افتتاحية

ثورة

في الذكرى الثانية لثورة ٢٥ يناير المصرية تتعدد قراءات المشهد وتتشعب، وصولاً الى قناعة بوجود خلل ما في بناء تلك الثورة، وان حراكاً مكثفاً قرر استخدام جميع الوسائل من اجل تصويب المسيرة، حتى وان كان ذلك على شكل ثورة جديدة، او «حركة تصحيحية». القراءات المتعددة للمشهد، من جميع  الزوايا تؤشر على ان ما يجري في مدن قناة السويس الثلاث، والذي امتد الى العديد من المدن الاخرى بما في ذلك القاهرة لا يستند الى احكام الاعدام التي صدرت بحق من اتهموا بتنفيذ مجزرة المباراة الشهيرة فقط، وانما الى تراكمات عديدة محورها تفرد الرئيس مرسي بالسلطة، والتأسيس لتفرد جماعة الاخوان بالحكم.
وبدا ذلك واضحاً من خلال تصدر جبهة الانقاذ المعارضة للمشهد، وتقديمها لائحة بالمطالب كشرط للحوار مع الرئيس مرسي الذي ينظر الى المسألة بعين مختلفة، ويصر على المزج بين العنف واللين للتعاطي مع تفاصيل الازمة.
الرئيس مرسي يشعر بالخطر على مشروع حكمه، وهو المشروع الذي يقوم على فكرة «اسلمة الدولة»، والعودة بها الى نظام الحزب الواحد، مع اضافات يراها بعض المحللين اشد فتكاً بالديمقراطية. فإضافة الى ربط كل الامور بجماعة الاخوان المسلمين وتطبيق مشروعهم بالكامل واغفال أية طروحات تعددية، بدا واضحاً ان مشروع مرسي يقوم على فكرة منح «الجماعة» امتيازات غير مسبوقة، وتقديم الثورة على اساس انها ثورة اسلامية عنوانها «اقامة دولة دينية» بدلاً من الهدف الذي قامت عليه الثورة اصلاً، والذي انطلق من فكرة الدولة المدنية.
انه المشروع الذي اثار حنق التيارات الاخرى التي شاركت في الثورة، والتي كانت وقودها، والتي اتهمت جماعة الاخوان باختطافها في الوقت المناسب، والمباشرة بتحييد القوى المؤسسة لفكرتها بما في ذلك احزاب تحولت الى بيوت للخبرة السياسية وبدأت العمل منذ حوالي قرن من الزمان.
باختصار، هناك من يقرأ المشهد من زاوية ان الرئيس مرسي اخفق في ادارة الثورة على اسس ديمقراطية. وفي المقابل هناك من يرى انه نجح في توجيهها الوجهة الخاصة بحزبه.
وفي هذا الصدد تتقاطع النتائج، حيث يرى البعض ان مرسي ناجح في مهمته لصالح حزبه، ويرى آخرون انه فاشل في التأسيس لدولة مدنية تعددية كانت ركناً اساسياً من الاركان التي قامت عليها الثورة. الا انه ما بين الانحياز لحزب والانحياز لثوابت عامة فارق كبير، ما يعني ان النظرة الغالبة لحقبة مرسي تقوم على حكم بالفشل، وبالتالي تدفع للانحياز نحو المشروع الاخر.
من كل ذلك، وفي ضوء التفاصيل التي حدثت، والتي يجري التركيز عليها هذه الايام، يكاد المحللون يجمعون على ان ما يحدث حالياً انما هو ثورة جديدة، وان شتاء هذه الثورة طويل جداً، لجهة ان العملية دخلت في مجال كسر العظم.
فالثوار الجدد يتمسكون بمطالبهم ومنها تعديل الدستور واعادة ترتيب بيت القضاء، من خلال ابعاد النائب العام الذي عينه مرسي، وعدم الانحياز الى جماعة الاخوان، والتراجع عن حالة الطوارىء المفروضة، واعادة الجيش الى ثكناته ومن ثم اطلاق حوار معمق يتناول كل التفاصيل مدار الخلاف.
في المقابل يتمسك الرئيس بما يعتقد انه تحقق من مكاسب لحزبه، ويبدي استعداداً لاطلاق المزيد من الاجراءات الاستثنائية للتشبث بها حتى آخر رمق. والاخطر من ذلك اطلاق فتاوى تقول انه لا يجوز لمرسي ان يفاوض «غير الجماعة» واعتبار ان تلك المفاوضات قد تفضي الى تنازل عن امور يحرم التنازل عنها.
  
 

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق