سياسة لبنانيةلبنانيات

الشعب مثل الدولة تخلى عن مسؤولياته ولكن هي تأكل العنب وهو يفتش على الناطور

تذكروا ايها اللبنانيون انه رغم التصريحات الشعبوية فالموازنة ستقر بجميع ضرائبها

حضر لبنان الرسمي من خلال رئيس الحكومة مؤتمر ميونيخ فاستغل ميقاتي فرصة وجوده هناك لاجراء اتصالات تناولت الوضع اللبناني الداخلي. وابرز اللقاءات التي عقدها هناك، كان مع وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان الذي اطلع من الرئيس ميقاتي على الوضع في لبنان، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والاصلاحات المطلوبة، والتي لم يتحقق منها شيء حتى الساعة. كذلك دار البحث في التوتر الذي ساد الحدود الجنوبية بعد المسيرتين اللتين اطلقهما حزب الله خلال 24 ساعة باتجاه اسرائيل. المسيرة الاولى اسقطتها النيران الاسرائيلية، فيما اخترقت الثانية الحدود وحلقت فوق الاراضي المحتلة، ثم عادت الى لبنان.
هذا الوضع المضطرب جاء بعد خطاب الامين العام لحزب الله، الذي كشف عن اقامة مصنع للطائرات المسيرة في لبنان، فانشغلت الاوساط السياسية بهذا التطور، وحدها السلطة اللبنانية لم يصدر عنها اي تعليق، وتصرفت بلا مبالاة وكأن الموضوع لا يعنيها. فاكدت مرة جديدة بانها تخلت عن دورها ومسؤولياتها، وحولت لبنان الى «لا دولة». ففي قوانين الدول الحكومات هي التي تتولى السلطة، وتدير شؤون البلاد بكامل المسؤولية. وحده لبنان السلطة فيه غائبة عن الاحداث المهمة والمصيرية، وهي منصرفة الى التفتيش في جيوب الناس، علها تجد فيها بعض الليرات، في الزوايا المهترئة، لتنقض عليها.
وكان لافتاً التصريح الذي ادلى به وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي قال ان المطلوب من لبنان اجراء الاصلاحات وان الدول جميعها جاهزة لدعمه، وانهاض اقتصاده وتنفيذ مشاريع تنموية فيه تعيد الوضع الى طبيعته، والى ما كان عليه لبنان. هذا المطلب تردد على السنة قادة العالم من الولايات المتحدة، الى الاتحاد الاوروبي الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الى الدول العربية كلها. الا ان كل هذه الدعوات تذهب في الهواء، فالمسؤولون غائبون عن السمع، والخلافات تعصف في ما بينهم وتمنعهم من الاتفاق على برنامج واحد ينهض بالبلد. ان الاصلاح يلزمه، قبل اي خطوة، توحيد كلمة اللبنانيين واتفاق المسؤولين على موقف واحد، يتيح اجراء الاصلاحات المطلوبة. وهذا ما ليس متوفراً اذ ان الخلافات تضعف الدولة وتضرب المؤسسات، خصوصاً من خلال الحملات التي تستهدفها الواحدة بعد الاخرى لاسقاطها، بدءاً من المصرف المركزي الى القوى الامنية كلها، وهي العمود الفقري الاول لقيام الدولة والحفاظ عليها، الى القضاء الذي تتدخل السياسة فيه فتسقط دوره، وتمنعه من ملاحقة الفساد والقضاء عليه، كما تمنعه من استعادة الاموال المهربة والمنهوبة. لقد غصت وسائل الاعلام بتصاريح السياسيين عن قوانين لمكافحة الفساد وملاحقة الذين نهبوا اموال الدولة، والعمل على استرجاع الاموال المهربة، ولكن شيئاً من كل هذا لم يتحقق لانه يطاول المنظومة التي ترفض المس بها وتتحكم بالامور وتسيّرها على هواها ووفق مصالحها.
لذلك رأت الحكومة ان افضل وسيلة لاسكات الداخل هي في ملاحقة جيوب المواطنين المهترئة، علها تجد فيها ما يلائم خططها، فرفعت بدل اشتراك المياه 125 بالمئة اي من 349 الف ليرة الى 983 الف ليرة، وهي عاكفة على تحديد نسبة رفع رسوم الهاتف، وقد بدأت تلمح الى انها ستحتسب الفاتورة على اساس سعر الصيرفة اي من 1500 ليرة للدولار الى 22 الف ليرة، فتكون الزيادة خيالية، وكذلك الحال بالنسبة الى فاتورة الكهرباء، فيما الاجور لا تزال على اساس 1500 ليرة للدولار. فهل من انسان عاقل ومسؤول يتصرف بهذا الشكل ليس ضد العدو بل ضد شعب نكبته المنظومة واوصلته الى الفقر والجوع، بعد ان ضاعت ودائعه وجنى عمره في المصارف التي تشارك السلطة في ضربه ونزع اخر ليرة في جيبه.
يشهد هذا الاسبوع سلسلة تحركات، ولكنها كالعادة لن تثمر عن اي نتيجة لصالح المواطن، كما عودتنا المنظومة دائماً. فعلى الصعيد الحكومي لا شيء يذكر باستثناء بعض التصريحات الفارغة والاجتماعات التي ان وصلت الى شيء فالى المزيد من تركيع المواطن. وعلى الصعيد النيابي، يعقد مجلس النواب على مدى يومين جلسات تشريعية، وهذه ايضاً لا يعول المواطنون عليها. هل سمعتم مرة ان المجلس النيابي قام بعمل ما، دافع من خلاله عن حقوق ناخبيه؟ ان اللجان منكبة اليوم على درس الموازنة، وتذكروا ايها المواطنون ان الموازنة ستقر في المجلس النيابي بجميع الرسوم والضرائب التي ستنهال عليكم، رغم كل التصريحات. لن ندعوكم للتحرك لانكم لن تتحركوا لقد خدروكم لدرجة لم تعودوا واعين على ما يحل بكم. فهنيئاً لهذه الحكومة ولهذا المجلس النيابي بهذا الشعب المطيع، المستعد ابداً للاستجابة الى جلاديه. يقولون: كما تكونون يولى عليكم، فانتم تخليتم عن مسؤولياتكم في الحفاظ على حياة كريمة وفضلتم الخضوع على العنفوان والكرامة والمنظومة تخلت عن مسؤولياتها وتركت للمافيات مسؤولية التحكم بالناس وحياتهم، فتساويتم. والفارق ان المنظومة هي التي تأكل العنب وانتم تفتشون على الناطور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق