سياسة لبنانية

لبنان: محاولة انقاذ اخر معقل للمسيحيين وانتخاب رئيس للجمهورية

هل تكون جلسة انتخاب رئيس الجمهورية العاشرة في 12 آب (اغسطس) الجاري مغايرة عن الجلسات التسع السابقة بدءاً من اول جلسة في 23 نيسان (ابريل) التي رفعت بعد فشل النواب في الجولة الاولى من انتخاب رئيس وتوزعت الاوراق 48 للدكتور سمير جعجع، و16 للنائب هنري حلو، و58 ورقة بيضاء، لان العماد ميشال عون لم يعلن ترشحه ورفض ان تنتخبه مكونات 8 اذار ضمن تكتيك انه لا يترشح مع اخرين، وان الاوراق البيضاء وغيرها هي لحسابه، وانه ينتظر الظرف الملائم لاتخاذ الخطوة يومها لم يدع الرئيس نبيه بري الى دورة ثانية بحيث ينتخب الرئيس بالاكثرية المطلقة (65 نائباً) خوفاً من صفقة تحت الطاولة بين 14 والنائب وليد جنبلاط وتغاض من الرئيس نبيه بري(قب باط).

اعلن بري رفع الجلسة خلافاً لما كان يحصل في الماضي اجراء دورات اقتراع خلال الجلسة الاولى عند استحالة تأمين الثلثين في الدورة الاولى. اما الجلسات التالية التي عقدت في 30 نيسان (ابريل)، و7 ايار (مايو)، و22 ايار (مايو) و9 حزيران (يونيو) و18 حزيران (يونيو)، و23 حزيران (يونيو) و2 تموز (يوليو) و23 تموز (يوليو) فلم يكتمل نصابها لمقاطعتها من نواب التيار الوطني الحر وحزب الله بعدما اعلن عون انه لن يؤمن النصاب الا لانتخابه او انتخاب من يرى فيه المواصفات التي تمكنه من تحقيق مشروعه الاصلاحي. كما اشترط حزب الله للمشاركة في الجلسة ترشح شخصية تدعم المقاومة ومشروعها، ولا تنتهج  الخط السياسي الذي اعلنه الرئيس ميشال سليمان في السنتين الاخيرتين باعتماد اعلان بعبدا لتحييد لبنان وسياسة النأي بالنفس عن التطورات في سوريا.

مواقف جامدة
ويعزو نائب في الجبهة المستقلة ان تعثر انتخاب رئيس للجمهورية يعود الى تمسك الاطراف بمواقفها والتزام الآلية التي وضعت لانتخاب الرئيس، والقائمة على حصر الترشح بأحد القادة الاربعة، كونهم يختزلون المرشحين. يومها تردد في اوساط سياسية ان مرحلة ترشح القادة ليست الى ما لا نهاية، وان هناك مهلة زمنية تنتهي لينتقل بعدها البحث عن آلية جديدة وافساح المجال امام المرشحين المستقلين، الذين يتمتعون بصفة التوافق والاعتدال والمقبولين من الجميع للترشح، وفتح الباب امام الافرقاء للتشاور. الا ان الانتقال الى الخطة ب اصطدم برفض عوني واصرار على استمرار ترشحه واعتبار نفسه مرشحاً توافقياً، ونتيجة لاعتراض محلي وخارجي على وصوله الى بعبدا، وعدم حصوله على الضوء الاخضر من الرئيس سعد الحريري ومن عواصم عربية وغربية، اعلن عون انه مع اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، وانه مع تأمين حقوق المسيحيين في ايصال ممثليهم الحقيقيين الى الندوة، وعندما يتحقق ذلك لا تعود الرئاسة تعنيه، وبالتالي فانه بدّل من سلم الاولويات خلافاً لمواقف الاطراف لا سيما قيادات 8 اذار التي تعتبر الانتخابات الرئاسية اولاً.
وترى اوساط في تيار المستقبل ان قول حزب الله «بان التطورات تجاوزت طروحات الحريري»، يعكس حقيقة موقف الحزب الرافض لانتخاب رئيس الجمهورية، وان مقاطعته جلسات الانتخاب هي ترجمة لهذا الموقف. وتشير هذه الاوساط الى ان الامين العام للحزب حسن نصرالله وفي اطلالته في يوم القدس لم يتطرق الى الملف اللبناني ولا الى الازمة السياسية والفراغ الرئاسي، وهذا يعكس موقفاً رافضاً لتحرير الاستحقاق اللبناني، وابقاء ملف لبنان مفتوحاً لاستخدامه اقليمياً كورقة ضغط في المفاوضات والمساومة عليه. ويتولى حزب الله في هذا الموقف تنفيذ الرغبة الايرانية، واللافت كما ينقل مصدر دبلوماسي ان مسؤولاً ايرانياً قال عندما سئل عن ملف الاستحقاق الرئاسي، اسألوا حزب الله والرئيس بشار الاسد لان ايران لا تتدخل في الشأن الداخلي، وهي مع الدولة اللبنانية والمؤسسات.

شخصيات توافقية
ان قوى 14 اذار فشلت في تحريك الملف واخراج الازمة من عنق الزجاجة. لقد طوت طروحات الحريري صفحة ترشح القادة وفتحت الباب امام ترشح شخصيات توافقية مقبولة من الجميع واوجدت مرحلة من خلال البحث عن آلية جديدة لانجاز الاستحقاق، وهذا ما تنطوي عليه جولات وفد تيار المستقبل على الحلفاء في 14 اذار، ومن ثم على بكركي والافرقاء في مكونات 8 اذار. ويكشف احد المراقبين ان الرئيس امين الجميل ربما اقدم على خطوة الترشح انطلاقاً من موقعه التوافقي، بعدما اعطيت الفرصة لعون وجعجع، ولم يؤمن احد منهما الفوز. وابلغ النائب سليمان فرنجية البطريرك الماروني انه  في حال تخلى عون عن ترشحه فانه مع ترشح العماد جان قهوجي. وابدى جعجع استعداده للتخلي عن الترشح ودعم ترشح الوزير بطرس حرب. واعتبرت اوساط اجتماع النائب وليد جنبلاط مع نصرالله خطوة متقدمة قد تدفع ملف الاستحقاق قدماً الى البحث عن مرشح توافقي مقبول من الجميع. وينقل زوار بكركي عن البطريرك قوله انه ليس عنده مرشح ولا لائحة مرشحين، وانه مستاء من تصرفات واداء بعض القادة الموارنة والاستلشاق في التعاطي مع الفراغ الرئاسي، مما قد يسهل لاحقاً القبول والتسليم بالفراغ، اضافة الى ان الفراغ هو جرح في الوطن، وينعكس ضرراً على لبنان وعلى الصيغة الميثاقية للعيش المشترك وعلى المسيحيين، وعلى مسيحيي الشرق. ويقول وزير سابق زار الديمان، ان البطريرك يعتزم التحرك محلياً وخارجياً لانقاذ لبنان والرئاسة، وانه يدرس جملة اقتراحات وقد يتشاور بشأنها مع عدد من القوى السياسية، بعدما عكست مواقفه الاخيرة استياء شديداً من استمرار الفراغ.
ويؤكد دبلوماسيون غربيون حرص دولهم على لبننة الاستحقاق، ويحملون القيادات المسيحية مسؤولية استمرار الفراغ ويحثونهم على لعب دورهم بعدما تبين ان القيادات الاسلامية وانطلاقاً من شراكتها في المسؤولية تتحرك لانقاذ الرئاسة ووقف ضرر الفراغ على المسيحيين، بعدما اصاب الضرر مسيحيي المشرق. وتزامنت هذه المواقف الغربية مع مخاوف من انهيار الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي في ظل الاوضاع السائدة والخشية من ان يعم الفراغ سائر المؤسسات خصوصا وان لبنان على عتبة استحقاق نيابي يبدأ في 20 آب (اغسطس)، وفي حال فشل النواب في انتخاب رئيس وعدم اجراء الانتخابات، يدخل لبنان في انهيار الدولة ويصبح الحديث عن عقد مؤتمر تأسيسي ضرورة وامراً حتمياً لاعادة تكوين السلطة على معادلة جديدة مغايرة لمعادلة الطائف، التي اعلن الرئيس الحريري في كلمته التمسك بها وبالمناصفة، ورفض اي بحث في الخروج عن الطائف او في تغيير المعادلة والاسس التي قام عليها.

حماية المسيحيين
وعلى رغم التأكيد الغربي على لبننة الاستحقاق، تشير اوساط دبلوماسية الى تواصل بين الفاتيكان وعدد من العواصم الغربية، لا سيما فرنسا التي شهدت خلال عطلة الاسبوع لقاءات فرنسية – اميركية تحت عنوان كيف نحمي المسيحيين وكيف ننقذ اخر معقل للمسيحيين، اي لبنان، من خلال انتخاب رئيس للجمهورية والعمل على حماية المؤسسات. وتركزالبحث حول شخصية يقبل بها الجميع لا تعتبر استفزازية  او تحدياً، ولا تمثل خطراً على اية فئة، تكون مقبولة من الجميع وفاقية توافقية. وتطالب قوى 14 اذار برئيس وفاقي معتدل مقبول من الجميع يكمل النهج السياسي الذي رسمه الرئيس ميشال سليمان. وعرضت في دوائر القرار مجموعة اسماء لشخصيات لبنانية معتدلة مستقلة مقبولة من الجميع ليصار الى عرضها في خطوة لاحقة على الافرقاء  لمساعدة اللبنانيين على الخروج من المأزق، ويصار الى توفير الغطاء الخارجي للخيار اللبناني، حول احد من اسماء اللائحة التي لا تتجاوز اصابع اليد. وقد بدأت عمليات التقصي عن الاسماء في محاولة لانتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية المجلس بحيث يتسنى للنواب بعد انتخاب رئيس، ان يمددوا للمجلس الفترة المتبقية لاكمال عقد كامل للمجلس اي اربع سنوات في حين تطالب قوى 14 اذار بالتمديد للربيع المقبل فتجري الانتخابات في ايار (مايو) 2015 بدل ايار (مايو) 2017.
وعلى رغم هذه المعطيات والحرص الغربي لا سيما لدى دوائر القرار والفاتيكان على  انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت، تستبعد اوساط سياسية قريبة من قوى 8 آذارانجاز الاستحقاق  قبل حصول انفراجات في المنطقة، اقلها حل الازمة العراقية، وبروز بوادر انفتاح سعودي – ايراني، لأن مثل هذه الاشارات قد تساعد على طي ملف الفراغ الرئاسي. وفي حال تأخرت الحلول والاشارات فان الانتخابات الرئاسية ستكون في تشرين، وفي رأي اطراف اخرى في 8 آذار ان لا انتخابات قبل نهاية العام اي قبل انجاز صفقة الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران عبرالتوقيع على  الاتفاق بين  ايران والدول الست بعدما تم ارجاء البت في الاتفاق اربعة اشهر جديدة، تسمح للرئيس حسن روحاني بان يتحضر للتوقيع رغم معارضة الداخل لانه اذا لم يوقع فان رحيله يصبح مطروحاً.

فيليب ابي عقل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق