رئيسيسياسة عربية

سليمان لـ «الاسبوع العربي»: 4 عناوين لبنانية في نيويورك

يتمدد باطراد القلق الغربي على الاستقرار اللبناني، من السياسة الى الاقتصاد فالامن، وبينها الامن الاجتماعي المهزوز بفعل التغيرات السياسية والديمغرافية التي تتوسع مع تمدد الازمة السورية وازدياد عدد النازحين واللاجئين.

 ثمة من الخبراء من يرى أن الاقتصاد اللبناني تأثر تأثراً شديداً نتيجة الحرب السورية وخصوصاً في مجالات الترانزيت والسياحة العربية. كما ان النمو في لبنان انخفض ربطاً بانخفاض النمو في سوريا، اذ ان كل انخفاض لمعدل النمو في سوريا بنسبة ١% يقابله انخفاض بنسبة20 % في لبنان، كما ان نسبة النمو في لبنان انخفضت من7% في العام ٢٠١٠ إلى ٢% في العام ٢٠١٢. لكن في حال توقف الحرب السورية، ستعود معدلات النمو في سوريا الى الارتفاع إلى حوالي ٢٠ % مما ينعكس على لبنان إيجاباً بحوالي ٤ إلى ٥%. ويلفت الخبراء الى ان «لا مجال لنهوض الاقتصاد اللبناني طالما استمرت الحرب في سوريا». ويعتبرون ان «المشكلة الأبرز راهناً بالنسبة الى لبنان هي أوضاع اللاجئين السوريين التي تأخذ ثقلاً مادياً يكبر مع الوقت بسبب زيادة العدد، اضافة الى ان لبنان غير قادر مادياً على تحمل تكلفة استقبال هؤلاء التي تقدر بمليار ونصف مليار دولار سنوياً، مع ضعف التنسيق بين الوزارات في ظل تصريف الأعمال حكومياً، مما يؤثّر في رسم وتنفيذ آليات التصدي للتأثيرات السكانية والسياسية والادارية والمالية والبيئية والاجتماعية والانسانية للأزمة».
ويعول المراقبون على الالتفاف الدولي الذي من المتوقع ان يلقاه لبنان في اجتماع الخامس والعشرين من ايلول (سبتمبر) على هامش الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، حيث يحمل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ملفاً انقاذياً متكاملاً سياسياً واقتصادياً، وحيث من المؤمل ان يخلص الاجتماع الى إنشاء صندوق مخصّص للبنان لمساعدته مادياً بإشراف البنك الدولي وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانية.
ويقول الرئيس سليمان، رداً على سؤال لـ «الاسبوع العربي» في لقاء حواري مع رابطة متخرجي كلية الاعلام والتوثيق، ان جدول الاعمال يتناول 4 مواضيع رئيسية: دعم الاستقرار السياسي، دعم الوضع الاقتصادي، دعم الجيش ومسألة النازحين السوريين.

3 عناصر مقلقة
وتركز مراكز الابحاث الغربية، في هذه المرحلة، على متابعة السياسة اللبنانية، ربطاً بثلاثة عناصر بارزة ذات مؤشرات مقلقة محلياً ودولياً:
1- تقلص حجم الاقتصاد اللبناني والتراجع الدراماتيكي في معدلات النمو، بفعل الازمات السياسية التي تعصف بلبنان، وترابطه العضوي بالحرب السورية وارهاصاتها المتوقعة وتلك المنتظرة.
2- النقص الحاد لدى الدولة في تمويل احتياجاتها المالية، وسط خطر حقيقي من امكان عجزها في لحظة ما عن سداد المستحقات المترتبة عليها، ان لموظفي القطاع العام او للجهات الدائنة لها، من مصارف محلية واجنبية.
3- الشلل الذي يصيب المؤسسات الدستورية نتيجة المواجهات بين مختلف افرقاء الازمة اللبنانية، على خلفية التباين في مقاربة مآل الحكم والسلطة، كما نتيجة التورط اللبناني في الحرب السورية.
ويعتبر متابعون أن «هذه التطوّرات تعكس، بما لا يقبل ادنى شك، المجازفات والمزايدات السياسية ذات العواقب الوخيمة على البلاد، واستخفاف القيادات السياسية في لبنان بمخاوف المواطنين وهواجسهم والانصراف عن تحقيق الحلول الى الانتظار والترقب».

 المراوحة
ويلفتون الى ان استمرار هذه المراوحة «بات يشكل خطراً حقيقياً وداهماً على لبنان ومؤسساته وشعبه، معطوفاً على الخطر المتأتي من الحرب السورية وتداعياتها، واستمرار تدفق اللاجئين والنازحين السوريين والفلسطينيين، في غيا
ب اي خطة حكومية واضحة لاستيعاب مخاطر هذا التدفق وتداعياته الانسانية والاجتماعية والاقتصادية، على اللاجئين وعلى اللبنانيين على حد سواء».
ويأخذ المتابعون على المسؤولين «غياب الحد الادنى من الحس بالمسؤولية، في وقت تتدافع الدول المحيطة بلبنان الى اتخاذ كل الاحتياطات والتحوطات لمواجهة ما تترقبه من انعكاسات للحرب السورية، وهذه الاحتياطات هي عسكرية بقدر ما هي سياسية وانسانية واجتماعية قادرة على ضبط تداعيات الحرب السورية ومنع تمددها الى هذه الدول».
ويقول المتابعون ان «نظام الاستعصاءات اللبناني بات، في الوقت الراهن، مغلقاً على الحلول، وخصوصاً ان المسؤولين ارتضوا ان يعلقوا مشاريعهم السياسية ومهمة البحث عن هذه الحلول، في انتظار وضوح المسار السوري، وهو امر خطر لأن احداً لا يدرك قدرة لبنان على تحمّل تبعات هذا السلوك الرسمي – الحزبي القائم في الاساس على المواجهة بين الافرقاء بعضهم البعض بغية كسب الوقت والوقوف في مساحات رمادية في انتظار الآتي السوري».

شلل
في هذا السياق، يرى تقرير صادر عن مركز كارنيغي للابحاث ان الافرقاء اللبنانيين «يمعِنون في استراتيجيات المواجهة التي تشلّ مؤسسات الدولة اللبنانية، مع العلم بأن البلاد أحوج ما تكون في هذه المرحلة إلى مؤسّسات تعمل كما يجب. ففي الوقت الذي يشتدّ الخطر على الاستقرار الداخلي بسبب تورّط الأفرقاء اللبنانيين مع طرفَي النزاع في سوريا، يختار القادة اللبنانيون التضحية بمؤسّساتهم بدلاً من التوصّل إلى تسوية في ما بينهم».
يضيف: «يملك المعسكران السياسيان في لبنان رهانات عالية في النزاع السوري، الأمر الذي يؤدّي إلى تورّطهما أكثر فأكثر. فما هو على المحك بالنسبة إلى «حزب الله» يتخطّى طرق الإمدادات والقواعد الخلفية. إذا سقط النظام السوري، فسينهار المشروع الأيديولوجي الكامل للحزب وراعيته إيران، والمتمثِّل في بناء تحالف إقليمي ضد إسرائيل والولايات المتحدة (…). فخلافاً لتأكيدات معارضي الحزب، لم يستخدم «حزب الله» قط إمكاناته العسكرية من أجل انتزاع حصّة أفضل للشيعة في النظام اللبناني القائم على توزيع السلطات على أساس طائفي. وعلى النقيض مما يدّعيه الحزب، ليس الدفاع عن لبنان أولويته، إلا إذا كان ذلك يمرّ عبر الدفاع عن حمص ودمشق.
ويشير الى ان «الرهانات عالية أيضاً لدى الفريق الآخر، ولو كانت أكثر تعقيداً بقليل (…)»، معتبراً ان ثمة «أعداداً متزايدة يتحوّلون نحو المجموعات المتطرّفة والشيوخ المتشدّدين (…). وفيما يحتدم الصراع في سوريا، يبرز المسلّحون المتطرّفون أكثر فأكثر في الشارع السنّي اللبناني. انطلاقاً من ذلك يواجه تيار «المستقبل» خطر أن يصبح على الهامش أو يدخل في مواجهة مع «حزب الله» يتعذّر عليه الفوز فيها. ويعتقد تيار «المستقبل» أن انتصار الثوّار في سوريا (…) هو السبيل الوحيد لإرساء توازن في العلاقة مع «حزب الله» إذ أنه يؤدّي إلى تحجيمه».

 الضحايا
يشير التقرير الى انه «في آذار (مارس) الفائت، كانت الحكومة اللبنانية الضحيّة الأولى لهذه الضغوط، وسرعان ما تبعها مجلس النواب. فبعد فشل كل المحاولات للتوصّل إلى صيغة توافقية لقانون تُجرى الانتخابات التشريعية على أساسه، اختار النوّاب ببساطة إرجاء الانتخابات وتمديد ولايتهم الحالية 17 شهراً، لكن مجلس النواب لم ينعقد منذ ذلك الوقت. وفي هذا الإطار، تُطرَح علامات استفهام حول قدرة البرلمان المنقسم على ذاته والمشكوك في شرعيّته، على انتخاب خلف لرئيس الجمهورية ميشال سليمان عند انتهاء ولايته في أيار (مايو) 2014. وقد بدأ ناطقون بلسان «حزب الله» يطالبون باستقالة الرئيس على خلفية الكلام الذي صدر عنه ورأى فيه أن “المقاومة” التي تجرّ لبنان إلى النزاع السوري، تفقد علّة وجودها. إضافةً الى ذلك، كان للشلل في المؤسسات السياسية تأثير على القوى الأمنية. فبسبب عجز الحكومة عن الاتّفاق على أسماء لتعيينهم في المناصب القيادية، أُرجىء تقاعد قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان».
ويرى ان «الأفرقاء السياسيين الذين يُظهرون تمسّكهم بسيادة القانون والتقيّد بالإجراءات المتّبعة، يفعلون ذلك لمآرب شخصية، الأمر الذي يزيد حدّة المأزق (…)».

الجيش
ويلفت التقرير الى انه «في خضم هذا كله، ينتشر الجيش بصورة مستمرّة في منطقة طرابلس لمنع الاقتتال بين العلويين والسنّة. وتعيش منطقة البقاع الشرقي على وقع تبادل إطلاق النيران وعمليات الخطف بين السنّة والشيعة، الذين يدعم كلٌّ منهم أبناء طائفته في سوريا، وينقسمون بين المعسكرَين السياسيَّين المتناحرَين في لبنان. وقد تعرّضت وحدات الجيش المنتشرة في تلك المناطق، مراراً وتكراراً، إلى مرمى النيران. ففي أواخر حزيران (يونيو) الفائت، دارت معارك دامية بين الجيش اللبناني وأنصار أحد الشيوخ السلفيين (احمد الاسير)، أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 20 جندياً في مدينة صيدا المختلطة بين السنّة والشيعة في جنوب لبنان. وفي 15 آب (أغسطس)، تسبّب انفجار سيّارة مفخّخة بسقوط أكثر من 20 قتيلاً وإصابة نحو مئتَين بجروح، في أحد معاقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما كانت هجمات سابقة قد أوقعت أضراراً محدودة. وبعد ساعات من اقتراح الرئيس سليمان بأن تصبح ميليشيا «حزب الله» جزءاً من القوات المسلحة اللبنانية (الأمر الذي أثار حفيظة وسائل الإعلام المقرّبة من الحزب التي وصفت كلام الرئيس بـ «الفظيع»)، كما سقطت صواريخ مجهولة المصدر في محيط القصر الرئاسي ومقرّ قيادة الجيش. ولم يكن واضحاً ما إذا كان الهدف من الصواريخ الردّ على خطاب الرئيس، أم إذا كانت مناورة هدفها توريط «حزب الله»، وتالياً التأكيد على وجهة نظر الرئيس. ويزداد الخطر بأن يتحوّل الجيش اللبناني – الموزَّع على جبهات كثيرة، والذي يعاني نقصاً في التمويل، مع خسائر متزايدة في صفوف وحدات النخبة، (…) مجرّد جهة عازلة بين متقاتلين يصرّون على فرض «أمنهم الذاتي» عن طريق حواجز التفتيش وانتشار المسلّحين وسيطرة الميليشيات، فعندئذٍ، تصبح المسألة مسألة وقت فقط قبل أن تندلع مواجهات كبرى».
ويخلص التقرير الى انه «ربما كان تورّط لبنان في الحرب الأهلية السورية أمراً محتوماً انطلاقاً من معطيات جغرافية وتاريخية. لكن قادته يدفعون بالبلاد الآن نحو حافة الهاوية، إنهم يغامرون بأرزاق شعبهم وأمانه، من دون أي مراعاة للناس أو تعاطفٍ معهم. إذا وضعوا خلافاتهم جانباً، وامتنعوا عن صبّ الزيت على النار، وتحلّقوا حول الجيش باعتباره المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تحافظ على مظهر من مظاهر السيادة الوطنية، فقد يكون بالإمكان وقف تدهور الأوضاع في لبنان لبعض الوقت. لكن نظراً إلى ما آلت إليه الأمور، في لبنان وسوريا على السواء، يُخشى أن يكون الأوان قد فات».

طلال عساف
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق