رئيسيملف

طوفان النزوح السوري يغرق اللبنانيي

سمعناهم يرددونها أكثر من مرة: أيام صعبة تنتظر لبنان، والسبب عدم وجود خطة لاستيعاب طوفان النزوح السوري. حاولنا أن نفهم الأسباب وان نتفهم كيفية معالجة الوضع ولكن في كل مرة ندق الباب يأتي الجواب: انها مسألة انسانية. ومن افترض العكس؟ لكن حتى في المواضيع الانسانية لا بد من تنظيم الأمور ووضع خطة بعدما تأكد تجاوز عدد النازحين مع انطلاق معركة القلمون الى المليون ونصف المليون نازح. فماذا لو طرقت الثورة أبواب مدن استراتيجية أخرى؟ الاحتمال أكثر من وارد. في المقابل يرطبون حلقنا بالتعزية الآتية: الأعداد تخف وتتقلص بحسب الوضع الأمني والجولات العسكرية في الداخل السوري. أيضاً ندرك ذلك، لكن بات واضحاً للبناني أن كل نازح سوري بات ينافسه ولو بطريقة غير مباشرة. في المأكل، في الخدمات، في المهن، في المواقف العامة والخاصة. كيف؟ ليست مسألة «ضيقة عين» لكن ماذا لو وصل العدد إلى المليونين؟  ماذا لو تحول الغطاء الإنساني الى مزاحمة قد تصل الى داخل البيت الزوجي. وقائع حصلت. فماذا بعد؟

مليون ونصف المليون نازح، أي ما يوازي ثلث الشعب اللبناني. رقم مثير للجدل. وما لا يقبل الجدل في المقابل أن هناك مأساة إنسانية يعيشها  كل نازح سوري خسر منزله  وبعضاً من أفراد عائلته. ثمة من يقول إن لجوء السوري إلى لبنان ليس عبثياً. فهو خبره لأعوام عدة، واللبناني بدوره لم يوفره في أيام الحرب وآخرها حرب تموز (يوليو) 2006. والمطلوب أن يتحمل اللبناني كل تبعات النزوح ويتضامن مع النازحين ولو على حساب حياته اليومية.
نسكت حتى لا يقال إننا نخلط بين الواقع الإنساني والإقتصادي والإجتماعي. لكن ماذا لو استعرضنا واقعنا؟ وماذا لو استمرت الثورة السورية لسنوات؟ هل يدرك من يتهمنا بـ «اللا إنسانية في تعاطينا مع الملف السوري» أن الجميع مهددون بمخاطر غير واضحة المعالم؟ وهل تدرك الدولة التي لم تنشئ خطة إستباقية لاستيعاب النازحين السوريين انه إذا لم تتشكل حكومة بأسرع وقت ممكن، ولم تحصل هذه الحكومة على المساعدات المفترضة من الدول المانحة والجهات الدولية لمساعدة النازحين السوريين، إذا لم يحصل ذلك كله فمن الأفضل ان يبدأ اللبناني في التفتيش عن بلد يأويه وأولاده ويضمن مستقبله وليس عن بلد يستقبله كضيف او نازح مؤقت.

قنبلة موقوتة
نعود إلى الواقع. ففي بلد كلبنان يعاني أساساً من مشكلات إقتصادية وإجتماعية لا يمكن أن نتوقع أقل من هذه التداعيات التي ستترتب على نزوح  يقارب المليون ونصف المليون سوري. كل هذا يأتي في ظل عجز فادح في القدرة الاستيعابية للبنى التحتية، وتراجع في الخدمات العامة (صحة، تعليم، نقل وإدارة النفايات…) وتشوهات بنيوية في الاقتصاد مع تعزيز النشاطات الريعية (يحتاج لبنان سنوياً لـ 25 ألف فرصة عمل جديدة لا يتوافر منها سوى 5 آلاف). والحل يبقى في طرق أبواب الهجرة هذا من دون ان نتكلم بعد عن انحدار أكثر من ثلث الأسر المقيمة إلى ما دون خط الفقر، ومديونية عامة قياسية تصل إلى 70 مليار دولار.
يقولون لنا هي أزمتكم. أزمة الدولة اللبنانية وعجزها عن إيجاد حلول لأسباب عدة. عظيم. لكنها باتت أشبه بالقنبلة الموقوتة وتنعكس على حياة اللبناني اليومية. في المأكل والتنقلات والعمل والإنترنت والكهرباء وصولاً إلى آخر بدعة… المزاحمة على الزوج أو الزوجة!
نترك الترجيحات لنعود إلى الأرقام. ففي سجلات وتقارير المفوضية العليا للاجئين، يتركز وجود النازحين السوريين في عكار والبقاع وبيروت. أما في الجنوب والجبل فالأعداد إلى ارتفاع مع تزايد حدة المعارك في الداخل السوري. وقد يصل العدد الى المليونين والكلام حتماً ليس مجرد تهويل ولا تكهنات.
مدير إدارة الشرق الأوسط في البنك الدولي فريد بلحاج أكد أنه إذا استمر المعدل الحالي لتدفق اللاجئين الى الأراضي اللبنانية فإن العدد  سيصل الى المليونين في نهاية السنة المقبلة  مما يرفع عدد سكان لبنان بنسبة 50 في المئة ويهز التوازن الطائفي الهش، وهذا أكبر من أن يديره بلد بمفرده. هذا ما كان ينقص!

وعود وحسب
إنطلاقاً من ذلك كانت الفكرة في إنشاء البنك صندوقاً لجمع تبرعات بما يراوح بين 300 و400 مليون دولار لمساعدة لبنان على تحمل تكاليف استضافة النازحين السوريين. واللافت أن الكل اعطى وعوداً لمساعدة لبنان على استيعاب ازمة النازحين السوريين: بريطانيا، السويد، فرنسا، الدول العربية لا سيما الكويت لكن… حتى الساعة لم يصل من الجمل «اذنه».
الخبير الإقتصادي غازي وزني كان واضحاً في كلامه عن الكلفة التي تترتب على اللبنانيين سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي. وإذ اعتبر ان المسألة الإقتصادية على رغم تأزمها قابلة للحل إذا ما تأمنت المساعدات من الدول المانحة إلا أن المسألة الإجتماعية ولا سيما ما يتعلق بظاهرة تعدد زيجات اللبنانيين من نساء سوريات غير قابلة للحل لأن لا الشرع ولا القانون يمنعان ذلك، والمسألة تتعلق بحرية الفرد.
نبدأ من الوضع الإقتصادي. يقول الخبير وزني أن كلفة النزوح السوري بحسب الدراسة التي اعدها البنك الدولي تصل إلى 7،5 مليار دولار بين العامين 2012 و2014، منها ملياران و600 مليون دولار للمالية العامة، وملياران ونصف المليار دولار على النمو الإقتصادي و600 مليون دولار على البنى التحتية أي الكهرباء والصرف الصحي و400 مليون على قطاعي الصحة والتعليم.
هذا في الإقتصاد اما في الكلفة الإجتماعية فاعتبر وزني ان المنافسة غير المشروعة وتراجع النمو الإقتصادي اديا إلى زيادة معدل البطالة من نسبة 10 في المئة إلى 20 في المئة. وهذا يعني أن عدد العاطلين عن العمل سيصل الى عتبة الـ 120 ألفاً بين العامين 2012 و2014، وسيرتفع حكماً عدد الفقراء في لبنان إلى 170 ألف شخص مما يرتب تداعيات أمنية من نهب وسرقة. وفي هذا السياق تشير التقارير الأمنية إلى وجود 5444 موقوفاً سورياً، منذ بداية الأزمة في آذار (مارس) 2011 وحتى نهاية شهر أيار (مايو) الفائت. وهذا يشكل نسبة 17 في المئة من مجموع الموقوفين على الأراضي اللبنانية الذين يبلغ عددهم 32 ألفاً و320 موقوفاً. ويقال إن من بين أسباب المخالفات عدم تلقي النازحين أي خدمات.

مزاحمة شرسة
اللبناني مشهور بكرمه وحسن الضيافة من دون منازع، لكن أن يتحول الضيف إلى مزاحم له على لقمة عيشه! هذا ما تكشفه الأيام في تفاصيل حياة اللبناني اليومية. فالكهرباء يستهلكها النازحون من حساب فاتورة اللبناني، وكذلك المياه. حتى ربطة الخبز ما عادت تكفي اللبناني ونقابة الأفران تفكر في زيادة سعرها مع ارتفاع كلفة المواد الأولية وزيادة الطلب عليه. وفي عملية حسابية بسيطة يتبين لنا أن معدل الإنتاج زاد أقله مليون ونصف مليون ربطة يومياً، مما يعني عدم القدرة على الإستمرار بالسعر المطروح.
كل هذا نضعه في سلة والمنافسة غير المشروعة في سلة أخرى. الحق على النزوح السوري؟ لنقلب المعادلة ونكون أكثر واقعيين. المسؤولية لا تقع على النازح السوري الذي يطرق أبواب فرص العمل إنما على اللبناني الذي يقبل في استبدال عامل أو موظف لبناني بآخر سوري بسبب انخفاض معدل أجره اليومي وعدم إلزامه بتسجيله في مؤسسة الضمان الإجتماعي مما يخفف عليه أعباء ومصاريف إضافية.
الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة اعتبر ان مسألة تشغيل النازح السوري حتمية وهي لا تحصل بالقوة. حتى انه يستهلك الخدمات بمستوى اللبناني نفسه. وإذا أردنا ان نتكلم عن الأعباء فهي حتماً من مسؤولية الدولة وعدم وصول المساعدات من «لواء البشر» في هيئة الإغاثة. وجاءت ضربة انكشاف عملية سرقة أموال الإغاثة التي أوقف فيها العميد ابرهيم بشير بتهمة سرقة أموال المساعدات لتزيد من حجم تقاعس وانعدام ثقة الدول المانحة في تقديم المساعدات للدولة اللبنانية عن طريق هيئة الإغاثة. وسأل حبيقة: صحيح أن هناك مشكلة كبيرة ناتجة عن النزوح السوري لكن عندما تسرق أموال الإغاثة على من تقع المسؤولية؟
منذ البداية لم تكن الدولة اللبنانية مستعدة لاستقبال النازحين السوريين ومع تدفقهم استدركت بكامل أجهزتها أنها عاجزة عن الإستمرار. لكن كيف يمكن معالجة الأمر؟. وإذا كان الخيار بين حرمان النازح السوري من العمل، وفتح الباب امام خيار التفلت الأمني والسرقة لـتأمين لقمة عيشه يكون الخيار في تشغيله ولو على حساب اللبناني احياناً. في النهاية هي مرحلة مؤقتة. لكن من يضمن هذا الكلام؟ وماذا لو طال عمر الأزمة فمن يكفل عدم نفاد صبر الشباب اللبناني الذي لا يوفر فرصة لطرق ابواب الهجرة؟ عندها قد يصح المثل القائل: «الجار قبل الدار».
مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية أشارت إلى أن إحصاءات الأمن العام سجلت وجود مليون ومائتي ألف مواطن سوري في لبنان بين نازح ومقيم وعامل من ضمن العمالة التاريخية السورية الموجودة في لبنان. في المقابل فإن حجم المساعدات التي قدمت للدولة اللبنانية، وهي ليست للدولة، بل للمنظمات الدولية العاملة في لبنان في إطار إغاثة النازحين السوريين، وصلت نسبتها إلى 19 في المائة من حجم النداء الذي وجه ومن حجم الحاجات الفعلية.

نفايات وامراض عابرة للحدود
ومن الآثار السلبية الناتجة عن النزوح السوري تلك التي تترتب على البيئة وبالتالي على صحة اللبنانيين. نعم حتى البيئة أصيبت من جراء تداعيات النزوح وهذا ما لم يلحظه القيمون على البيئة والبلد ككل. فإجمالي النفايات التي ينتجها لبنان يومياً، وصل بحسب إحصاءات وزارة البيئة في العام 2006، إلى أكثر من 4500 طن، وفي ظل الأعداد المتزايدة للاجئين، يقدر ارتفاع إجمالي كمية النفايات الناتجة يومياً عن 6000 طن. ومع ازدياد أعداد اللاجئين في مناطق عمل سوكلين (بيروت وجبل لبنان)، فإن كلفة إدارة النفايات المنزلية الصلبة، ستزداد حيث تقدر كلفة الطن الواحد بنحو 150 دولاراً أميركياً.
ومن النفايات المنزلية إلى الصرف الصحي. واضح أن المشكلة تتفاقم في ظل غياب شبكات الصرف، وغالباً ما تنتهي المياه الملوثة في الأنهر. ووفقاً لتقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فقد عبرت مئات الأبقار، وما يقارب الـ 12 ألف رأس ماعز إلى شمال لبنان، ما يشكل تهديداً إضافياً يتمثل في الرعي الجائر وتدهور الأراضي والتصحر المحتمل. وفي غياب الفحوصات المناسبة للمواشي، تزداد مخاطر إصابة الحيوانات والنباتات بالأمراض، بما في ذلك الحمى القلاعية وطاعون الماعز، مما قد يؤدي إلى خطر تفشي هذه الأمراض العابرة للحدود.
وما دمنا وصلنا إلى سلة الأمراض فإن أولى المخاطر تظهرت في تفشي مرض شلل الأطفال في لبنان، إضافة إلى ظهور أمراض جلدية مثل الليشمانيا المعروفة بـ (حبة حلب) والجرب والقمل والستافيلوكوك الجلدية، إضافة إلى أمراض أخرى منها:
–  أمراض الجهاز الهضمي والمعوي وقدر عدد الإصابات بنسبة 47 في المئة.
– أمراض الجهاز التنفسي: 19 في المئة.
–  سوء التغذية خصوصاً لدى الأطفال: 7 في المئة.
– الأمراض المعدية: حصبة، ويرقان وتيفوئيد: 2 في المئة.
– الأمراض النفسية نتيجة الصدمات والنزوح: 13 في المئة.
وزد على ذلك الأمراض المرتبطة بالعنف المنزلي والجنسي ضد النساء.
إشارة إلى أن الطلب على الخدمات الاستشفائية يرتفع بشكل مطرد. علماً بأن وزارة الصحة لم تتلق أموالاً لمعالجة النازحين على نفقتها ومن بينهم العديد من الجرحى من جراء المعارك الدائرة في سوريا. وتتجاوز نسبة وجود السوريين في مستشفيات الشمال والبقاع 40 في المئة، أما في بيروت فسقفها هو 25 في المئة، وبنسب اقل جنوباً. أما المرضى النازحون فيتوزعون على فئتين:
– المصابون بأمراض القلب والكلى والسرطان والولادة.
– المصابون بأمراض تجد بيئتها الحاضنة ضمن المخيمات الجماعية.

زيجات السترة!
وضع مأساوي لا يختلف عليه عاقلان من الناحية الإنسانية لكن عندما تتحول مسألة التهجير والفقر والعوز وسيلة لخراب بيوت! أيضاً الحق على اللبناني وليس على «السوريات» لكن؟!
نعود هنا  إلى الدكتور وزني الذي كشف عن ارتفاع معدل الزيجات من الفتيات السوريات ومنهن من لم تتجاوز أعمارهن الـ 15 عاماً بهدف  السترة وايجاد مأوى ومسكن وملبس. اما بالنسبة إلى الرجل اللبناني فالأسباب تختلف على ما يقول الخبير وزني: «الشباب اللبناني يهرب من الزواج بسبب متطلبات الفتاة اللبنانية اولاً وارتفاع كلفة حفلات الزفاف وإمكانية شراء او استئجار بيت. أما في حالات الزواج من فتاة سورية فكل هذه الأسباب تنتفي. فهي لا تطلب شيئاً، ولا تفرض شروطاً. وهذه الزيجات بحسب وزني تتركز في الشمال وتحديداً في المناطق التي تعاني الفقر، مما يخلق حالاً من التوتر والحساسيات بين العائلات في بعض المناطق».
إذا فتحنا باب الحلول نطمئنكم بأن لا حل على مستوى الدولة. الدكتور لويس حبيقة قالها بالفم الملآن: «إما أن تتشكل حكومة 9+9+6 لأنها تبقى أفضل من الوضع الذي نعيشه ولا صحة لما يتردد عن حكومة تصريف أعمال أو تتسلم مهامها، عندها يمكن ان نضمن حصول لبنان على مساعدات من الدول المانحة».
اما الخبير غازي وزني فاعتبر أن «الحصول على الدعم الخارجي وعلى مساعدات ضعيف جداً لأن هذه الفرضية تحتاج إلى حكومة فاعلة وشفافة وتتميز بحسن إدارتها ويوجد توافق عليها من الدول الداعمة وكل هذه المواصفات غير متوافرة».
بين مراعاة وضع النازح السوري الإنساني والإستنزاف اليومي الذي يعيشه اللبناني في يومياته والأزمة السياسية الحاصلة في البلد، واضح أننا ذاهبون نحو الإنتحار. فالنازحون باتوا يشكلون ثلث عدد اللبنانيين وإمكانية إقفال الحدود بوجههم غير واردة وكذلك حرمانهم من العمل، لأنه حتماً سيرفع من معدل الجريمة بسبب الفقر والعوز.
تسألون عن حل؟ ثمة من يقول: «نحن ملزمون في تقبل الوضع في انتظار الحل في سوريا». لكن ماذا لو طال أمد الثورة؟ ويأتي الجواب: «حتى لو لم تستمر الأزمة لسنوات هناك الواقع الذي سيترتب على ما بعد الثورة. وهذا يعني أن اللبناني سيدفع بدل فاتورتي الخدمات ثلاثة وربما أربعة اضعاف».
بكلمة نحن نعيش على رنات قنبلة موقوتة. والأزمة ستستمر وتتفاقم في المرحلة المقبلة. وإذا كان ثمة من يتوقع العكس نقول له  بأن عدد النازحين السوريين في سنة 2014 سيتخطى المليونين. خطأ من؟
دعونا نغرق في الوجه الإنساني لأزمة النزوح لأن الدولة دخلت في مرحلة الغيبوبة.

جومانا نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق