ملف

العمال السوريون In واللبنانيون… Out!!!

دخلوا لبنان بصفة نازحين سوريين، واللبنانيون الذين تعودوا على فتح بيوتهم لاستقبال الضيف فعلوها أيضاً هذه المرة حتى ضاق الدار بأهله. لكن خواتيم المعاناة الانسانية تحولت فاقة اقتصادية، فالنازحون السوريون تحولوا عمالاً أصيلين في مهن حرفية وحتى في الوظائف التي كانت ممنوعة عليهم قانوناً. وأصحاب المؤسسات استبدلوا العمال اللبنانيين بالعمال «النازحين»، بحجة رخص اليد العاملة وقبولهم بالشروط التي لا يتحملها مطلق أي عامل أو موظف لبناني يعمل تحت سقف القانون. والحل؟ اذا طالبنا بمقاطعة هذه المؤسسات نتهم بالعنصرية. واذا تساهلنا وقلنا «أزمة وتمر» فالواضح أنها طويلة. وكل يوم يمر يعني خسارة لبنانيين أعمالهم لصالح نازحين سوريين. والنتيجة؟ هم يسحبون سجادة العمل من تحت اقدام أهل البيت والدولة غارقة في «كوما» الانتخابات النيابية. فهل يقتنع العامل اللبناني بالقليل القليل قبل أن يصبح بدوره نازحاً أو مهاجراً بدرجة امتياز؟

شئنا أم أبينا النازحون السوريون وطأوا عتبة المليون ونصف المليون، وقريباً المليونين. وأينما توجهت تراهم في كل مكان. في محال الخضار، في المطاعم، المخازن، المتاجر، في الحقول، وحتى على البسطات التي كانت ممنوعة على اللبنانيين، صارت محللة للنازحين. ومن لم يوفق بباب رزق يكتفي في الجلوس على قارعة الطريق، أو الإنتظار أمام مشاريع البناء. ببساطة هم في كل مكان، نازحون وعمال من دون تحديد أرقام نهائية. لكن إذا سلمنا أن العدد الرسمي المسجل في دائرة العمال السوريين في وزارة العمل لا يتجاوز الـ 650 عاملاً سورياً، فهذا يعني حتماً أنه يقارب عدد العمال السوريين في مدينة أو قرية لبنانية. لكن المسألة لم تعد مجرد أرقام، بعدما بدأت تتجلى مظاهر غضب اللبنانيين بسبب تدفق العمال السوريين واحتلالهم مراكز عملهم في غالبية المهن والأعمال وحتى الوظائف.

اجتياح سوري
وازداد الوضع سوءاً مع إصدار وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، قراراً بتاريخ 3 شباط (فبراير) 2013، قضى بالسماح للعمال السوريين في مزاولة مهن كانت محصورة فقط باللبنانيين لدواع إنسانية، مما زاد الوضع تعقيداً، وضاعف من مشكلات اللبنانيين في سوق العمل، علماً بأنه تبين أن المهن التي أفسح عنها جريصاتي كان يزاولها السوريون ومن دون قرار وزير و«من دون جميلتو». لكن المشكلة تفاقمت اليوم بسبب تزايد اعداد السوريين وبات يمكن لمطلق صاحب أي شركة أو مؤسسة استخدام العمال السوريين بأجر أقل من اجر العامل اللبناني وعلى حساب كفاءة وأحقية اللبناني في الوظيفة.
المهن التي اجتاحها النازحون السوريون تشمل كل القطاعات: أمين صندوق، محاسب، سكرتيرة، أمين محفوظات، مندوب تجاري، مندوب تسويق، سائق أجرة سائق خاص. أما المهن التي كانت محصورة تقريباً بالعمالة السورية ولا تزال، فهي: أعمال الدهان، الميكانيك والصيانة، تركيب زجاج، طاه أو شيف مطعم، حلاقة، حاجب (الناطور أو الحارس)، أعمال التبليط والتوريق، والدهان، والخياطة، وأعمال الحدادة والتنجيد، الأعمال الإلكترونية، ومراقب أشغال، وبائع في محل، وأمين مستودع، وعامل في التمديدات الكهربائية. ماذا بقي من حصة للبنانيين؟ تقريباً لا شيء.

الخولي: إنقلاب في سلم العمالة
«ما يحصل هو انقلاب في مفهوم العمالة في لبنان»، بهذه الجملة يختصر رئيس اتحاد نقابات جبل لبنان والقاضي في محكمة العمل مارون الخولي ما يحصل اليوم في سوق العمل اللبنانية. ويضيف: «في الماضي كانت العمالة السورية موزعة على مهن هامشية مثل العتالة وورش البناء والتنظيف، أي كل المهن التي كان يرفض اللبناني أن يلطخ يديه فيها. أكثر من ذلك كان ضباط جيش الإحتلال السوري يرسلون في طلب العمال السوريين من بلدهم إلى لبنان ويفرضون على أصحاب الورش والمؤسسات والمحال تشغيلهم ليتقاسموا معهم لاحقاً الغلة. ولم يكن يجرؤ أحد على رفض طلبهم خوفاً من العقاب العسكري. وعلى رغم انحسار المهن في حينه، إلا أن الصرخة كانت تعلو أحياناً وراء الجدران لتعود وتخفت أحياناً أخرى».
اليوم هناك واقع مختلف وأكثر ظلامة، خصوصاً أنه مغلف بطابع إنساني. فالعمالة تنتشر بحسب الخولي على كل الأراضي اللبنانية وتتوزع في كل القطاعات، باستثناء نقابات المهن الحرة (أطباء محامون ومهندسون)، وهذا حق مشروع خصوصاً أننا نعيش في ظل نظام إقتصادي حر. لكن أن تسمع مسؤولة عن قسم إقتصادي تتكلم بإيجابية عن ظاهرة اجتياح النازحين السوريين المهن اللبنانية بحجة أن السوق اللبنانية واسعة وقادرة على استيعاب الجميع. ففي الكلام هامش من عدم الدقة  والموضوعية.
ظاهرة صرف اللبنانيين من وظائفهم واستبدالهم بعمال سوريين لها تفسيراتها بحسب الخولي: «اولاً، لا بد من الإعتراف بأن المنافسة غير شريفة ولا تعتمد حتماً على الكفاءة. لكن صاحب المؤسسة يفكر من زاوية منطق الربح والتجارة. فالعامل او العاملة السورية توفر عليه الكثير، سواء من ناحية الأجر الذي لا يتخطى نصف أجر العامل اللبناني إضافة إلى عدم تسجيله في الضمان. أما على مستوى الإحتكار فهو قادر على أن يفرض عليه دوام العمل من خارج القانون كما يمكنه أن يفرض عليه شروطاً كمثل تولي أعمال التنظيف بعد الدوام وهذا ما يرفض تنفيذه أو القبول به مطلق أي عامل أو موظف لبناني. ولفت الخولي إلى أن هذه الشروط باتت تفرض على البائعات في محال الألبسة وعمال الأفران والسوبر ماركت.

صرف تعسفي وغطاء
واقع قد يفسر الأسباب التي دفعت مدير فرع أحد الأفران الكبرى التي افتتحت فرعاً لها في منطقة الأشرفية – فسوح، على صرف 5 موظفين لبنانيين واستبدالهم بعدد مضاعف من العمال السوريين. صدقوا! لكن المسألة ما عادت تحتمل، والمطلوب تحرك أو خطوة ما. من هذا المنطلق طرح الخولي في اجتماعه الأخير مع وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، والذي وصفه بالناري والحاد، مشكلة العمالة السورية في ظل الإجتياح البشري الحاصل. ولفت إلى أن الوضع الإقتصادي والمعيشي في لبنان شكل غطاء لظاهرة اجتياح العمالة السورية. وكشف أن عمليات صرف العمال اللبنانيين تتم تحت غطاء الأزمة الإقتصادية في مقابل وجود ما لا يقل عن 50 ألف متخرج سنوياً ينزلون إلى سوق العمل. وهذا ما يفسر تبرير أصحاب العمل استعانتهم بالعمالة السورية، لكن ذلك تحول إلى مشكلة في ظل تمدد النزوح إلى كل المناطق، ودخولهم كل قطاعات العمل السياحية والتجارية والصناعية والتجارية، مما خلق حالاً من التململ لدى اللبنانيين الذين اكتشفوا فجأة أن النازح السوري الذي استقبله في وطنه وبيته بات ينافسه على لقمة عيشه.
إذا أخذنا الموضوع من الناحية الإنسانية البحت، نرى أن «مزاحمة النازح السوري مبررة لأن غياب أي فرصة عمل سيضعه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما مزاحمة اللبناني على لقمة عيشه كما هو حاصل اليوم، أو اللجوء إلى الجريمة والسرقة بهدف تأمين لقمة العيش للعائلة» يقول الخولي، واللافت أن الدولة لم تحرك ساكناً حتى الساعة أما بسبب عجزها أو لأنها فعلاً لا تدرك حجم الأزمة وعمقها مما خلق حالاً من التململ عند العامل اللبناني.

قانوناً
قانوناً نص الدستور على منع مطلق أي اجنبي من العمل في 52 وظيفة ومهنة. لكن السوري كان ولا يزال مستثنى من ذلك. فهل يحق للعامل اللبناني أن يتقدم بشكوى في حال صرفه من العمل؟ وما هي الطريق التي تسلكها الدعوى في حال تقدم بشكوى أمام محكمة العمل؟ يجيب الخولي إنطلاقاً من موقعه في المحكمة: «يمكن لمطلق أي عامل أن يتقدم بشكوى لكن المؤسف ان الدعوى ستأخذ وقتاً طويلاً مما يضع العامل أمام خيار الإستسلام لروتين القوانين أو تجاهل الملف والقفز فوق حقوقه». ولفت الى أن القانون يسمح لأصحاب المؤسسات الخاصة بتشغيل مطلق أي عامل أجنبي شرط التقيد بالعدد المحدد في القانون، أي عامل أجنبي مقابل 10 عمال لبنانيين. ويفترض بالعامل السوري أن يحمل إجازة عمل. وفي حال المخالفة يحق للموظف اللبناني التقدم بشكوى أمام وزارة العمل التي تعمل على سحب رخص العمال السوريين. وهذا ما كان يحصل سابقاً بمؤازرة النقابات. أما اليوم وفي حال تقدم موظف لبناني بشكوى صرف تعسفي، يصار إلى الطلب من صاحب المؤسسة إعادة العامل مع الإبقاء على السوري البديل طبعاً. وإذا لم يستجب صاحب المؤسسة لتمني وزارة العمل يتقدم العامل المصروف بشكوى أمام محكمة العمل لكن الحكم لا يصدر قبل مرور 3 سنوات على الشكوى.
إنطلاقاً من هذا الواقع تقدم الخولي بسلسلة اقتراحات في اجتماعه الأخير مع الوزير سليم جريصاتي الذي عقد تحت عنوان «اجتياح العمالة السورية»، ومنها:
– عقد مؤتمر عربي – دولي عاجل لمساعدة لبنان على تخطي تداعيات اللجوء السوري إلى لبنان والتي باتت خطيرة وتهدد كل بيت لبناني.
– تأليف لجنة طوارىء لحماية العمالة اللبنانية وتنظيم العمالة السورية شرط الا يتعارض هذا التنظيم مع القوانين اللبنانية، كأن تصدر فتاوى جديدة تعارض تصنيف المهن الممنوعة على العمال السوريين.
– دعوة جميع القوى اللبنانية إلى التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين بجدية، وإبعاده عن التجاذبات السياسية ووضعه في إطاره التقني والإنساني، وتقويم عمل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ومدى قدرتها على إدارة هذه الأزمة وتأمين مستلزماتها الإنسانية، وإثارة دورها في التعمية على خطورة هذا الملف على الكيان اللبناني الذي أجبر على قبول هذا اللجوء المقدر بنحو ثلث عدد السكان.
ولفت مارون الخولي إلى أن مسألة العمالة انسحبت أيضاً على المؤسسات الصغيرة وكل ذلك يحصل تحت شعار «اجتياح إنساني». من هنا يفترض التعامل مع هذه المسألة الخطيرة بوعي  وعلى مستوى الدولة وليس الجمعيات الاهلية. واكد أن الرئيس تمام سلام وضع هذا الملف في اولوياته بعد عرضه عليه لكن بعد تشكيل الحكومة المنتظرة!

الحل: مقاطعة المؤسسات!
إقتراحات حلول… لكن أين منها حل مقاطعة اصحاب المؤسسات التي تصرف عمالاً لبنانيين لتشغيل نازحين سوريين بأجر أقل وشروط تخالف قوانين العمل المعمول بها؟
يعتبر احد تجار زحلة أن مبدأ المقاطعة غير وارد من الناحية الإنسانية، بسبب انتشار العمالة في كل الأراضي اللبنانية. ويروي أن سوق المعلقة في زحلة بات «محتلاً» من قبل النازحين السوريين الذين استأجروا غالبية المحلات بأسعار زهيدة، وحولوا إحدى زواياها إلى ملجأ لعائلاتهم. وروى أنهم بدأوا يزاحمون فعلاً اللبنانيين في المهن، خصوصاً الحرفية ومنها: تصليح دواليب، حدادة، خراطة، وصولاً إلى محال بيع السندويشات والفلافل. ومنهم من أحضر معه مدخراته وعمد إلى افتتاح مطعم صغير شعبي لبيع الفول أو الشاورما أو حتى الكرواسان، أو فتح محلاً للألبسة والعطورات الصغيرة مما شكل منافسة للمحال اللبنانية المماثلة، بالنظر إلى ركود الأوضاع وقلة البيع، فكيف في حال وجود منافسة وبأسعار أقل أحياناً؟ «المهم عندهم تأمين قوتهم اليومي لأنهم لا يحسبون حساباً لإيجار المحل أو للكهرباء أو البلدية أو الماء وسواها من الضرائب المفروضة على صاحب كل محل أو مؤسسة».
وتؤكد معلومات أن عمليات صرف عدد كبير من الفنيين اللبنانيين من شركات ومؤسسات كبرى تحصل لصالح سوريين يمتلكون شهادات جامعية، إنما بأجور أقل، كون العمال السوريين، لا سيما النازحين يعيشون ظروفاً قاهرة، وهم على استعداد للقبول بأي أجر، وإن لساعات دوام طويلة، لكي يتقوا شر الفقر والعوز. إلى ذلك يؤكد رؤساء جمعيات تجار في بيروت وجبل لبنان أن هناك عدداً كبيراً من الشبان الجامعيين السوريين تم توظيفهم في عدد من مؤسسات الألبسة المعروفة في شارع الحمرا والدورة وبرج حمود ومار الياس، وطرابلس وصيدا والشوف والمتن، كذلك في أهم المطاعم. والبعض ذهب إلى حد توظيف سوريين في الصيدليات بصفة مساعد صيدلي، واستعان بهم بعض المدارس في عكار كمدرسين أو مساعدين في حضانات الأطفال.
رئيس جمعية تجار بيروت الفخري طوني مارون أكد اننا «مقبلون على وضع أكثر مأساوية في حال لم يتم تدارك الأمر. واعتبرأن الحل لا يتوقف على النازح السوري لأن الأخير يجتاح وظائفنا بحجة العوز والفقر وهذا حقه الطبيعي. أما صاحب المؤسسة فيعمل وفق قاعدة الربح ولذلك، يفضل تشغيل العامل السوري بدل اللبناني لأنه يقبل بأجر أقل وبشروط عمل إضافية لا يرضى بها اللبناني. وارتأى أن يبدأ الحل من تغيير ذهنية اللبناني كأن يخفف قليلاً من ثقافة الفوقية، ويرضى بالمهن التي كان يعترض عليها سابقاً، ويجيرها لحساب السوري. ويخفف من الشروط التي كان يفرضها على صاحب المؤسسة، شرط ألا ينال ذلك من حقوقه كعامل، ومن كرامته الشخصية طبعاً، وبذلك يقل الطلب على العامل السوري. في النهاية انها مسألة عرض وطلب». لكن ماذا لو وصل أجر العامل السوري إلى أقل من الحد الأدنى بثلاث مرات؟! يجيب مارون: «هنا لا حول ولا قوة. وما علينا إلا انتظار الفرج المرتقب مع عودة النازحين السوريين إلى وطنهم وإعادة تموضعهم في المهن التي كانوا يشغلونها قبل اندلاع الثورة السورية. نتأمل خيراً؟ لمَ لا طالما أنه الأمل الوحيد المرتقب وإن على المدى البعيد؟.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق