افتتاحية

لماذا يتعطل السلام في العالم؟

الحرب المدمرة التي يشنها بوتين على اواكرانيا، هي الدليل القاطع على ان العالم يعيش في شريعة الغاب، يهيمن فيه القوي على الضعيف، دون ان يواجَه بقوة رادعة توقفه عند حده. هذه الحرب تثبت ان اي رئيس دولة مقتدرة، يمكنه ان يتلاعب بمصير العالم كله، دون ان يكون هناك سبب لذلك ودون ان يردعه احد. فاوكرانيا لم تقم بما يسيء الى روسيا، ولا اعتدت على اراضيها، غير ان حلم توسيع الامبراطورية الروسية، واستعادة امجاد غابرة، كانا وراء قرار الرئيس الروسي غزوها.
اضرار هذه الحرب لا تقتصر على اوكرانيا، التي دمرت مساحات شاسعة من مدنها، بل طاولت انعكاساتها العالم، فارتفعت اسعار المحروقات بشكل جنوني، دمر اقتصاد العديد من الدول وشملت اوروبا وافريقيا واسيا. كما تسببت بازمة غذاء قاتلة، فعانت دول كثيرة من انقطاع القمح والحبوب والزيت والكثير من المواد الاخرى، حتى ان بعض الدول عانت من المجاعة.
جرى كل ذلك دون ان يكون في العالم قانون او قوة توقف العدوان.
والعدوان الروسي على اوكرانيا ليس الوحيد. فقبل عقود غير بعيدة قرر الرئىس الاميركي جورج بوش شن حرب على صدام حسين الرئيس العراقي الاسبق، وهذه المرة ايضاً لم يكن هناك اي تصرف صدر عن بغداد واساء الى الولايات المتحدة. وقد تذرع بوش يومها بوجود اسلحة دمار شامل في العراق فجمع جيشه وسفنه وطائراته ووجهها الى المنطقة، فدخل العراق وصال وجال وخلع صدام حسين، وتبين في نهاية الحملة ان لا اسلحة مدمرة ولا اي شي من هذا القبيل.
هذا الجنون كيف يمكن ردعه؟ لقد انشأت الدول الكبرى مجلس الامن الدولي. وسنت له قوانينه، على ان يكون القوة الرادعة لاي عدوان. الا ان المصالح الشخصية والانانيات وحب السيطرة، عطلته قبل ان يبصر النور. فقد سلحت الدول الكبرى الخمس التي ربحت الحرب، نفسها بما يعرف بحق الفيتو، بحيث يمكن لاي دولة من هذه الدول (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين). ان تمنع صدور اي قرار لا يتناسب مع مصالحها، فسقط المجلس وسقط العالم معه، ووقعت حروب واعتداءات فشل مجلس الامن في مواجهتها او وقفها، لانه في كل مرة كانت دولة من الدول الخمس تعطل اي قرار يحقق السلام، لانه لا يتلاءم مع مصالحها. فروسيا مثلاً استخدمت الفيتو خلال الحرب السورية عشرات المرات، فسعرت الحرب ومنعت السلام، حفاظاً على مصالحها ووجودها في سوريا. وكذلك فعلت الولايات المتحدة حفاظاً على اسرائيل ومصالحها، وحالت دون حل الازمة الاسرائيلية – الفلسطينية بطريقة عادلة.
والصورة في العالم تشبه الى حد بعيد الازمة في لبنان، حيث ان المنظومة السياسية تتصرف على هواها دون رقيب او حسيب. فساهمت في نهب اموال الدولة وتدمير الاقتصاد وافقار الناس واذلالهم. القوة التي يجب ان توقف هذا الانهيار، هي المجلس النيابي. الا ان المصالح الشخصية هنا ايضاً تلعب دورها فتعطل هذا المجلس وتمنعه من العمل. ولم نسمع يوماً ان المجلس النيابي اسقط حكومة او حاسب وزيراً. لماذا؟ لان الحكومات هي على الدوام صورة مصغرة عن المجلس النيابي، وبالتالي تعطلت المراقبة والمحاسبة. والحل بات معروفاً ولكنه لا يطبق. ويقضي باختيار وزراء يكونون بعيدين كل البعد عن الطاقم السياسي المتهم بالفساد والعبث بمقدرات البلد. وزراء من اصحاب الكفاءة ونظافة الكف يتمتعون بالخبرة مع المام بالسياسة العامة. غير ان المنظومة تسد طريق هذا الحل وتريد ان تبقى مهيمنة. وكذلك في مجلس الامن فالدول الخمس الكبرى ترفض التخلي عن حق النقض الفيتو. فهي تريد ان تبقى متسلطة ومسيطرة.
يستخلص من هذا الواقع الاليم ان لا حل في العالم للازمات الكبرى، ولا حل في لبنان لاعادة انهاضه من واقعه الاليم.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق