ملف

المركز الدولي لعلوم الإنسان – جبيل صرح حوار وثقافات

مجرد أن تقرأ الاسم يخطر في بالك ألف سؤال وسؤال. انه المركز الدولي لعلوم الانسان – جبيل الذي استغرقت مدة ولادته 27 عاماً حتى حط في قلب مدينة بيبلوس التاريخية التي تضم شواهد من سبع حضارات توالت عليها على مدى 7 آلاف عام. وفي زمن صار فيه العلم أداة لدى البعض لتطويع مواد الحرب في الثورات والانتفاضات، الا أن «العلوم والثقافة» في المركز الدولي لعلوم الإنسان نجدها عصارة خطط وبرامج لدعم الديمقراطية في العالم على المدى البعيد. قد يكون المشوار طويلاً… نعم لكن المهم أن الخطوة الأولى انطلقت، والتفاصيل يتحدث عنها مدير المركز الدكتور أدونيس العكره وتأثير المركز الرائد في لبنان والعالم العربي على الشباب والمرأة.

ثمة من يستغرب الكلام اليوم عن مركز لعلوم الإنسان في بلد متفلت من زمام القانون ولا عدالة فيه إلا لشريعة الغاب والفوضى والسلاح، لكن من يقرأ في كتب التاريخ يكتشف أنه في عز الأزمات والحروب والثورات هناك مفكرون وعلماء ينكبون على صناعة الثقافة وإنتاج الإبداع كل في وطنه ليصبح لاحقاً منارة علم ومعرفة في العالم.
منذ انطلاقته شكل المركز الدولي لعلوم الإنسان – جبيل نقطة انطلاق لشبكة دولية بهدف توطيد الحوار بين مراكز الأبحاث والجامعات في العالم وتبادل الخبرات ونشر الدراسات وعقد المنتديات الدولية. والأهم من كل ذلك أنه وضع لبنان على خريطة العالم الثقافية.

دعم ديمقراطية العالم
قد يكون الكلام غير واف لشرح ماكينة العمل في مركز أقل ما يقال فيه إنه مصدر لنبع العلوم والمعرفة. لكننا حتماً لن نصمت في انتظار معرفة المزيد. ندخل في صلب الموضوع ونسأل: هل يكون المركز متفرداً في نشأته وهويته؟ ما هو دوره وما الغاية من إنشاء مركز لعلوم الإنسان في لبنان وتحديداً في قلب مدينة الحضارات بيبلوس؟
«يخضع المركز الدولي لعلوم الإنسان – جبيل لوصاية وزير الثقافة الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارته وهو يعمل تحت رعاية الأونيسكو وتصب اعماله في تحقيق أهدافها لدعم الديمقراطية في العالم» بهذه الكلمات يعرّف مدير المركز الدكتور أدونيس العكره عن المركز.
نحاول الغوص في ماهية مفهوم الديمقراطية في محيط عربي لا يزال يلملم فتات ثوراته ومنها من لا يزال غارقاً في بحيرات الدم التي سالت على شرف الديمقراطية. ويأتي الجواب من د. العكره: «خطة الأونيسكو في مجال دعم الديمقراطية التي حددت كمشروع اول لعمل المركز تمتد على فترة 4 سنوات والمطلوب العمل على الخطة لدعم الديمقراطية وترسيخ قيمها في العالم العربي».
لكن كيف نتكلم عن الديمقراطية وتداعيات الثورات لم تنجل بعد؟
يجيب: «الثورات والإنتفاضات الإجتماعية والسياسية تشكلان مادة العمل للقيام بدراسات وتساهمان قدر الإمكان في تعزيز الإنتقال نحو الديمقراطية في العالم العربي».

خطة ومحوران
تتوزع طريقة عمل المركز على محورين:
-وسائل البحث التي تقوم على اساس المعارف التي تفيد المجتمعات العربية، على أن يصار إلى نشرها في الأوساط التي يمكن الإفادة منها كأداة للتغيير والإنتقال نحو الديمقراطية.
-البحث عن هذه الأداة وتدريبها. وتتمثل بعنصري الشباب والمرأة اللذين سيشكلان نقطة الأساس لخدمة عملية الإنتقال نحو الديمقراطية.
عملانياً تتوزع الخطة المقررة لسنة 2014 على برامج التدريب في القسم المخصص لها في المركز في جبيل. الدكتور العكره يشرح طريقة العمل الموزعة على النقاط الآتية:
-الحوار بين الأديان لأن العالم اهتم كثيراً بالربيع العربي لكنه انتهى إلى وصول اطراف متعصبة دينياً حالت دون قيام الديمقراطية في مجتمعاتها. ويوضح عكره: «تبين لنا أن احد عوائق الديمقراطية في العالم العربي هو التعصب الديني والتطرف في المعتقدات الدينية. وهذه عقبة نحاول إزالتها أو التخفيف منها لإيصال الأفكار أو التيارات المعتدلة وهذا ما يساعد على الوصول بأسرع وقت ممكن إلى الديمقراطية.
-تدريب الشباب والمرأة على حسن وكيفية الإنخراط في المجتمع المدني والمشاركة في صنع القرار كلٌ في دولته.
لا يقتصر عمل وبرامج المركز الدولي لعلوم الإنسان على ورش التدريب، «هناك مشاريع عدة منها تأسيس مركز توثيق ومعلومات ومكتبة متخصصة وتنظيم منتدى واحد على الأقل او عدد من المنتديات سنوياً للبحث في نتائج الأبحاث التي يقوم بها، وإعطاء الأولوية لتشجيع بناء شبكات بحث وتنظيم التعاون في ما بينها. ويخصص المركز منحاً سنوية للأبحاث التي يقوم بها الطلاب ما بعد مرحلة الدكتوراه مع إلزام الباحث الذي يستفيد من المنحة تقديم نتائج ابحاثه إلى المركز بهدف نشرها.

المدرسة الخريفية
من أبرز نشاطات المركز «المدرسة الخريفية» التي تأسست في العام 2002 وتجمع عدداً من طلاب الماجيستير والدكتوراه من كل جامعات العالم حيث يتطرقون إلى مواضيع بحثية متخصصة في شتى مجالات العلوم الإجتماعية والإنسانية. وتهدف هذه المدرسة إلى تطوير أدوات البحث العلمي ونهج الحوار النقدي بين الباحثين، خصوصاً طلاب الدراسات العليا، وفي ختام كل ندوة ينشر المركز نتائج أعمالها في موسوعة أكاديمية موثقة.
مدة الدورة أسبوع وتقام عادةً في شهر أيلول (سبتمبر)، «لكننا هذه السنة تأخرنا حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، ومن المقرر أن تمتد الدورة على مدى اسبوعين إبتداء من السنة المقبلة». ولفت العكرة إلى أن طلاب المدرسة الخريفية كانوا من كليات العلوم السياسية والإقتصادية وإدارة الأعمال والتاريخ وحقوق الإنسان والفلسفة السياسية وقد جاءوا من 6 جامعات من بينها الجامعة اللبنانية وراوح عددهم بين 20 و25 طالباً و 17 أستاذاً. وأوضح أن النقاش دار في العمق حول الموضوع الذي سيتم التداول به في مؤتمر دولي يعقد في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) المقبل في المركز الدولي لعلوم الإنسان – جبيل، تحت عنوان: «الحوار الحقيقة والديمقراطية» وستشارك فيه نحو  14 دولة من دول عربية وأفريقية وأوروبية ويمتد لثلاثة ايام. ويشكل افتتاح اعمال المؤتمر الذي سيكون برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان مناسبة لافتتاح المركز رسمياً.

ولا فلس!
اعمال التدريب لا تقتصر على فريق المدربين «انما هناك فريق يدرب المدربين وهذا اختصاص في حد ذاته ومرجعيته جامعة الدول العربية والأونيسكو. ويؤكد العكره أن التحضير حالياً يجري على برنامج خطة سنة 2014 وستكون هناك حملة على مدى السنتين مقسمة إلى 8 أرباع لإطلاقها. وفي السؤال عن  الدعم المالي يصمت عكره قليلاً ليقولها بالحرف الواحد: «الوضع المالي مبكي» فموازنة المركز من موازنة وزارة الثقافة المتواضعة جداً. ونحن نسعى إلى تأمين المال من جهات مانحة وهناك تجاوب من قبل البعض. لكن حتى الساعة لم يدخل فلس واحد صندوق المركز. ونحن موعودون في الحصول على سند مالي في سنة 2014 من أكثر من جهة. قولوا ألله .اما منظمة الأونيسكو فتدعم بعض المشاريع مما يحول دون الإتكال عليها.
نتكل على الله مرة ثانية؟ لم لا؟ ونعود من حيث بدأنا. مركز دولي لعلوم الإنسان في لبنان والعالم العربي. فماذا يمكن أن يحقق؟ وبثقة رجل العلم يجيب الدكتور العكره: «سنسعى إلى تغيير الذهنية أي ثقافة المجتمع. ومن هنا التركيز على عنصري الشباب والمرأة. فالمرأة تربي، والشباب يتربى لينشر رسالة العلم والثقافة في أوساطه». نصمت صمت البيت التراثي العتيق حيث موقع المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل. وهذا اكثر ما يمكن أن تحمله كزوادة من صرح علمي كفيل في تبديل موازين الذهنية والمجتمع إذا ما أراد الفرد ذلك.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق