تحقيق

«المساحات العامة، أزمات مستمرة» كيف نستعيدها؟!

«المساحات العامة، أزمات مستمرة»، تحت هذا العنوان نظمت جمعية «نحن»، السبت الفائت مؤتمراً ، في حرم مبنى كلية العلوم الإنسانية في الجامعة اليسوعية، تعاقب المشاركون فيه على الحديث عن مفهوم «العام» وعن المساحات العامة وكيفية استعادتها وتفعيلها.

ستة متحدثين تعاقبوا على تناول الإشكاليات المرتبطة بقضية المساحات العامة في المؤتمر الذي نظمته جمعية «نحن» وشارك فيه الأستاذة المشاركة في الجامعة الأميركية في بيروت منى فواز، المدير العام التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية، الدكتور أندريه سليمان، المدير التنفيذي لجمعية نحن محمد أيوب، السيدة عبير سقسوق ومنسق عام الإئتلاف المدني الرافض لإنشاء اوتوستراد فؤاد بطرس رجا نجيم. الحوار أداره فادي حلبي وتخلل المؤتمر عرض لصور فوتوغرافية عن المساحات العامة في لبنان.

استعادة فسحات بيروت
في البداية، تحدثت الأستاذة منى فواز عن «استعادة العام في فسحات بيروت» مفتتحةً كلمتها بتساؤلات حول مفهوم «العام» لتخلص إلى أن «الفسحة العامة ليست مجموع العقارات العامة»، كما كان سائداً قبل القرن العشرين، لأن مفهوم التخطيط المدني يؤكد على أن استغلال العقارات الخاصة يجب أن يخضع للقوانين ذات الصلة وهي قوانين تحدّد طريقة استثمار الأراضي بشكل يراعي المصلحة العامة. ثم تطرقت فواز إلى أهمية شاطىء بيروت ومعالمه مؤكدة أن المشرّع المدني يجب أن يحميها و«بدون هذا لا نبني مدينة بل نشرّع لعمل مجموعة من العصابات». ولحماية الفسحات العامة، ركّزت فوّاز على أهمية فرض «الضريبة العقارية» التي تستند إلى مبدأ مفاده أن «زيادة ثمن العقار يساهم في حصولها كل أبناء المدينة من خلال عملهم وبالتالي يجب أن يستفيد المجموع لا صاحب العقار من ارتفاع ثمنه» وهو المفهوم الذي تتبنّاه الدول الأوروبية الحديثة. كذلك تحدثت عن «عامل الاستثمار» عارضةً للتجربة الأوروبية التي تؤكد على «أن عامل الاستثمار هو حق للمجموعة» وللتجربة البرازيلية الحديثة التي انعكست في نص الدستور على أن «الأرض ليست سلعة بل لها قيمة اجتماعية». فواز ختمت حديثها بالإشارة إلى أن قوانيننا تتضمّن نصوصاً تساعد على حماية الحيّز العام معتبرة أن «الحق الاجتماعي لكل سكان بيروت قائم على الفسحة على البحر».

المساحات العامة في القانون

ثم عرض المحامي نزار صاغية لواقع «المساحات العامة في القانون» فربط فكرة المساحة العامة بالحرب اللبنانية الأهلية مذكراً بأن «الاعتداءات الأوسع على المساحات العامة وعلى الشواطىء البحرية والنهرية حصلت خلال فترة الحرب» ومشيراً إلى أنه «بعد الحرب لم يُبذل أيّ جهد لرفع أيادي المعتدّين عن الملك العام وللقول لهم إن هذا من شروط السلم الأهلي». صاغية اعتبر أن الدولة تهمّش فكرة الملك العام وتتذرّع بالواقعية لكي لا تعمل على استعادة الأملاك العامة كما أن المسؤولين يتعاطون مع المساحات العامة وكأنها أملاك خاصة بهم. ولفت، خلال تطرقه إلى موضوع دالية الروشة، إلى أن «الحق بالبيئة هو حق ولوج المواطن إلى الطبيعة» مؤكداً على أهمية القانون الصادر عام 2012 الذي يمنع، في المادة 33 منه، «القيام بأيّة أشغال تعرقل الولوج إلى السواحل» والذي يفرض عقوبات بالسجن من شهر إلى سنة على كل من يخالف أحكامه. وانطلاقاً من فكرة أن «الملكية الخاصة لا يجب أن تؤذي الحق العام»، اقترح صاغية ضرورة القيام بتوثيق كيفية الاعتداء على الأملاك العامة واللجوء إلى «التقاضي الاستراتيجي» من خلال رفع مجموعة من الدعاوى ضد بعض المعتدين كما شدّد على أهمية الحراك المدني.

دور البلدية
وفي كلمته عن «دور البلدية في تطوير وتعزيز المساحات العامة» انتقد أندريه سليمان الفكرة الشائعة التي تقول إن «الملك الخاص مقدّس» مذكراً بالمادة 15 من الدستور اللبناني التي تؤكد على أنه يمكن نزع الملكية الخاصة لتحقيق المنفعة العامة ومشيراً إلى أن استثمار أي عقار يخضع للقوانين التي تصنّف الأراضي ولتلك التي تحدّد عامل الاستثمار. سليمان استعرض صلاحيات البلديات في ما يتعلّق بالمساحات العامة الواقعة ضمن نطاقها والتي تبدأ من المشاركة في وضع المخططات التوجيهية وتصل إلى حماية المناطق ذات الطابع التراثي مروراً بحقها في إنشاء حدائق ومنتزهات ومواقف سيارات ومساكن شعبية ومراحيض عامة وملاعب رياضية وتشجير الأملاك البلدية، إضافة إلى حقها بالتعاقد مع مالكي الاراضي لاستثمارها بشكل معيّن وإمكانية أن تقوم بشراء عقارات.

العام في خطر… هويتنا في خطر

من جانبه، أكّد محمد أيوب أنه «بالنسبة إلينا، العام هو هوية الجماعة وعندما يكون العام في خطر ستكون هويتنا في خطر» ولفت إلى واقع «فصل الناس عن المساحات العامة كالرملة البيضاء وحرش بيروت بواسطة أوتوسترادات سريعة وكأنّ الغاية هي إبعادهم عنها» بينما كان «يجب ربط الحيّز العام بالناس وبالمدينة». واستعرض أيوب الحملات التي قامت وتقوم بها جمعية «نحن» في سبيل استعادة الأملاك العامة أو تفعيلها كحملة استعادة حرش بيروت وحملات الجمعية المستمرة الهادفة إلى استعادة شاطىء الرملة البيضاء (بيضا رملتنا) وتفعيل حديقة صور العامة (جنينتنا صورتنا) وربط قلعة بعلبك بالمدينة (القلعة في قلب بعلبك).
أيوب ختم مداخلته بالتأكيد على أن «التغيير يحتاج إلى مجموعة أشخاص منظمين ويمتلكون رؤية لمستقبل بلدهم ويضعون استراتيجيات وخططاً وليس ضرورياً أن يشارك في صنعه كل الناس».

حضور «الروشة»

أما عبير سقسوق فقد تحدثت عن «صورة الروشة وانتاج المساحات العامة على شاطىء بيروت» عارضةً لكيفية حضور الروشة في رسومات المستشرقين الذين زاروا لبنان في القرن التاسع عشر وفي البطاقات البريدية القديمة والحديثة ومستعرضةً تاريخ منطقة الروشة وكيفية استخدام شاطئها ورصيفها البحري عبر فترات زمنية مختلفة. سقسوق انتقدت القانون 402 الصادر عام 1995 والذي يسمح بمضاعفة عامل الاستثمار للمشاريع الفندقية وعرضت مسار منطقة دالية الروشة وصولاً إلى تسييجها قبل وقت قصير معتبرةً أن نشاطات الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة تهدف إلى «إبقاء علاقة الناس بالمنطقة” ومؤكدةً أن “عدوّنا الأساسي هو فقدان الأمل».

أوتوستراد فؤاد بطرس
وفي ختام الكلمات، تحدث رجا نجيم عن «مشروع طريق محور الحكمة-الترك» (أوتوستراد فؤاد بطرس) عارضاً مجموعة من الخرائط التي توضح طبيعة المشروع وضرره على السكان ومنتقداً «ربط أطراف المدينة بالبحر من خلال خرق المدينة». نجيم اعتبر أن «المسؤولين لا يرون إلا المشاريع بشكل عريض ولا يلتفتون إلى الإطار الحياتي للناس» وأن مشروع أوتوستراد فؤاد بطرس سيؤدي إلى تهجير الناس من أماكن سكنهم.
وبين كلمات المشاركين في المؤتمر وفي ختام أعماله، شارك الحاضرون بمداخلات طرحت مجموعة من الأفكار كتقديم حوافز لاستخدام الأراضي الخاصة للصالح العام وإقرار مشروع الضريبة العقارية والاستفادة من الأدوات الموجودة في القوانين اللبنانية.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق