السياسي الذي ترجم عبر حكومة سلام والآن عبر حوار المستقبل – حزب الله…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق