سياسة لبنانية

ملف عرسال مصدر تهديد أول لـ «الحكومة والحوار»

ارتفع منسوب القلق والاضطراب في لبنان في الأيام الأخيرة. فإضافة الى التطورات غير المطمئنة في المنطقة لجهة احتدام الصراع بين السعودية وإيران وتعثر خطة ضرب «داعش» وتداخل العناصر والمؤثرات بين تحالف الحزم ضد إيران بقيادة سعودية والتحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة أميركية، كان الاهتمام منصباً على أمرين متلازمين:
1- ما يحدث في سوريا من تطورات ميدانية تؤشر الى توازن جديد على الأرض. فمعركة سوريا تبقى هي الأهم والمفصل في الصراع الإقليمي، الصراع السني -الشيعي، أو كما بات يوصف أخيرا بعد اليمن بالصراع العربي – الفارسي (الإيراني)، لأن سوريا هي الجسر الباقي لإيران والذي يصلها بالمتوسط ويضعها على حدود إسرائيل مباشرة مثلما هي مهمة للسعودية.
ففي الأيام والأسابيع الأخيرة حقق الإسلاميون («داعش» و«النصرة») تقدماً ومكاسب وظهرت الوقائع الاتية: الجيش السوري الذي بدأت تظهر عليه علامات الإعياء والنزف لم يعد لوحده قادراً على تحقيق انتصارات، وكل معركة لا يتواجد فيها حزب الله لا تكون مضمونة النتائج. وإيران حدت من اهتمامها بشمال سوريا وصوبت تركيزها على دمشق ومحيطها حتى الحدود مع إسرائيل ولبنان، فيما تعطي روسيا اهتماماً أكثر للاتصالات السياسية مع الولايات المتحدة. وهذا المنحى للأحداث مترافقاً مع ضغوط اقتصادية واجتماعية، تركت أثراً سلبياً عند السوريين في مناطق النظام في ضوء تراجع قدراته وانتقاله من مشروع انتصار الى مشروع صمود.
حلفاء سوريا في لبنان يقرون بأن سوريا التي نعرفها انتهت وأن استعادة الأسد لسوريا صارت من المستحيلات، ولكنهم لا يقرون أن سقوط الأسد وشيك لأنه ما زال مسيطراً على الأرض السورية التي تعنيه مباشرة وتعد الأهم «سكانياً واستراتيجياً»، رغم أنها لا تتجاوز الربع جغرافياً، وما زال الدعم الإيراني والروسي له ثابتاً، ولأن الأميركيين لا يدفعون باتجاه سقوط النظام طالما لا يتوافر «البديل المقنع» بعد، ولذلك هم قلقون من انتصارات «داعش» ويعتبرون أن ليس هذا هو الوقت المناسب لسقوط الأسد.
أما خصوم سوريا في لبنان، فإنهم على ثقة أن النظام السوري آيل الى السقوط والعد العكسي بدأ له بشكل جدي وملموس هذه المرة، وأن الأميركيين فقدوا السيطرة على الوضع وليس أمامهم إلا المعادلة السعودية – التركية: رأس الأسد مقابل رأس «داعش». وهؤلاء في قوى 14 آذار وخصوصاً تيار المستقبل عادوا بعد انكفاء لسنتين الى الرهان مجدداً على سقوط الأسد وبناء حساباتهم على هذا الأساس، ويردون توتر حزب الله وتصعيده غير المسبوق الى رؤية «نظام الأسد يغرق أمام أعينه»، على حد تعبير الرئيس سعد الحريري.
2- التصعيد السياسي والكلامي الكبير من جهة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله الذي رفع خطابه الى مستويات غير مسبوقة وغير معهودة. السيد نصرالله يتحدث عن «حرب وجودية وعن خطر وجودي يمليه الإرهاب التكفيري ويقدمه على خطر إسرائيل»، ويلوح باستخدام كل القوة والقتال في كل مكان وفي مسرح عمليات وحروب واحد نتيجة ترابط الجبهات، وعن قرار اتخذ بتحرير جرود عرسال مع الدولة أو من دونها. ويصل في التعبئة السياسية الى الحدود القصوى ملوحاً بإعلان التعبئة العامة في الوقت المناسب وإذا دعت الحاجة… وهذا الموقف العالي السقف تصاحبه ضغوط سياسية على الحكومة لاتخاذ القرار في شأن عرسال المتروكة حتى إشعار آخر لمسؤولية الجيش، وعلى تيار المستقبل لتحديد موقفه وإثبات شراكته في الحرب على الإرهاب.
لكن الحريري لا يرى في معركة جرود عرسال إلا جزءاً من معركة الدفاع عن نظام الأسد وعن المشروع الإيراني على شاطىء المتوسط. ويرفض الانخراط سياسياً في هذه المعركة وتوفير التغطية لها عبر الحوار أو الحكومة ويرى فيها توريطاً للجيش وخطراً على الأمن والاستقرار.
وأما حزب الله فإنه يقرأ في موقف الحريري مؤشرات خطرة: التنصل من موجبات المعركة على الإرهاب والشراكة الحكومية، تشجيع المسلحين في جرود عرسال وتوفير بيئة سياسية حاضنة لهم. والمراهنة على المجموعات التكفيرية لإحداث توازن جديد في لبنان… في رأي حزب الله أن الحريري يقول صراحة إن الالتزام بمكافحة الإرهاب ليس مفتوحاً وإنما يخضع لتوازنات إقليمية لن تسمح لحزب الله بأن ينتصر، وثمة رسالة واضحة يحملها موقف الحريري تفيد بأن مرحلة «ربط النزاع» قد تنتهي إذا ما أصر حزب الله على استكمال معركة القلمون حتى النهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق