رئيسيسياسة عربية

هل يرضخ سلام لشروط 8 اذار ام ينتظر الاتصالات الدولية؟

عندما اقدم الرئيس نجيب ميقاتي على تقديم استقالة حكومته، استشعرت الاطراف السياسية ان هناك تغييراً على صعيد الخارج دفع به الى الاستقالة، وكشفت اوساطه، انه اجتمع مع الامين العام لحزب الله بعد استقالته ووضعه في «حال القرف» التي يعيشها من جراء اداء بعض الوزراء «كل واحد فاتح على حسابه»، وانه استقال لعدم تمكنه من مواجهة الاستحقاقات الدستورية المقبلة، اضافة الى عدم التزام الاطراف وممثلي الكتل في الحكومة بسياسة النأي بالنفس، وخوفه من تداعيات التورط اللبناني في المعارك في سوريا.

اختار الرئيس ميقاتي موضوع عدم التمديد للواء اشرف ريفي (ابن طرابلس) في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، ليقدم استقالته تحت عنوان سني تعتبره قوى 14 اذار رمزاً، موظفاً ذلك في بيئته وفي طرابلس تحديداً، مستعيداً موقعه في الشارع السني، خصوصاً وان دولاً  عربية وغربية كانت تتمنى ان يستمر ريفي في موقعه بعد اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات.
وامام هذه الصورة كان اجماع 124 نائباً (العدد ذاته الذي انتخب الرئيس سليمان في 25 ايار – مايو – 2008) على تسمية النائب تمام سلام بعد زيارة خاطفة للاخير الى السعودية اجتمع خلالها مع الرئيس سعد الحريري ومع مسؤولين سعوديين كما تردد، واعلنت قوى 14 اذار من بيت الوسط ترشيح سلام لرئاسة الحكومة الجديدة وكان مشاركاً في الاجتماع، واعتقدت القوى السياسية في 8 و14 اذار ان هناك توافقاً دولياً وتكليفاً اقليمياً وحتى دولياً، للسعودية برعاية الملف اللبناني. واوحت المعطيات وما توافر من معلومات ان هناك تغييراً طرأ على الملف اللبناني، وان «الانقلاب الابيض» على الرئيس سعد الحريري لدى نسف حكومة الوحدة الوطنية من قبل وزراء 8 اذار بقرار ايراني
– سوري، خلافاً لاتفاق الدوحة، قابله «انقلاب مضاد» قاده ميقاتي لاعادة الامور الى ما كانت عليه قبل تطيير حكومة الحريري.

 لا اتفاق خارجياً
عاش الوسط السياسي لفترة في هذه الاجواء الى ان اكتشفت قيادات 8 اذار عدم وجود اتفاق خارجي خصوصاً بين السعودية وايران، وان النفوذ السوري والايراني لا يزال يتحكم بالساحة اللبنانية. وبرز ذلك من خلال رفع مطالب وشروط قوى 8 اذار، لا سيما حزب الله الذي فرض الثلث المعطل في الحكومة، اضافة الى حقائب اساسية كالخارجية والاتصالات، والطاقة والعدل. وتبين ان الزخم النيابي الذي وصل به سلام سرعان ما تبخر. وعادت قوى 8 اذار الى التحكم بمسار تشكيل الحكومة، مستخدمة التهويل بالامن مما حمل جنبلاط على التريث في اتخاذ اي موقف، والتمني على الرئيس سلام تأخير اعلان اية تشكيلة وزارية الى حين بت موضوعي قانون الانتخاب وموعد الانتخابات النيابية.
وفي هذا السياق يروي احد المطلعين ان الرئيس ميشال سليمان طلب من سلام لدى الاجتماع معه بعد الانتهاء من الاستشارات النيابية، ان يتريث وان يجري اتصالات بعيدة عن الاضواء وان يتوافق مع النائب وليد جنبلاط على اية خطوة، وان الاجماع النيابي الذي حصل ليس سوى شيكات من دون رصيد حتى الان. وكشف احد الوزراء ان المعلومات الديبلوماسية المتوافرة حول هذه المرحلة  تشير الى ان سوريا انزعجت من استقالة ميقاتي وكذلك ايران، فأوعزتا الى حلفائهما في لبنان بالتحرك وعدم السماح في هذا الظرف لقوى 14 اذار او للمستقلين بالعودة الى السلطة. فالمستقلون هم الوجه الاخر لعملة 14 اذار.
وشنت الحملات على المستقلين، طاولت سليمان وميقاتي وسلام، قادها الرئيس نبيه بري الذي اتصل بسلام مستوضحاً مصيرالتأليف، فرد الاخير بانه سيزوره لاطلاعه على ما لديه وهكذا كان. وامام هذه الوقائع تبخرت الاوهام لدى البعض وتبين ان لا اتفاق سعودياً – ايرانياً حول لبنان ولا غطاء خارجياً. وخاب ظن البعض بعدما تبين ان النفوذ السوري في لبنان لا يزال قائماً ومؤثراً على رغم الحوادث في سوريا، وهذا ما عكسته مواقف 8 اذار التصعيدية  من موضوع تشكيل الحكومة. وقد اصرت على منع قوى 14 اذار والمستقلين من ان يكون لهم ثلثا المقاعد والحقائب، لا سيما الاساسية، مطالبة بالثلث الضامن رافضة الضمانة التي قدمها سلام من انه هو الضمانة وانه سيستقيل اذا استقال اي مكون من الحكومة، وانه لن يقدم على اية خطوة لا توافق عليها هذه القوى، مؤكداً على موقفه المتقدم من المقاومة عن قناعة وليس تكتيكياً.
حيال هذه المعطيات تقول اوساط المصيطبة ان الرئيس تمام سلام لا يزال على موقفه، لن يعتذر بل سيشكل حكومته بعد ان يستأنف المشاورات، متمنياً على الاطراف التزام الدستور نصاً وروحاً، متمسكاً بالصلاحيات التي منحه اياها. وان رئيس الحكومة  هو الذي  يشكل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية بعد التشاور مع الكتل النيابية. وانه يرفض ترؤس حكومة الاخرين اي حكومة الكتل، مع رفض منطق المشاركة وفق الاوزان والاحجام التي لا يشير اليها الدستور، ويريد ان يشكل الحكومة التي تشبهه وان كانت طبيعة مهمتها قد تبدلت، فباتت حكومة سياسية وليست حكومة تشرف على الانتخابات بعد تمديد ولاية المجلس 17 شهراً. يريد حكومة وفق المعايير التي وضعها لا تضم وجوهاً صدامية، ولا وزراء من الحكومة السابقة، مفضلاً التعاون مع عنصر الشباب، في تركيبة ثلاث ثمانات من دون ثلث معطل ولا وزير ملك او وديعة، بل حصص صافية لقوى 8 و14 والمستقلين مع المداورة في الحقائب ورفض فرض الاسماء عليه. ان على الكتل التقدم بلائحة الاسماء والحقائب التي تريد وهو يختار من بين الاسماء من يمكنه التعاون معهم ويوزع الحقائب بالتساوي بين الطوائف والمذاهب والكتل والمناطق.


هل يخضع سلام للتهويل؟
هل ينصاع سلام الى ضغوط الاطراف والى التهويل بالامن ويرضخ لشروط 8 اذار؟
لقد تبين ان التهويل بالامن لفرض المواقف نجح في تخويف النواب من مغامرة الانتخابات والسير في التمديد للمجلس 17 شهراً، علماً بأن القوى السياسية في 8 و14، كانت اصلاً غير راغبة في اجراء الانتخابات. لقد سبق لهذه القوى ان راهنت على نتائج الحرب في سوريا. فقوى 14 اذار اعتبرت ان النظام قد يسقط قريباً وبالتالي تفقد قوى 8 اذار سنداً اساسياً يسهم في تقليص الضغط الايراني على لبنان، بعد خسارته حليفه الاساس في المنطقة. وتستفيد 14 اذار من هذه الوضعية في الانتخابات عام 2013 فتحصد فيها الغالبية الموصوفة مع جنبلاط، وتعمل على تغيير المعادلة وتؤمن بذلك العبور الى دولة القانون والعدالة والحق. وقد خاب ظن 14 اذار بعد فشل المعارضة في اسقاط النظام، ففضلت التأجيل على اجراء الانتخابات وفق الستين، لانه كما قال نائب قواتي: هو  تمديد شرعي للمجلس الحالي لولاية جديدة (4 سنوات).
وراهنت قوى 8 اذار على بقاء النظام السوري بعد فشل المعارضة في تحقيق اهدافها باسقاطه. وتقول اوساط في حزب الله ان المجتمع الدولي ادرك قوة النظام، وتلاحم الجيش، في وجه معارضات سورية في الداخل والخارج غير متفقة، فاقترح الحوار والحل السلمي ووقف العنف، وهذا اعطى 8 اذار زخماً على الساحة المحلية قد تمارسه من خلال الضغط على سلام امنياً وعبر الشارع، كما فعلت مع النواب للتمديد للمجلس، فيرضخ سلام لشروطها بعدما اوجدت معادلة جديدة: الامن على حساب الدستور والاستحقاقات. وقد يتصدى سلام لهذه المحاولة ويصمد من دون التراجع او الرضوخ. ويتوقع احد الوزراء استناداً الى تقارير خارجية ان يتأخر تشكيل الحكومة الى ما بعد مؤتمر جنيف – 2 على ان تلتزم السلطة المحافظة على الاستقرار في لبنان وضبط الامن والتزام سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا حول تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية، وقد اسفت الدول الغربية «لعدم التزام لبنان بالديموقراطية وتجاوزها في الوقت الذي تتجه الدول العربية الى ممارسة الديموقراطية رغم الحوادث الامنية. وحثت الجهات السياسية على الاتفاق على قانون للانتخابات وتحديد تاريخ جديد لاجرائها. وشجعت على تشكيل حكومة من دون اي تأخير لاعادة بناء ثقة المواطنين في مؤسساتهم الديموقراطية لتجاوز التحديات التي تواجه لبنان».


الطعن بالقانون
وفي السياق ذاته وقّع الرئيس سليمان على قانون تمديد ولاية المجلس بعد ساعات على اقراره في المجلس، واعلن في اليوم التالي وفي رسالة الى اللبنانيين انه اختار بين الصلاحيات المتاحة له ان يرسل طعناً بالقانون الى المجلس الدستوري «انسجاماً مع روح الدستور ومرتكزات الديموقراطية وبعيداً من اي كيدية في استعمال السلطة وشل مجلس النواب وتعطيل العمل التشريعي». مع الغمز من قناة تقصير مجلس النواب ورئيسه في انتاج قانون جديد للانتخابات. وقد اقنع الثنائي الشيعي – جنبلاط بالتمديد وسوق الاخير الاقتراح لدى الرئيس الحريري فتبنته 8 و14 اذار باستثناء نواب العماد ميشال عون واعلن الرئيس بري العمل على مؤتمر اسلامي -اسلامي يسعى الى وأد الفتنة في المهد، ويعيد التواصل بين تيار المستقبل وحزب الله، مقدمة لعودة الحريري واعادة التواصل بينه وبين الحزب. وكشفت اوساط مطلعة عن شروط وضعها الحريري لهذه الخطوة اقلها عودة الحزب الى لبنان وتقديم المصلحة الوطنية على مصالح الخارج، والا يكون فصيلاً في الحرس الثوري الايراني يتلقى الاوامر من قائده كما اعلن السيد حسن نصرالله، وان يعود الى طاولة الحوار ويتم البحث في سلاحه من ضمن الاستراتيجية الدفاعية واعلان الالتزام باعلان بعبدا وضرورة تطبيق سياسة النأي بالنفس وسحب مقاتلي الحزب من سوريا.
غير ان ما يشير اليه احد الوزراء هو ان مرحلة ما بعد التمديد ليست كما قبلها وان الموقف الذي اتخذه عون من التمديد ومن تورط الحزب في المعارك في سوريا لافت. واشار الوزير جبران باسيل الى «ان الهوة تكبر في الداخل بين الحلفاء لانهم يقدمون اولويات الخارج على الداخل». وانتقد عون مشاركة الحزب في المعارك في سوريا مشيراً الى ان ورقة التفاهم لا تشيرالى ذلك. ويسعى عون الى التمايز عن حليفه عشية الانتخابات الرئاسية بعدما تبين له ان موقع الرئاسة لا يمكنه ان يوفر الغطاء لايران والحزب، وان هذا الامر مرفوض دولياً وعربياً وقد يساهم موقف عون في اعادة خلط الاوراق على الساحة السياسية وكسر الاصطفاف القائم ويحاول عون ان يعطي لنفسه مساحة من الاستقلالية في الوقت الذي تنمو فكرة المستقلين مع تشكيل الحكومة السلامية.
ويبقى الوضع الامني الهاجس لدى اللبنانيين بعدما تبين ان هناك خطة لاستهداف لبنان وربط مصير الامن فيه بما يجري في سوريا بحيث يعمل النظام في سوريا على استخدام ورقة لبنان الامنية عشية جنيف – 2 لتحسين شروطه وتعزيز اوراقه التفاوضية. وان الخرق الذي تتعرض اليه المناطق البقاعية ليس سوى تأكيد على المخطط لضرب الاستقرار في لبنان واستخدامه كورقة قوية في المفاوضات. وتطالب قوى سياسية السلطة بابلاغ مجلس الامن والجامعة العربية بما يتعرض اليه لبنان والمطالبة بحمايته من القذائف والصواريخ السورية.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق