تحقيقسياسة لبنانيةلبنانيات

في جنوب لبنان قطاف الزيتون على وقع القصف الإسرائيلي والقلق

ينهمك غسان حسان في قطاف أشجار زيتون معمرة في بلدة حاصبيا في جنوب لبنان، بينما يصمّ الأذان أزيز طائرة استطلاع إسرائيلية لا تفارق سماء المنطقة القريبة من الحدود مع إسرائيل لتزيد من قلق سكان متعبين.
ويقول حسان وهو يقطف حبوب الزيتون الناضجة في البستان الواقع عند أطراف البلدة لوكالة فرانس برس «هذا العام يختلف عن سابقه (…) الطيران فوق رؤوسنا ليل نهار ونحن نعمل، وهذا الأمر يسبب إرباكاً للعمال الذين يخافون ويغادرون» أحياناً على عجل.
ما أن ينهي جملته حتى يتلقى أحد عماله رسالة على هاتفه النقال حول قصف يطاول بلدة حدودية قريبة يسكنها مع أفراد عائلته. فيتوقف عن القطاف ويتصل بيدين مرتجفتين بقريب للاطمئنان قبل أن يتنفس الصعداء ويتابع عمله.
يحلّ موسم قطاف الزيتون، وهو أحد المواسم الرئيسية في مناطق عدة في جنوب لبنان وينتظره السكان من عام لآخر، على وقع تصعيد بين حزب الله وإسرائيل لم تسلم منه أشجار الزيتون.
في التصعيد بين جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، قتل 62 شخصاً، بينهم 47 مقاتلاً من حزب الله وأربعة مدنيين ضمنهم مصور في وكالة أنباء «رويترز»، وفق حصيلة جمعتها فرانس برس، وثمانية أشخاص في الجانب الإسرائيلي، وفق الجيش.
ويطلق سكان جنوب لبنان على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المسيرة اسم «أم كامل»، نسبة الى «الزنانة» بسبب «الزنة» التي تحدثها من دون توقف.
ويقول حسان «كانت نسبة مرتفعة من العمال السوريين موجودة في بلدات الخيام والوزاني والماري، لكنهم غادروا» ما «أثّر سلباً علينا وبتنا بصعوبة نجد عمالاً».
ويشكل النازحون السوريون الذين يقول لبنان إنه يستضيف أكثر من مليونين منهم، اليد العاملة الرئيسية في موسم قطاف الزيتون. لكن التصعيد دفع مئات العائلات الى الفرار خصوصاً من البلدات الحدودية.

«نخاطر بحياتنا»

وكان السكان يشكون أساساً من تراجع المحصول هذا العام. وفاقم التوتر الأمني الوضع سوءاً، خصوصاً بعدما أدى القصف الإسرائيلي إلى اندلاع حرائق، أتت، وفق ما قال وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن لفرانس برس، على أربعين ألف شجرة على طول الشريط الحدودي في محافظتي النبطية وصور.
ويقول حسين شاهين بينما يقطف مع عدد من العمال حقل زيتون على أطراف حاصبيا، بعد وقت قصير من سماع دوي قصف بعيد نسبياً، «نأمل أن تهدأ الأوضاع حتى يتسنى لنا جمع المحصول هذا العام».
ويتابع «قلت للعمال، حمّلوا الأكياس (..) لا نعرف ماذا يطرأ علينا. عندما تسقط أول قذيفة نمشي».
وجمع العمال الزيتون في أكياس وضعوها تحت الأشجار، تمهيداً لنقلها. على امتداد مساحات واسعة في قضاءي حاصبيا ومرجعيون، يمكن رؤية عائلات وعمال يفترشون الأرض أو يتسلقون الأشجار أو يستريحون قبل أن يعاودوا نشاطهم، فيما طائرات الاستطلاع لا تفارق الأجواء.
ويوضح شاهين «يخاطر الناس بحياتهم، ينتظرون الموسم من عام لعام حتى يبيعوا الزيت ويؤمنوا لقمة العيش»، متابعاً «عندما يحصل القصف، يعودون الى منازلهم ويفرجها الله في اليوم اللاحق».
ويضم قضاء حاصبيا وحده، وفق مسؤول في التعاونية الزراعية في المنطقة رشيد زويهد، قرابة مليون ونصف مليون شجرة زيتون.
ويوضح المدرس المتقاعد (73 عاماً)، وهو صاحب معصرة زيتون، أن «موسم الزيتون هو مصدر رزق. قصف أم لا، الناس مضطرون لأن يتوجهوا الى الحقول ويجمعوا الزيتون. يخاطرون بكل تأكيد لكنهم مجبرون».

«الرزق كالولد»

في الهبارية، ينشط أفراد عائلة الشعار في قطف الزيتون. وتقول منى الشعار (54 عاماً) بينما تضع وزرة على خصرها وتنتقل من شجرة إلى أخرى «لا نشعر بالخوف، لكن صوت الطيران صرع رأسنا منذ الصباح. لقد وتّر أعصابنا».
ويتقاسم أفراد العائلة المهمات، منهم من يغطي الأرض بقماش لجمع الزيتون عليه، وآخرون يتناوبون على القطاف بواسطة عصا يضربون بها أغصان الشجر ليتساقط الزيتون الأخضر أو باستخدام أيديهم.
على بعد أمتار، يقول عدنان الشعار إنه لا يشعر بالخوف. ويضيف «قبل قليل، استهدف قصف تلال الهبارية وكفرشوبا» الواقعتين على بعد بضعة كيلومترات. «سمعناه بوضوح، لكننا تأقلمنا مع الوضع».
ويعتبر عدنان نفسه محظوظاً لتمكنه وعائلته من التوجه الى أرضهم. ويطلق على شجرة الزيتون في المنطقة اسم «شجرة البركة»، كونها من أبرز مصادر الدخل في تلك المنطقة. ويعتمد كثر على عائدات بيع الزيتون والزيت في معيشتهم.
ودفع التصعيد، وفق الأمم المتحدة، نحو 29 ألف شخص للنزوح، غالبيتهم الساحقة من جنوب البلاد، خوفاً من توسّع الحرب الى لبنان.
ويقول الشعار «أعرف أشخاصاً لم يتمكنوا من جمع رزقهم لأنهم قريبون أكثر من المنطقة الحدودية ويتعرضون للقصف».
ويوضح «لقد تركوا رزقهم وأرضهم، الأمر صعب، لأن الفرد يتعب من أجل رزقه. الرزق كالولد، تهتم به كما تهتم بابنك».

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق