تحقيق

كيف نحد من العنف والنزاعات بين الأولاد اللبنانيين وأولاد النازحين السوريين؟

الحصص ركزت على تعليم التلاميذ ضبط الإنفعالات والتفكير قبل الإقدام على تصرف معين

عرضت جمعية «إدراك» (مركزالأبحاث وتطويرالعلاج التطبيقي) خلال مؤتمر صحافي عقدته في كلية العلوم الصحية في جامعة البلمند-الأشرفية، نتائج مشروع دعم نفسي استهدف التلاميذ من العائلات السورية النازحة والمجتمعات اللبنانية المضيفة في عدد من المناطق، نفذته بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، وكشفت أن أحد أهم نتائج المشروع ارتفاع مستوى دعم التلاميذ بعضهم لبعض في الصفوف التي شملها، من 2،9 في المئة قبل تنفيذ البرنامج إلى 42،4 في المئة بعد إنجازه.

هدف المشروع الذي مولته السفارة الأميركية لدى لبنان إلى تنمية قدرات اساتذة المدارس الرسمية اللبنانية ليكونوا وسطاء لتغيير سلوكي والمساهمة في بناء التسامح والحد من العنف والنزاعات بين الأولاد اللبنانيين وأولاد النازحين السوريين.
وشارك في المؤتمر الصحافي مديرة مشاريع المنح في السفارة الأميركية أرابيلا بربير بحصلي، والمنسقة العامة للتوجيه التربوي في وزارة التربية منى الطويل، إضافة إلى مديري المدارس المشاركة ومعلميها.

كرم: الأولاد لا ينسون
وإذ أشار رئيس «إدراك» الدكتور إيلي كرم في كلمة ألقاها إلى أن الدراسات «أظهرت أن الدماغ شديد التأثر في سنوات الطفولة والمراهقة»، قال إن الأبحاث العلمية، وبينها تلك التي أجرتها «إدراك»، «بيّنت أن للتجارب السلبية كما للتجارب الإيجابية آثاراً تبقى قائمة إلى ابعد بكثير من مرحلتي الطفولة والمراهقة»، وأن «الأولاد لا ينسون الضغوط التي يتعرضون لها في بيتهم أو في أي مكان آخر».
وأضاف أن أبحاث «إدراك» في السنوات الثلاثين الأخيرة في مناطق عدة في لبنان، «بيّنت وبصورة متكررة، أن سوء المعاملة الذي قد يتعرض له طفل في المنزل، أخطر من الحرب». وشدد على أن «الأزمات، ومنها مثلاً الحرب في سوريا، تترك أثراً كبيراً على الأطفال»، لكنه أوضح أن «الأطفال والمراهقين السوريين ليسوا وحدهم من يتعرض لهذه الصدمات، بل كذلك المجتمعات التي تستضيفهم» في لبنان.
وشدد على أهمية الصف المدرسي في الحدّ من هذه الآثار، من خلال «تشجيع الأساتذة على تطبيق مفاهيم واساليب توفّر للتلاميذ الأدوات التي تتيح لهم تحصين أنفسهم من المشاكل التي يواجهونها في المنزل وفي أمكنة أخرى».
وتابع «من هذا المنطلق، نفذت إدراك خلال العام الفائت، وبدعم من وزارةالتربية والتعليم العالي، مشروعاً ممولاً من السفارة الأميركية لدى لبنان، تم بموجبه تدريب 17 معلّماً على تطبيق برنامج خلال ساعات الدوام المدرسي العادية، يهدف إلى الحد من النزاعات وزيادة القدرة على التكيف لدى التلاميذ السوريين واللبنانيين على السواء».
واعتبر أن «فاعلية هذه المحاولات تزيد اذا ترافقت مع جهود على مستوى الأهل أيضاً»، مشيراً إلى أن «ذلك بدأ اصلاً مع وزارة الشؤون الإجتماعية في بعض المناطق».
وإذ اشاد بدعم وزارة التربية لهذا المشروع وتعاونها مع الجمعية على مدى السنوات العشرين المنصرمة،  أمل كرم في تحقيق «تحسين متواصل للتقنيات المعتمدة للحد من معاناة الأولاد من  الجروح النفسية التي يتعرضون لها جراء الحرب أو في منازلهم، إذ أن الطفل يكون في هاتين الحالتين عاجزاً، ولا يتقن الوسائل التي تمكّن
ه من حماية نفسه من الإنعكاسات والآثار الفورية والبعيدة المدى لمثل هذه الأوضاع».

الطويل: توجيه وقائي
أما المنسقة العامة للتوجيه التربوي في وزارة التربية والتعليم العالي منى الطويل، فشددت على أن «دور المؤسسات التربوية يجب ألا يقتصر على أن تكون مصدراً للمعلومات بل من واجبها أن تعدّ جيلاً يواجه المستقبل بالعودة إلى ذاته بحثاً عن الحلول المتعددة». واعتبرت أن «مشروع إدراك لبناء مهارات المرونة بالتعاون مع وزارة التربية يشكّل الحجر الأساس في التوجيه الوقائي لإعداد جيل بتمتع بمهارات تساعده على تخطي الصعوبات في مسيرته التربوية وتحصّنه لمواجهة المستقبل».
وأملت «في أن تعمم هذه التجربة الناجحة على كل مدارس لبنان الخاصة والرسمية»، متمنية «دوام التعاون إلى أن يصبح هذا البرنامج جزءاً من المنهج التعليمي الرسمي وأن تتاح هذه الفرصة لكل التلاميذ وخصوصاً في المرحلة الثانوية، نظراً لحاجتهم إلى هذه المهارات».

بحصلي: انتم لستم وحدكم
واشادت مديرة مشاريع المنح في السفارة الأميركية أرابيلا بربير بحصلي بجمعية «إدراك» التي «صممت المشروع ونفذته». ولاحظت أن «إدراك» التي «تضم أطباء متطوعين وتخصص جهودها وعملها للصحة النفسية والعقلية في لبنان والعالم العربي، ساهمت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة في التوعية بأهمية الصحة النفسية للمجتمع، وعملت على نشر ثقافة السلام، إذ أظهرت ابحاثها أن الحرب مرتبطة بمجموعة من الإضطرابات النفسية، ولذلك تطوعت لاحتضان الشباب والنساء والأطفال الذين عانوا الآثار المدمرة للحرب».
واضافت بحصلي أن «هذا المشروع الذي تم تنفيذه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي وتولت تمويله السفارة الأميركية في بيروت من خلال برنامج المنح الصغيرة، ساهم في دعم مبادرة إدراك لتدريب معلمي المدارس على تقديم دروس في الصفوف عن التقنيات التي تساهم في تحسين الصحة النفسية للأولاد اللبنانيين وأولاد اللاجئين السوريين الذين تركت الحرب آثارها عليهم».
وأشارت إلى أن أكثر من ألف تلميذ في مدارس متنوعة من مختلف أنحاء لبنان استفادوا من المشروع، آملة في «أن يتم تعميم هذه المبادرة على مدارس أخرى بغية استكمالها وتمكين أكبر عدد ممكن من الأولاد من الإستفادة منها».  وإذ لاحظت أن «مواطنين كثراً في لبنان يعانون من الآثار السلبية التي تركتها الصراعات العنفية على كل عائلة»، شددت على أن «أهمية هذا المشروع تكمن في أن رسالته الاساسية هي: أنتم لستم وحدكم… نحن هنا من أجلكم».

النتائج
وقدم الدكتور جون فياض والسيدة كارولين قرداحي تابت عرضاً لنتائج المشروع، فاشارا  إلى أن مشروع «تنمية قدرات الأساتذة على بناء التسامح والحد من العنف والنزاعات»، هدف إلى «تنمية قدرات معلمي المدارس الرسمية لكي يصبحوا وسطاء للتغيير السلوكي ويساهموا في بناء التسامح والحد من العنف والنزاعات بين التلاميذ السوريين واللبنانيين».
وأوضحا أن هذا المشروع «نفذ خلال السنة الدراسية 2013-2014 من خلال تقديم 442 حصة دراسية  في 13 مدرسة رسمية تتوزع على أقضية عاليه والمتن وصيدا بإشراف 17 أستاذاً وعدد من علماءالنفس والأطباء النفسانيين من «إدراك». وتم تقديم 13 حصة في كل صفّ، تم إدراجها في المنهج الدراسي للسنة الدراسية، وشارك فيها 1340 تلميذاً (من الصف الرابع إلى الصف السابع)».
وقال فياض وتابت: «تم تدريب المعلمين على تقديم الدروس التي يساهمون من خلالها في بناء استراتيجيات التكيّف، وبناء التسامح والمرونة، وحل النزاعات،  واستراتيجيات لضبط الإندفاعية والعدوانية والحدّ منهما لدى تلاميذ هم من اللبنانيين واللاجئين السوريين. وتم اختيار الأساتذة كوسطاء تغيير كونهم يؤدون دوراً حاسماً وبالغ الأهمية في حياة التلاميذ ويالفون لغتهم واحتياجاتهم».
وشرح فياض وتابت أن «الحصص التي أعطيت في الصفوف ركزت على تعليم التلاميذ أهمية التريث والتفكير قبل الإقدام على تصرف معين، وعلى توعيتهم إلى النتائج السلبية للسلوك العدواني والإندفاعي والمتهور. وتضمنت كل حصة مزيجاً من التقنيات الإدراكية-السلوكية المختارة بعناية، تهدف إلى التحكم بالجسم والعقل وتحقيق التوازن السلوكي بينهما، مع تعريف الأولاد إلى خطوات محددة يمكنهم اللجوء إليها لهذا الغرض، وتعليمهم كيفية السيطرة بشكل أفضل على الإنفعالات والمهارات اللازمة لمواجهة الضغوط اليومية التي يواجهونها»
واضافا: «وفق النتائج الأولية التي استخلصناها، أفاد 70 في المئة من المعلمين بأن هذا المشروع وفر لهم تقنيات تربوية عملية وسهلة، ولاحظوا جميعاً أنه ساهم إيجابياً في إحداث تغيير لدى تلاميذهم، ورأى 88 في المئة من المعلمين أن هذا المشروع ساعد تلاميذهم في تحسين سلوكهم على أكثر من صعيد. وعندما سئل المعلمون إذا كانوا يريدون المشاركة في هذا البرنامح في المستقبل مع صفوف أخرى، وافقوا جميعاً، وابدى 72 في المئة منهم موافقة شديدة».
وبحسب فياض وتابت، «افاد المعلمون بأنهم شعروا براحة أكبر في التعليم، في الصفوف التي شملها المشروع، بعد انتهاء البرنامج، وارتفعت نسبة إرتياح المعلمين في مهمتهم في هذه الصفوف من 23 في المئة قبل تنفيذ البرنامج إلى 41 في المئة بعد انتهائه، في حين انخفضت نسبة الإرتياح من 26،9 في المئة إلى 22،7 في المئة في الصفوف التي لم يشملها المشروع».
وكشف فياض وتابت أن «احدى أهم النتائج المستخلصة كان ارتفاع مستوى دعم التلاميذ بعضهم لبعض في نهاية البرنامج، واشار المعلمون إلى أن هذا المستوى زاد بعد تقديم الحصص في الصفوف من 2،9 في المئة قبل تنفيذ البرنامج إلى 42،4 في المئة بعد إنجازه. كذلك لاحظ المعلمون الذين لم يشاركوا في البرنامج الإرتفاع نفسه في الصفوف المشمولة به، من 11،8 في المئة إلى 48 في المئة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق