افتتاحية

هل ترحّل الطبقة الفاسدة مع النفايات فيسلم لبنان؟

عيد باية حال عدت يا عيد؟
اطل عيد المولد النبوي الشريف وعقبه بعد ساعات عيد الميلاد المجيد. فتشابكت ايدي المسلمين والمسيحيين في اروع صورة للعيش المشترك، الذي تحول الى نموذج للعالم كله. الا ان اتحاد المواطنين يقابله انقسام سياسي عمودي يشوه الصورة ويسلبها قيمتها، وهذا ككل امر في البلد يدخل الفساد السياسي اليه فيفقده رونقه.
اطلت الاعياد ولبنان حزين، فهو للسنة الثانية على التوالي يعيّد بلا رئيس للدولة، فقصر بعبدا خال خاو يردد صدى السنين الغابرة يوم كان للبنان رجال يستحقون لقب الرجال، ولكن من اين لنا ان نأتي بمثلهم؟
اين بشاره الخوري ورياض الصلح، اين كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده وصائب سلام؟ اين كل هولاء من الطبقة التي تخلفهم على كراسي السياسة التي تخلعت تحت وطأة فسادهم وقلة خبرتهم، بحيث لا يستحقون ابداً الجلوس عليها.
اطلت الاعياد ولبنان بلا مجلس نيابي فاعل. فهو شبه معطل منذ سنوات، حتى من قبل ان يشغر موقع الرئاسة. لماذا؟ لا نعلم، او لا نريد ان نعلم. فسلوا القيمين والمسؤولين، ان كان عندهم جواب على هذا السؤال. هذا المجلس الممدد لنفسه مرتين والذي فقد شرعيته بعد ان انتهت مدة الوكالة التي اولاه اياه الشعب، نادراً ما يجتمع، واذا اجتمتع فانه يقذف الناس بقوانين عشوائية اقل ما يقال فيها انها غير قابلة للتنفيذ، وهي موضع طعن من قبل المجلس الدستوري، كقانون الايجارات مثلاً، الذي رفض المجلس الدستوري بعض بنوده الاساسية وطلب تعديلها، ولكن المجلس النيابي ادار ظهره لهذا الطعن، وحتى الساعة لم يسترد القانون لاصلاحه وجعله قابلاً للتنفيذ. ورغم ان اصوات قانونية لها وزنها في المجال القانوني رفضت تطبيق القانون قبل استرداده واصلاحه، ورغم رأي وزير العدل اللواء اشرف ريفي، الذي رفض ايضاً تطبيق هذا القانون، قبل تعديله مستنداً الى اراء خبراء في القانون، رغم هذا كله تصدر بين الحين والاخر احكام تتبنى تفسير القانون وربما تعديله. فهل هذا قانوني؟ فالتشريع هو من صلاحيات النواب. فلماذا لا يجتمع المجلس النيابي ويحل هذه المشكلة؟
اطلت الاعياد ومجلس الوزراء معطل بفعل الخلافات التي تعصف بين اعضائه، والذين اعتادوا التعطيل مستمرون في سياستهم، دفاعاً عن مصالح شخصية لا دخل للبلد بها. فالى متى يبقى لبنان مرتهناً لمزاجية اشخاص، لا لنصوص دستورية وقانونية؟ فاين العدل واين الشعب المفروض فيه ان يحاسب؟
ظهرت حركات شعبية في الاشهر الاخيرة حاولت اسماع صوت الشعب، ولكن السياسيين كانوا اقوى منها فعطلوها، حتى خفت صوتها ولم يعد يسمع. هل صحيح ان الشعب بهذا التخاذل، يركع امام مواجهة، ام انه قطع الامل من ازاحة هذه الطبقة الفاسدة؟
حتى النفايات اختلفوا عليها، عفواً لم يختلفوا عليها، بل على حصصهم من قطعة الجبنة. ورغم صدور قانون استطاع مجلس الوزراء بعد اشهر طويلة ان يلتئم في جلسة عاصفة ليقره، ورغم تمرير القانون بترحيل النفايات، الا ان الاصوات المعارضة لا تزال تسمع حتى الساعة، وخرجت الى العلن.
ارقام الكلفة متضاربة، والمدة التي يصلح فيها هذا القانون للعمل مختلف حولها. وصدرت التصريحات والتصريحات المضادة والحقيقة ضائعة حتى ان البعض قالوا ان القانون لن يطبق وان النفايات ستبقى في اماكنها. القانون نص على 18 شهراً المدة الكافية حسب رأيهم لرفع النفايات وايجاد حلول صحية وعصرية، غير ان بعض الوزراء اكدوا خارج جدران مجلس الوزراء ان القانون يجب ان يمتد الى ثلاث سنوات على الاقل حتى تحل المشكلة، فمن نصدق؟ هل تنتهي مفاعيل هذا القانون بعد سنة وستة اشهر، ام انه سيأخذ طريقه الى التمديد كما في كل شيء في هذا البلد؟
والنفايات هي مشكلة من مشاكل كثيرة يفترض بالسياسيين حلها ولكنهم عاجزون؟ اين الكهرباء وما هي المشاريع التي بدأوا بتنفيذها لحل هذه المعضلة، التي لم تعد قائمة حتى في مجاهل الكرة الارضية النائية؟ الا تكفي ست عشرة سنة على انتهاء الحرب الاهلية لاصلاح قطاع الكهرباء، فلماذا لم يفعلوا وكيف سيواجهون الناس بعد اليوم، والذين بدأوا يتحركون ولو بخجل؟
واين المياه، في بلد الينابيع الغزيرة؟ ولماذا يبقى المواطنون بلا مياه، فيما مياههم تجرفها الانهار الى البحر؟ اين المشاريع التي نفذوها واين السدود التي يجب ان تختزن المياه شتاء تحسباً لموسم الجفاف، اين؟ واين؟ واين؟ لقد صح فيهم القول: اسمعت لو ناديت حياً ولا حياة لمن تنادي.
نحن اليوم نجتاز فصل شتاء تشير الدلائل الى انه سيكون قليل المطر، وفقاً لمؤشرات كثيرة، واستناداً الى سنوات سابقة، هل بدأوا منذ اليوم يفكرون بفصل الصيف، وكيف سيؤمنون المياه للمواطنين؟ كلا والف كلا. فاليوم وفي عز كانون، عز فصل الشتاء، يرسلون المياه الى المنازل ساعتين كل 48 ساعة. ونحن نسألهم هل تكفي ساعتان، لسد حاجات المواطنين؟ انهم يعلمون جيداً انها غير كافية ولكن من باب رفع العتب يرسلونها هذه الساعات القليلة وليتدبر المواطنون امرهم.
لماذا يستطيع اصحاب الصهاريج تأمين المياه لكل المواطنين ولا تستطيع الدولة ذلك؟ وهل صحيح ان مياه الدولة والتي هي حق للمواطن يدفع بدل ايصالها الى منزله من جيبه، تصب في معظم الاحيان في صهاريج المياه التي توزع على المنازل؟ انها اسئلة بحاجة الى اجوبة ولكن من يجيب؟
لقد اوصلونا الى حالة مزرية لم تعد تطاق. فهل من منقذ؟ وهل من قوة ترحل الطبقة السياسية الفاسدة مع النفايات الى اقاصي الارض ليسلم لبنان؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق