سياسة لبنانية

لبنان: تخوف مسيحي – درزي على الوجود

تقول مصادر وزارية إن قضية العسكريين المخطوفين تشكل اختباراً دقيقاً وجدياً لـ «التضامن والتماسك» داخل حكومة سلام المنقسمة في نظرتها وتعاطيها مع هذا الملف والتي يشكل انقسامها عاملاً مساعداً في جعل هذا الموضوع أكثر صعوبة وتعقيدا وفي عدم إطلاق عملية المفاوضة عبر أقنية ووسطاء.

ويتوزع موقف الحكومة بشكل عام في اتجاهين: الاتجاه الذي يعبّر عنه وزراء 14 آذار لا سيما تيار المستقبل ويميل الى الأخذ بمبدأ المقايضة بين العسكريين الرهائن والإسلاميين الموقوفين في السجون اللبنانية، واعتماده أساساً لعملية تفاوضية بين الجهة الخاطفة والحكومة اللبنانية، لأن المهم هو سلامة العسكريين وتأمين حياتهم وحريتهم بكل الطرق الممكنة، حتى لو تطلب الأمر تنازلات ومقايضات سبق أن اعتمدتها أكثر من دولة. والبديل عن المقايضة سيكون تعريض حياة العسكريين للخطر وتحويل كل مخطوف الى «مشروع شهيد»… والاتجاه الثاني الذي يعبّر عنه وزراء 8 آذار في رفضهم لمبدأ المقايضة بين عسكريين وموقوفين. فإذا حصل إفراج عن موقوفين محكومين في جرائم تفجير وقتل وعمليات إرهابية موصوفة، تكون قد تمت اطاحة كل الجهود والإنجازات التي بذلت وتحققت في الأعوام الماضية في مجال مكافحة الإرهاب والتضييق عليه والإمساك برؤوسه ومحركيه، ويكون قد أسيء الى هيبة الدولة بمؤسساتها القضائية والأمنية وتعود المخاطر الأمنية لتبرز من جديد وبطريقة أقوى وأوضح…
بين هذين الرأيين و«المنطقين»، ثمة من يطرح مخرجاً ثالثاً لهذه الأزمة الضاغطة يقضي بتقييد عملية المقايضة وفق معايير محددة، بحيث تقتصر عملية الإفراج عن الإسلاميين غير المحكومين بقضايا إرهابية وغير ملطخة أياديهم بالدماء، وهؤلاء يشكلون النسبة الكبرى بين الموقوفين الذين يقبع قسم كبير منهم في السجون من دون محاكمة منذ سنوات… أما الرؤوس الكبيرة «الإرهابية» فلا مجال لأن تكون مشمولة بمبدأ المقايضة أياً تكن الضغوط والنتائج…

الحرب على الارهاب
والتقى أحد المراجع سفير دولة كبرى وسأله: هل الحرب المفترضة على الإرهاب في سوريا والعراق محصورة في هذين البلدين فقط أم أنها ستشمل ضرب الإرهاب في لبنان، وهل سيشرك لبنان في هذه الحرب؟ وكان جواب السفير أن «المجتمع الدولي معني بتحييد لبنان وباستمرار الاستقرار فيه حتى في ظل الحرب على «داعش»، وبألا يتمدد هذا التنظيم إليه، أما إذا اقتضت الضرورة فعلى الأكيد لن يستثنى لبنان من أن يكون جزءاً من المعركة».
وفي تحليل لـ 8 آذار، ثمة رهان لدى محور غربي ـ عربي جوهره أن «داعش» التي أسقطت بضربتها في الموصل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي هي نفسها من سينجح في إسقاط النظام السوري، أو أن تجبر حلفاء هذا النظام على المساهمة في تغييره على غرار ما حصل في العراق. هي إذاً لعبة عسكرية ـ سياسية جديدة تقودها هذه المرة «داعش» الصاعدة بسرعة صاروخية والمطلوب إعطاؤها فرصتها القصوى. ولهذا الأمر تداعياته وتبعاته وأثمانه على الساحة اللبنانية، لذا ثمة من يتخوّف من أن يسمح لهذا التنظيم بنقاط ارتكاز فيها، خصوصاً أن هذه الساحة نُظر إليها دوماً على أنها استتباع للساحة السورية. وعليه لم يكن وزير الداخلية نهاد المشنوق مخطئاً عندما أطلق تحذيره من أن الخطر على لبنان سيكون متعاظماً كلما تقدمت «داعش» في الميدان السوري.

تخوف درزي – مسيحي
على الصعيد السياسي طرأ تحوّل ملحوظ على الخطاب السياسي للزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان حتى الأمس القريب يهاجم النظام السوري والدور الإيراني وينتقد تدخل حزب الله وقتاله في سوريا، وتخلى عن كل ذلك الآن وتحوّل لمهاجمة «داعش» والتحذير من خطرها الوافد من العراق وسوريا الى لبنان عبر بوابة عرسال. وهذا التحوّل عند جنبلاط بدأ بعد لقائه مع السيد حسن نصرالله وأعطته أحداث عرسال قوة دفع وأدت الى بلورته وتسريعه.
ويلاحظ القريبون من جنبلاط أنه لم يبلغ هذه المرتبة من القلق منذ العام 1982 تاريخ الاجتياح الإسرائيلي وحرب الجبل، وهو لا يتردد في الحديث عن خطر وجودي يتهدد لبنان بكل مكوّناته بمن فيهم الدروز، كما يجاهر جنبلاط في تحديد مصدرين للحماية في وجه هذا الخطر هما الجيش اللبناني وحزب الله.
ويترافق هذا القلق الجنبلاطي مع نشوء ظاهرة «الأمن الذاتي» في المناطق الدرزية من جبل لبنان الى منطقة راشيا –  حاصبيا، وفي مواجهة أخطار المرحلة الناجمة من جهة عن النازحين السوريين وأماكن تجمعاتهم ومخيماتهم التي أصبحت مصدر تهديد أمني محتمل في ضوء تجربة عرسال، ومن جهة ثانية عن عمليات التسلل والتدفق لمجموعات إسلامية مسلحة عبر خطوط جبل الشيخ ومساربه التي تصل الى شبعا وتحوي تواجدا لبلدات وقرى درزية.
أجواء وأحوال الساحة المسيحية ليست بعيدة عن تلك السائدة على الساحة الدرزية، وثمة شعور لدى الطائفتين أنهما يواجهان الخطر الوجودي نفسه والدور الوطني نفسه في التقريب بين السُنة والشيعة وحصر أسباب التوتر والصراع. فقد تزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن التسلح والأمن الذاتي في المناطق المسيحية القريبة من الحدود السورية، خصوصاً بعد أحداث العراق وصدمة عرسال والمخاوف من تمدد الوجود الأصولي («النصرة» و«داعش») ليطاول هذه المناطق التي يوضح سكانها وفعالياتها السياسية والاجتماعية الوضع والموقف على الشكل الآتي:
– التحصن هو الخطوة الضرورية لأي مباغتة غير مرتقبة لأن سقوط مسيحيي الأطراف هو سقوط لـ ««مسيحيي المركز»”. وهناك خطر فعلي، وهناك أيضاً ثقة بالدولة رغم كل ما يعتريها.
– الاتكال هو على الجيش اللبناني. فلطالما كان أمن المسيحيين وحمايتهم في عهدة الجيش، ولطالما كان تسلحهم إذا اضطروا الى ذلك دفاعاً عن النفس تحت إشراف الجيش ومن ضمن أطر شرعية.
– مشروع المسيحيين كان وما زال هو «مشروع الدولة»، والدولة تعني سلاحاً وجيشاً وشرعية، أما إذا غابت الدولة وتلكأت، فالمسيحيون كانوا لها في الماضي وهم لها اليوم وفي المستقبل… فإذا عادت الظروف لتفرض عليهم الدفاع عن مجتمعهم فهم جاهزون للعودة الى السلاح…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق