افتتاحية

ماذا لو تحققت الاحلام يوماً؟

الاسبوع الماضي حمل بامتياز عنوان «الحرب على الفساد الغذائي» فجر وزير الصحة وائل ابو فاعور قنبلة لا تزال اصداؤها تتردد بقوة في مختلف انحاء البلاد.
كشف عن مؤسسات ومحلات على علاقة بالامن الغذائي تتاجر بصحة الناس وتسمم غذاءهم، عبر اللحمة والالبان والاجبان وغيرها من الاطعمة الفاسدة. ولكي لا تبدو الحملة ظالمة، اعلن ان الفساد لا يشمل المؤسسة المتهمة بكل ما فيها، بل حدد الاطعمة الملوثة وطلب تصتيح الوضع وابلاغ وزارة الصحة، حتى اذا ثبت انها اصبحت سليمة، اعلن عن ذلك في وسائل الاعلام لاعادة الاعتبار اليها.
وكما في كل شيء في هذا البلد، وهو سيد الخلافات، انقسم اللبنانيون الى فئتين. فئة تضم الاكثرية الساحقة من اللبنانيين وبعض السياسيين الذين لا يريدون استغلال الفضيحة سياسياً فأيدت الوزير بقوة. وفئة تضم المتهمين والذين نشرت اسماؤهم عبر وسائل الاعلام بهدف تنبيه المواطن الى ان يأخذ حذره. فيعرف ماذا يأكل. وهذه الفئة تحاول تقديم التبريرات ورمي الوزير بسهامها.
الشعب هلل للخطوة ورأى فيها محاولة فريدة لمحاربة الفساد، ولكنه وضع يده على قلبه خوفاً من ان تتوقف، ولا تسلك طريقها الى النهاية. وطلب من الوزير ابو فاعور الا يخضع للضغوط مهما علا شأنها، وبذلك يكون قد انقذ حياة الكثيرين وسيسجل له التاريخ هذه البادرة.
المتضررون شنوا حملة معاكسة. وحاول كل واحد منهمتبرئة المتهمين. فنفضوا عنهم التهم الموجهة اليهم، بدل ان يسارعوا الى تصحيح وضعهموالعمل وفق ما يفرضه القانون والضمير.
اما المتضررون صحياً من فساد اطعمة هؤلاء، فقد ساندوا بقوة وزير الصحة وعبروا عن ارائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وشجعوه على المضي قدماً. فالقضية تتعلق بالصحة ولا يجوز التهاون بها تحت اي ظرف كان.
الا يدري المدافعون عن المتهمين بأنهم يدافعون عن الباطل ولن يقف احد الى جانبهم؟ افلا يشبه تسميم غذاء الناس الحرب البكتيرية والكيماوية التي تحرمها كل القوانين الدولية؟
اقترح البعض لو ان وزير الصحة عمد الى تنبيه هؤلاء قبل التشهير بهم. واقترح اخرون لو ان المسسات المتهمة سميت باحرفها الاولى، فلماذا يريدون اخفاء الحقائق عن المواطن؟ وكيف يكتشف ان هذه الاطعمة ملوثة ومسممة ويجب الابتعاد عنها؟ افلا يكونون باقتراحاتهم يدفعون الناس الى المرض وربما الى الموت؟ كم حالة تسمم تشهدها المستشفيات من جراء تناول الاطعمة الفاسدة، فتثار الضجة لساعات، او في اقصى الحالات ليوم واحد، ثم تختفي ويعود المخالف الى سابق عهده؟ ابهذه الطريقة يمكن محاربة الفساد؟ كم فضيحة من هذا النوع اعلن عنها ثم ما لبثت ان دخلت عالم النسيان؟
قالوا ان الحملة قد تضر بالسياحة وبالاقتصاد، ولذلك كان يجب ابعادها عن وسائل الاعلام. ونحن نقول لهم ايهما اشد ضرراً بالسياحة وبالاقتصاد الاعلان عن المخالفات وتنبيه الناس لتجنبها والعمل على تصحيح الوضع، ام تسميم السائح وعودته الى بلده، لاعناً الساعة التي جاء فيها الى لبنان، واكل فيه طعاماً فاسداً؟ واذا اخفيت الحقيقة، كيف يتعرف السائح الى الامكنة النظيفة، فيتوجه اليها آمناً مطمئناً؟ ان الترويج لحملة محاربة الاغذية الفاسدة هي التي تطمئن السائح وتجذبه الى لبنان، فالرجاء عدم تقديم التبريرات التي لا تقنع احداً، ولا تحارب فساداً مستشرياً في طول البلاد وعرضها.
وطالما اننا في جو محاربة الفساد كم يتمنى الشعب اللبناني ان يقيض الله للبنان «وزيراً» او رئيساً او سوبرمان يشن حملة مماثلة على الفساد السياسي. فيطيح رؤوساً كثيرة عملت منذ سنوات طويلة ولا تزال تعمل على تخريب البلد والدولة، فضربت المؤسسات كلها من رئاسة الجمهورية الى سائ المؤسسات، بذلك فقط تستقيم الامور وينجو البلد ويواصل مسيرته بصورة طبيعية. ان مثل هذا الشخص غير موجود، وان وجد فهو غير قادر. فحملة من هذا النوع تتطلب تضافر جهود الجميع حتى تنجح، فلا تبقى جهداً ضائعاً.
حملة الوزير ابو فاعور يةب ان تترافق مع تضامن وزارات السياحة والاقتصاد والطاقة والصناعة وغيرها. فالمياه الملوثة مثلاً هي كالاطعمة الفاسدة وهي تتسبب بتلويث غذائنا. وانقطاع الكهرباء لوقت طويل يجعل الاطعمة في الثلاجات ملوثة وغير صالحة، وهذا ما لا يتنبه له الكثيرون.
من هنا فان لبنان بحاجة الى طبقة سياسية جديدة تخلف الطبقة القائمة اليوم، فتضع قوانين جديدة وتولي حياة المواطن الاولوية في اهتماماتها، وعندها فقط ينهض البلد…
ما نقوله حلم، ولكن ربما تحققت الاحلام يوماً.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق