افتتاحية

لا اذان تسمع ولا ارادة مخلصة تعمل… والمواطن يدفع

لا انتخابات رئاسية، لا رئيس يملأ الفراغ المعشش في قصر بعبدا منذ ما يزيد على ستماية يوم، لا حياة تشريعية في ظل هذا التعطيل القاتل، وقد اصبح غياب الحياة التشريعية هو القاعدة، والتئام المجلس هو الشواذ. لا حياة لمجلس وزراء تعصف الخلافات بين جميع وزرائه. هكذا هي الحياة السياسية في لبنان بفعل سياسيين، ليسوا سياسيين ولكنهم اعتدوا على السياسة ولذلك يجب ملاحقتهم بتهمة انتحال صفة.
وطالما ان لا حياة سياسية في البلاد، فلا قانون للانتخابات يخرج هذا الوضع الشاذ من المأزق. فالنواب تلذذوا بالتمديد فهو يوفر عليهم انفاق الملايين على المعارك الانتخابية. طبعاً هم اذا انفقوا فسيستثمرون في ما بعد ويعوضون على انفسهم اضعاف اضعاف ما انفقوه. ولكن لماذا التعب؟
وهكذا يجرجر قانون الستين منذ اكثر من نصف قرن، يبقى على حاله احياناً او تلحق به بعض التعديلات البسيطة التي لا تؤثر على جوهره. وطالما انه يؤمن مصالح السواد الاعظم من المرشحين، فلا امل بالتخلي عنه. لذلك اعلن قبل ايام ان اللجنة النيابية المكلفة درس قانون الانتخاب، طلبت التمديد، بعد ان استهلكت مدة الشهرين المعطاة لها لاخراج قانون جديد ولم تصل الى نتيجة، او انها ربما قد لا تكون تريد ان تصل الى نتيجة، وهذا امر طبيعي، لان الكلمة الفصل ليست عندها، فالمهمة اكبر منها وهي تخضع لتجاذبات محلية واقليمية وكل طرف يريد ان يؤمن مصلحته ويضمن بقاءه داخل مجلس النواب، ثم ان القرار الاخير يقبع في اقبية السياسة المخفية التي تعمل من وراء الكواليس، حيث تطبخ الصفقات ويتم فيها تقاسم الحصص، والا فلن يمر شيء في هذا البلد. لذلك وبما ان الموضة الدارجة في لبنان هي التمديد طلبت اللجنة النيابية المكلفة درس قانون الانتخاب تمديد مهلة الشهرين، الى شهر شباط الجاري، وربما يجر التمديد تمديداً اخر الى ما هنالك، لانها لن تستطيع ان تنجز الاتفاق في المهلة الجديدة، فالمفتاح ليس في يدها. وهكذا فهي قد تسير من تمديد الى تمديد الى ان يمل الناس وينسوا قانون الانتخابات فتقبع المناقشات بشأنه في الادراج حتى تتساوى مع غيرها من المؤسسات المجمدة والمشلولة.
ولن تبالي اللجنة بالتمديد طالما ان كل شيء ممدد له في هذا البلد. وهذه العادة السيئة، عادة التمديد، بدأت مع النواب الذين فتحوا الباب على التمديد لانفسهم وسرعان ما اصبح سارياً على كل المؤسسات.
وبما ان التمديد هو سيد الموقف فلا ضير ان مددوا لحل رفع النفايات من امام انوف اللبنانيين. فعلى الرغم من انهم قالوا، والعلم عند الله، انهم اتفقوا على الترحيل واستبشر اللبنانيون خيراً، ولكن الحل مدد له. ومضت الايام، والاسابيع ولا تزال النفايات في مكانها. وهذا طبيعي في نظر السياسيين لان الاشياء يجب ان تنسجم مع بعضها، وان التمديد يجب ان يسري على كل شيء في هذا البلد.
وما دام الحديث عن النفايات الم يشعر المسؤولون بعد بالخطر الداهم الذي يخيم فوق رؤوس اللبنانيين من جراء انتشار الامراض؟ انهم لا يتطلعون الى شكاوى الناس من الظلم القاتل الذي يلحون بهم، ان كانوا يدرون وسكتوا طوال هذه المدة فتلك مصيبة وان كانوا لا يدرون فالمصيبة اعظم.
حتى الفقرمدد له في لبنان لان احداً من المسؤولين الذين يفترض فيهم ان يراعوا حقوق الناس ويسهروا على مصالحهم، غير آبهين وهم يتناسون ان مسؤولية تأمين حياة كريمة للمواطنين تقع على عاتقهم. فاين فرص العمل التي امنوها للناس وخصوصاً الشباب الذين يقفون امام ابواب السفارات يومياً طالبين تأشيرة الى اي بلد غير لبنان، لان الحياة هنا لم تعد تطاق… ففي كل يوم نسمع ان عبقرية لبنانية تظهر هنا او هناك، وكان يمكن ان تكون في بلدها تفيده وتقدم خدماتها له، ولكن السياسة الخرقاء دفعت الادمغة الى الهجرة. لو فكر المسؤولون قليلاً ولو ساروا في الخط السليم لحدوا كثيراً من هذه الهجرة القاتلة.
ينتشر في لبنان من شماله الى جنوبه عشرات الوف العمال الاجانب يقاسمون اللبناني لقمة عيشه، لا بل يأكلونها من امامه وهو واقف عاجز يتفرج عليهم، فهل من يحاسب؟
الكهرباء التي تقهر اللبنانيين وصل اليها التمديد. فالتقنين ممدد له وتكتفي الوزارات المعنية باحتساب كلفة استهلاك التيار من المولدات الكهربائية التي لم يلتزم اصحابها يوماً بالتعرفة الرسمية. وكيف يلتزمون وهم مدعومون من سياسيين ربما هم يتقاسمون الارباح معهم. ولذلك فلا نأمل باصلاح وضع الكهرباء لان في ذلك ضرراً بمنافع السياسيين. حتى الشركات التي تعمل مع مؤسسة كهرباء لبنان والتي تقدم خدمات التوزيع في المؤسسة مدد لها مؤخراً. من سمح لشركة الكهرباء ان تتجاوز قرار مجلس الوزراء الذي يحدد ساعات التقنين في العاصمة، وتمدد الساعات يومياً للعتمة؟ اين النواب يحاسبون واين الوزراء؟
الشرح يطول والامثلة كثيرة ولكن لا بد من ذكر «نكتته» شهد عليها اللبنانيون في الاسبوع الماضي وهي زيادة 50 غراماً اي ربع اوقية على ربطة الخبر، اي ما يوازي كسرة صغيرة من الخبز. يخفضون الوزن بالارغفة الكاملة ويرفعونه بكسرة صغيرة. وبدل ان يخجلوا وقفوا عبر وسائل الاعلام يتباهون بهذا الانجاز العظيم. ولكن هل سألوا انفسهم يوماً لماذا لا تزال اسعار السلع الغذائية على حالها منذ اشهر، لا بل ان بعضها ارتفع، واسعار المحروقات التي ليس للدولة يد فيها، انخفضت الى النصف. لماذا كانوا يرفعون الاسعار عندما ترتفع المحروقات ليرة واحدة ويلتزمون الصمت عندما تنخفض الاسعار الى هذا الحد؟
اسئلة برسم المسؤولين ولكن لا اذان تسمع ولا ارادة مخلصة تعمل… والمواطن المسكين يدفع الثمن.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق