افتتاحية

الدولة… والمزرعة

من يحمي المواطن اللبناني الذي تنهال عليه الكوارث كالسيل حتى تكاد تقضي عليه؟ لقد اصبح متروكاً لقدره. لا دولة تسأل عنه، ولا قوانين تنصفه، حتى الدستور المفترض ان يؤمن مصالح مواطنيه، معطل، لان كل طرف من المتحكمين بالبلد يفسره وفق ارائه ومصالحه.
الدولة الممثلة اولاً بالسلطة التنفيذية غائبة تماماً. فالشغور الرئاسي يتمدد منذ تسعة اشهر، تاركاً البلاد بلا رأس. والحكومة، وقبل ان تصبح حكومة تصريف اعمال، بدت عاجزة عن تحقيق اي انجاز، اللهم الا بالكلام الكثير الذي لا طائل منه. لقد حسب المواطن اللبناني انه يعيش في دولة، مستذكراً ايام العز في عهود الرجال الرجال، فجمع تعب وشقاء سنوات طويلة واودعها المصارف، باعتبارها وفق ما هو متعارف عليه، المكان الصالح لحفظ مبالغ جمعها بعرق الجبين للايام السوداء. انها امانات يستطيع صاحبها ان يسحبها ساعة يشاء، وبدون اي عقبات، ولكن يبدو ان هذا القانون ليس معمولاً به في لبنان. فيوم ادلهم الخطب واحتاج المواطن الى تعبه، قصد المصرف الذي وضع امانته فيه، فاصطدم برفض المصرف اعادتها اليه، لجأ الى الحكومة لتحميه وتعيد اليه امواله فاذا بها تتنكر له وتقف الى جانب المصارف، وسرعان ما تبين انها شريكة في نهب اموال المودعين. لجأ الى القضاء، فاذا بالسلطة السياسية المتحكمة عطلت القضاء، وهي تقف حائلاً بينه وبين اعادة الحقوق الى اصحابها، وامعاناً في ضرب المواطن، وبعدما سدت كل الابواب التي تدخل المال الى الخزينة، بسبب فساد الطبقة السياسية، عمد المصرف المركزي الى طبع المزيد من العملات، حتى حول الليرة اللبنانية الى ورقة لا قيمة لها، وقد خسرت 98 بالمئة من قيمتها بشهادة صندوق النقد الدولي. ولم تكتف الحكومة بذلك، بل عمدت الى وضع خطة سمتها خطة التعافي، شطبت فيها كل الودائع محملة المواطن الذي لا ذنب له ثمن فسادها وهدرها، دون ان تشعر بمدى خطورة هذا التدبير القاتل.
ويبدو ان هذه الحكومات المتعاقبة تدرس في كتاب واحد، وتخرّج وزراء على شاكلتها، يقتلون مواطنيهم، عن قصد او غير قصد، والارجح عن عدم كفاءة واهلية. فهم لا ينظرون الى قدرة المواطن على الالتزام بما يفرضونه عليه. فالمسؤول عليه ان يدرك قبل كل شيء كيف يراعي ظروف مواطنيه. والامثلة على عدم الحس بالمسؤولية كثيرة وماثلة للعيان، وتصيب المواطن في الصميم. لانه بعدما فشلت الدولة في تأمين مداخيل للخزينة، وقد ساهمت الاضرابات المتلاحقة والممتدة على كل القطاعات، توقفت المعاملات ومعها تحصيل الرسوم، فتحول المواطن الى مصدر تمويل وحيد للدولة، التي لم تفكر يوماً من اين يأتي بالاموال، وقد حرمته من اي مصدر رزق. وافرغت جيوبه من اخر ليرة. وزادت الطين بلة، اذ عمدت الى اعتماد الدولرة في كل حساباتها ورسومها، من الدولار الجمركي، الى ربط فواتير الكهرباء والهاتف بدولار المنصة، وهي كانت تعلم ان اسعار العملة الخضراء ستهب صعوداً، متأثرة بالسياسة الخاطئة التي تعتمدها هذه الحكومات. وبعملية حسابية بسيطة يتبين ان ما تفرضه الحكومة شهرياً من رسوم وضرائب وتعرفات خيالية، يفوق باضعاف الدخل الشهري للمواطن. ودون ان تفكر، ودون اي حس بالمسؤولية، فهي ماضية في هذه السياسة المدمرة وكأنها بذلك تؤسس لانفجار شعبي لا يبقي على شيء.
هذا هو حال اللبناني مع دولته فعلى من يعتمد؟ هل على المجلس النيابي المعطل، وقد تنكر النواب له منذ اللحظة الاولى التي اعلنت فيها نتائج الانتخابات، وكان يفترض فيه ان ينتخب رئيساً، وان يقر الاصلاحات، وان يحمي ودائع المودعين، ولكنه مع الاسف غارق في سبات عميق، فالى من يلجأ المواطن، هل الى الخارج الذي يئس من هذه الطبقة الفاسدة، وبدأ يشيح بوجهه عنها وعن لبنان كله؟ لم يعد امام المواطن الا اخذ حقه من هذه الحكومة بنفسه، لانه لم يعد لديه من يتكل عليهم. فنرجو الا يطول الانتظار، ليعود الحق الى اصحابه والدولة الى اكفاء يستحقونها. والخطأ الكبير الذي يقع فيه المنتقدون انهم يشبهون لبنان الدولة بالمزرعة، وهذا غير صحيح فمظم المزارع تعمل وفق الية تنظم العمل وتحقق الارباح لاصحابها، فيما الدولة اللبنانية تعمها الفوضى وينخرها الفساد وتتعرض للنهب حتى وصلت الى الافلاس. في المزرعة اناس اكفاء مخلصون لعملهم وفي لبنان المتحكمون تنقصهم الكفاءة والاخلاص والحس الوطني.
انه قدر الشعب اللبناني الذي هجرته دولته ومن بقي فيه هم العجزة والعاجزون، كان الله في عونهم لمواجهة كل هذه الصعاب.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق