تحقيق

إشترِ الفساد من «دكانة البلد» والعنوان «الجمّيزة»!

وصار للفساد دكان في لبنان! هل ترغبون في الحصول على رخصة سوق من دون اختبار؟ أو شهادة بكالوريا من دون امتحانات؟ أو ربما رخصة بناء مفتوحة؟ أو أصوات إنتخابية بالجملة؟ أو «واسطة على الخفيف» ولما لا؟ «دكانة البلد» تقدِّم عروضاً خاصة على هذه السلع وغيرها من الخدمات التي تلبِّي كل الاحتياجات والرغبات، وما على الراغبين سوى التوجه الى «دكانة البلد»، الى الجميزة!
 


في حدث فريد من نوعه، افتتحت «دكانة البلد» أبوابها امس في 15 أيار (مايو) في حفل تدشين أُقيم في مقرها في الجميزة، بحضور حشد من الإعلاميين والمدونين والمعنيين وفعاليات المجتمع المدني، وجمع من المواطنين المهتمين. نظَّمت الحفل جمعية «سَكِّر الدكّانة» التي أُنشئت حديثاً أهداف طموحة تتمثل في نشر ثقافة النزاهة والحكم الرشيد في لبنان. وقد فتحت «الدكانة» أبوابها أمام المواطنين لمدة يومين متتاليين، مقدمة الفساد بجميع أشكاله وألوانه بأسلوب متميز.
انطلق الحفل بعرض شريط فيديو عن فكرة «الدكانة»، وهي في الواقع تصوير للبلد بحد ذاته، يستعرض الفساد في لبنان بطريقة واقعية ولاذعة تشهد على تجربتنا اليومية مع الفساد. وقد بدأ شريط الفيديو ينتشر عبر موقع «يوتيوب» ومواقع التواصل الإجتماعي، من أجل حشد الدعم والترويج لأدوات الجمعية ووسائل عملها.

تعايش مع الفساد
لماذا أطلق على الجمعيّة إسم «سكّر الدكانة»؟
وفق الجمعية: «جعل الفساد مجتمعنا أشبه بدكانة حيث يمكن الحصول على أي شيء من خلال دفع الرشاوى، وحتى الحقوق يمكن شراؤها. لذلك اقترحنا إقفال هذه الدكانة، وأطلقنا على جمعيّتنا إسم «سكّر الدكانة».
وفي مناسبة افتتاحها، قال رئيس جمعية «سَكِّر الدكّانة» عبدو مدلج: «نحن نشارك في الفساد يومياً، ونجد له الأسباب التي تبرره وتعقلنه وتجعله يبدو مقبولاً إلى درجة بتنا ننسى أننا بإمكاننا الوقوف في وجهه والقضاء عليه». وأضاف مدلج: «ما نعتبره مجرد دعم صغير لتسهيل إنجاز معاملاتنا من خلال الرشوة أو المحاباة أو أي شكل آخر من أشكال الفساد، هو في الواقع حقنة إضافية تغذي منظومة متكاملة ستكون كلفتها علينا في النهاية باهظة تفقدنا حقوقنا. نحن لا نعي بأن
الفساد يحد من وصولنا إلى المعلومات، ويقوّض تفكيرنا النقدي السليم، ويوقعنا في شرك انعدام الكفاءة  الاقتصادية والسياسية».

لبنان بين الدول الاكثر فساداً
وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، يحتل لبنان اليوم المرتبة 127 على قائمة تصنيف الفساد التي تضم 176 بلداً، ما يعني أنّنا من بين البلدان الخمسين الأكثر فساداً في العالم. وقد بدأت معدلات الفساد في الارتفاع منذ تسعينيات القرن الماضي، وتضخّمت آثارها بشكل كبير بسبب الحرب الأهلية. ولم يقتصر تفشي الفساد على طبقة كبار السياسيين والمسؤولين في البلد، وإنما تغلغلت سمومه وتسربت إلى هياكل المؤسسات الحكومية والإدارات الرسمية الصغيرة. وما كان من التدهور الاقتصادي في البلد إلاَّ أن زاد الوضع سوءاً وأعطى نوعاً من الشرعية والعقلانية لأفعال الفساد ومرتكبيها. و«هكذا، بتنا نعيش جميعا في «دكانة» مزدهرة، تنتشر فروعها فوق جميع الأراضي اللبنانية، حيث تستقطب قاعدة واسعة من الزبائن، وتتنّوع فيها السلع والخدمات بتنوّع العرض والطلب»، وفق ما تقوله جمعية «سَكِّر الدكّانة» مشيرة الى ان هذه «الدكانة» تحقق إيرادات سنوية تفوق الـ 1،5 مليار دولار، اي ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وبعبارة أخرى، فإن عُشر دخل اللبناني تمتصّه منظومة الفساد تلك.

ضغط وتبليغ عن الفساد
إزاء هذا الواقع، تأتي «سَكِّر الدكانة» بمضاد حيوي للقضاء على فيروس الفساد المستشري في لبنان. ويقوم هذا المُضاد بالدرجة الأولى على محاسبة الإدارات
الرسمية التي تفتقر إلى معايير النزاهة والشفافية في العمل، وممارسة الضغط على السياسيين من أجل إطلاق عملية التغيير والتصدي للفساد.
 تعتمد المبادرة في مقاربتها على مجموعة متنوعة من الأدوات والاختصاصات من أجل جمع البيانات المتعلقة بالفساد عبر موقعها الإلكتروني www.sakkera.com، وتطبيقها الهاتفي (IOS وAndroid)، وصناديق الشكاوى، وخطّها الساخن (76 80 80 80).
وتتمثّل الفكرة في إتاحة مروحة واسعة من القنوات أمام المواطنين من أجل التبليغ عن حالات الفساد التي يتورطون فيها شخصياً أو يشهدون عليها (رشاوى، استغلال سلطة أو نفوذ، سرقة، إلخ)، بحيث يُصار إلى جمع البيانات وفرزها وتصنيفها ورقمنتها من أجل تحديد اتجاهات الفساد وأنماطه السائدة في لبنان. وبذلك، تطمح الجمعية إلى تعزيز الوعي العام، وإشراك المواطنين في عملية التغيير، وإطلاق حوار على مستوى الوطن، وممارسة الضغط على السياسيين، ودعم المطالبة بإصلاح حقيقي.
هل تبقى هويّة من يبلّغ مجهولة (حتى الموظف)؟
يؤكد مدلج: «كل قاعدة المعلومات ستبقى مجهولة: بالنسبة الى الشخص الذي يبلّغ وبالنسبة الى الموظف الذي يتلقى الرشوة. نحن لا نأخذ أسماء الموظفين وليس هذا هدفنا. نحن نحارب نظاماً لا أفراداً. لأجل ذلك لن نسجل الأسماء لأننا لن نوجه أصابعنا إلى الموظفين لكننا سنظهر كيف أن النظام في حدّ ذاته هو نظام سيء.

سيارة دليفري لجمع بلاغات الرشاوى
ومن جملة الوسائل التي ستعتمدها «الدكّانة» في جمع بياناتها «سيارة الدليفري» التي ستتجول في المدن وتتوقف بكل جرأة وتحد أمام الإدارات الرسمية الشهيرة بفسادها من أجل جمع بلاغات الرشاوى من المواطنين. في موازاة ذلك، ستنشط الدراسات الاستقصائية والتحقيقات الصحفية، وستنظّم البرامج التدريبية حول النزاهة لمختلف الشرائح المعنية، وستنطلق المشاريع التعاونية مع القطاع الخاص. ولم تُغفِل الجمعية في أجندتها جهود التكتل من أجل الإصلاحات التشريعية التي تُسهم في إغلاق تجارة «الدكَّانة».
ويؤكد مدلج: «نحن أكثر من مجرد جمعية أخرى كغيرها من الجمعيات. مبادرتُنا ستكون مختلفة وجريئة ومبنية على النتائج، تؤدي إلى إفلاس منظومة الفساد».
ونداء الجمعية لكل مواطن لبناني: «سَكِّر الدكانة» هي مبادرة كل مواطن مهتم. يمكنكم أن تساهموا في مكافحة الفساد بالإبلاغ عن حالات الرشوة، ومشاركتنا تجاربكم عبر قنواتنا المختلفة، والاطلاع على تجارب الآخرين. يمكنكم أيضاً أن تساهموا بتبرعاتكم العينية و/أو بالإنضمام إلينا، فتصبحوا أعضاء لـ«سَكِّر الدكَّانة” أو سفراء لها.

عن «سَكِّر الدكّانة»
«سَكِّر الدكَّانة» هي جمعية حديثة العهد أُنشِئت بشكل أساسي بهدف نشر الوعي العام حول أخطار الفساد وكلفته الباهظة على الاقتصاد، والترويج لثقافة النزاهة والحكم الرشيد في لبنان. تسعى الجمعية إلى تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن حالات الفساد والرشاوى التي يكونون جزءاً منها أو شهوداً عليها، وذلك من خلال مجموعة من الأدوات والقنوات التي طوّرتها الجمعية خصيصا لهذه الغاية، بما في ذلك موقع إلكتروني وتطبيق للهواتف الخلوية، من جملة طرق ووسائل أخرى.
تقوم الجمعية من خلال هذه البلاغات بجمع البيانات وتحليلها وفرزها بما يسمح بالكشف عن حقيقة الفساد عبر القطاعات والإدارات العامة، وإلى وضع مقاييس علمية تعكس اتجاهات الفساد وأنماطه وآليات عمله. وتستخدم الجمعية هذه المقاييس في التوعية حول أهمية التصدّي لواقع الفساد الذي يضرب منظومتنا الاقتصادية، ودعم عملية التخطيط للإصلاحات السليمة والهادفة، والنداء بقوانين وتشريعات متجدّدة تنفض الغبار عن مؤسساتنا وصولاً إلى بناء علاقة بناءة ونزيهة بين المواطن والدولة اللبنانية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق