رئيسيسياسة عربية

سيناء: المجموعات المسلحة تحاول جر الجيش الى حرب استنزاف

هل ثمة احتمال في ان تتحول شبه جزيرة سيناء الى ميدان استنزاف للقوات المسلحة المصرية، وذلك على يد الجماعات والمجموعات الارهابية التي تستوطن تلك الصحراء القصية؟

 هذا السؤال طرح بإلحاح في الايام القليلة الماضية في اعقاب توافر معلومات ووقائع ميدانية عدة ابرزها:
– ان الجيش المصري الذي جرّد منذ اقل من اسبوعين حملة عسكرية وصفت بأنها الاقوى واتت تحت عنوان توجيه ضربة قاصمة للمجموعات الارهابية تحت لواء تنظيم «القاعدة» والتي نجحت في الانتشار والتغلغل في الجزء الاسي
وي من مصر (اي سيناء) واتخذته قاعدة قوية جذبت مئات المقاتلين التكفيريين من مختلف انحاء العالم، واقامت ما يشبه الامارة لها، ولا سيما في الجزء الشمالي من هذه المنطقة حيث وجود الدولة المصرية ومؤسسات واجهزة وقوى امنية يكاد يكون منعدماً، هذا الجيش لم يحقق قائمة الاهداف التي ارادها كاملة، اذ سرعان ما نجحت المجموعات المسلحة المتمردة والعصية في استيعاب تداعيات الضربات الامنية المؤلمة التي تلقتها، وشرعت بالتالي في اتباع تكتيك عسكري جديد يحاكي الى حد كبير التكتيك الذي دأب تنظيم «القاعدة» والتنظيمات المتفرعة او ذات الصلة في اتباعه، كلما ارادت التهرب من المواجهات المباشرة مع القوات النظامية، وهو تكتيك السيارات المفخخة والتفجيرات عن بعد والهجمات الانتحارية.
وقد تجلى ذلك بوضوح في هجوم بسيارتين مفخختين استهدفتا خلال الاسبوع الماضي مبنى الاستخبارات الحربية المصرية في مدينة رفح المصرية، مما ادى الى سقوط قتلى عسكريين ومدنيين تحولت اجسادهم الى اشلاء، ويعتقد ان بينهم الانتحاريين السائقين للسيارتين المفخختين.

رسائل سياسية وميدانية
وبصرف النظر عن القيمة العسكرية لهذا الهجوم من جانب المجموعات الارهابية، فإن الواضح ان هذه المجموعات شاءت من خلال هذه العملية النوعية ان توجه سلسلة رسائل سياسية وميدانية الى من يعنيهم الامر فحواها الآتي:
– ان هذه العملية اتت بعد ايام على الهجوم النوعي الواسع الذي بدأته القوات المصرية، مقروناً بحملة اعلامية مصرية اعطت لهذا الهجوم صفة الحاسم، وعليه فإن المجموعات المسلحة ارادت ان تقول للجميع ان هذا الهجوم اخفق ميدانياً وعجز عن بلوغ هدفه المنشود بدليل ان المجموعات المسلحة ما برحت قادرة على الوصول الى معاقل النظام المصري العسكرية الحصينة والحاق خسائر كبيرة بقواته وبأجهزته.
– ان هذه العملية اتت متزامنة مع معاودة جماعة «الاخوان المسلمين» تحركاتها في شوارع القاهرة، وعودتها الى اسلوب التظاهرات المكثفة في ميادين العاصمة احتجاجاً على ما اسموه «الانقلاب على الشرعية» الممثلة بالرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
والواضح ان هذا التنظيم اراد ان يعلن للملأ انه لم يفقد القدرة على المبادرة وعلى الفعل كما خُيّل لخصومه السياسيين ولا سيما الذين امسكوا بناصية الحكم والسلطة في القاهرة منذ نهاية آب (اغسطس) الماضي.
– ولا شك في ان هناك من يجد روابط محكمة بين الدفاع المستميت للمجموعات المسلحة المتمركزة في صحراء سيناء في وجه الهجمة العسكرية المصرية الشرسة عليها، وعودة تنظيم «الاخوان» للتحرك بقوة وزخم في الشارع ليجد قاسماً مشتركاً واحداً وهو ان القوتين اللتين تواجهان الحكم المصري الحالي في القاهرة في سيناء عبر المواجهات الميدانية وفي الداخل المصري عبر التظاهرات التي تقض مضاجع الحاكمين ولا تخلي الساحة لهم، لها هدف واحد وهو ان الامور لن تسلس لهذا الحكم الذي ربط ربطاً محكماً بين تقدمه في صحراء سيناء وانهائه بؤر المسلحين المتمركزين هناك بقوة منذ اعوام، وعلى الاقل اضعاف ورقتهم وقوتهم، وانهائه اعتراضات «الاخوان» وتظاهراتهم المتجددة بعدما نجح في السابق في اخلاء ميداني النهضة ورابعة العدوية من المعتصمين الذين نزلوا الى هذين الميدانين بادئين احتجاجاً امتد اسابيع على الانقلاب والذي حصل على شرعية الرئيس المعزول مرسي ونظام حكمه.

 حرب استنزاف
ومهما يكن من امر هذه التطورات، فإن ثمة مخاوف كبرى من ان تنجح المجموعات المسلحة المتمركزة في صحراء سيناء في «جر رجل» الجيش المصري الى ما يشبه حرب استنزاف في هذه المنطقة الصحراوية، تكون بمثابة تعويض معنوي ومادي في آن على خسارة «الاخوان المسلمين» للحكم في القاهرة، وعلى عجزهم عن القيام بهجوم ارتدادي لاستعادة ما فقدوه في فترة زمنية قصيرة جداً.
ولم يعد خافياً لدى عدد من مراقبي الشأن المصري، ان المجموعات المسلحة المتغلغلة في صحراء سيناء تعتبر نفسها في موقع المعتدى عليها، لذا فهي في حالة دفاع مشروع عن نفسها وعن مشروعها الذي بدأت بالعمل عليه منذ زمن بعيد، وهي فعلاً بعثت برسائل تحذير الى النظام المصري الجديد وذلك تحت عنوان اساسي «اياك واللعب معي، وان تضع في حساباتك فكرة القضاء علي».
ولقد صار معلوماً ان نظام الرئيس المعزول مرسي سلك في بداية الامر سلوك النظام المصري الحالي عينه حيال الوضع في سيناء، اذ شن هجوماً ضد هذه المجموعات المسلحة، ولا سيما بعد المجزرة التي ارتكبت بحق احد المخافر المصرية وذهب ضحيتها 17 جندياً مصرياً، لكنه عاد في وقت لاحق وابرم معهم تفاهماً ضمنياً عنوانه العريض «عدم المساس بالبنية التحتية الاساسية لهذه المجموعات» ومن ثم الاقلاع عن اي تفكير جدي باستئصال وجود هذه المجموعات من داخل بؤرها المنتشرة في طول صحراء سيناء وعرضها، وهو ما اعتبره البعض في ذلك الحين، نوعاً من اقرار مرسي بأمر واقع قائم في سيناء.

المواجهة
ولكن النظام المصري الجديد الذي خلف مرسي والذي شكلت المؤسسة العسكرية عموده الفقري، وجد نفسه وكأنه في وضع المضطر الى فتح ابواب المواجهة مع الممسكين بقبضة حديدية بالوضع في سيناء، وبالتالي تحقيق انتصار عليهم في مكان ما، وذلك لاسباب متعددة منها:
– ان النظام المتربع على رأس السلطة في مصر حديثاً، يقيم على اعتقاد فحواه ان ثمة اوجه اتصال وقنوات تواصل بين الوضعين في سيناء وفي الداخل المصري، وانه لا يمكن لجماعة «الاخوان المسلمين» ان ترضخ لهزيمتها وتعترف بإخفاقها وبالتالي تترجل عن حصان المواجهة والاعتراض ما دامت «امارة» المجموعات المسلحة امراً واقعاً وقائماً في صحراء سيناء، وتجد لها سنداً ورفداً وظهيراً من غزة، حيث عمليات التدريب والتذخير، بدعم من حركة «حماس» المسيطرة على القطاع.
لذا لم يكن غريباً ان يجرد النظام المصري حملته العسكرية على المسلحين في سيناء مترافقة مع العملية الاعلامية – السياسية الشرسة على حركة «حماس»، والمنطوية على اتهامات شتى ومترافقة مع ردم ما يقارب 80 في المئة من الانفاق التاريخية الممتدة بين صحراء سيناء من جهة، وغزة وقطاعها من جهة اخرى.
وثمة عوامل عدة فرضت على النظام المصري ان يشرع في هجومه على مسلحي صحراء سيناء وابرزها حاجة الجيش المصري الذي عاد ليقبض على زمام الحكم في مصر مع اسقاط حكم الاخوان المسلمين ليؤكد انه صار الرجل القوي والرقم الصعب في النظام المصري الجديد، وحاجة هذه المؤسسة العسكرية لتسجيل انتصار ميداني وسياسي ترهب به خصومها الذين ما برحوا يرفضون حتى الساعة رفع راية الاستسلام والاذعان للهزيمة.
وثمة من يرى ايضاً بأن النظام المصري الجديد اراد ان يدغدغ مشاعر المصريين الدفينة. فالمعلوم ان ثمة شعوراً بالاستياء اعترى المصريين اثر ما يسمى باتفاقية سيناء التي انعقدت بين مصر واسرائيل، اذ ان هذه الاتفاقية جعلت السيادة المصرية على سيناء صورية، بل ان البعض رأى انها اخرجت هذا الجزء من ارض مصر من تحت عباءة السلطة المصرية نظراً للتواجد العسكري والامني الرمزي للقوى الامنية المصرية في هذه البقعة من الارض.

 تعزيز القبضة المصرية
لذا فإن النظام المصري الجديد يحاول ان يحاكي بالحملة العسكرية القوية على صحراء سيناء، جرح المصريين القديم ويقول لهم بشكل غير مباشر انه نجح في تعزيز القبضة المصرية على هذا الجزء من الارض المصرية، رغماً عن ارادة الكيان العبري.
وبقطع النظر عن الاهداف المعلنة والمضمرة للحملة المصرية العسكرية على سيناء، فإن السؤال الذي بات ملحاً هو: هل في مقدور النظام المصري الحالي ان يلوي ذراع المجموعات المسلحة المتجذرة في رمال الصحراء القصية، ام انه سيذهب من حيث يدري او لا يدري الى «الفخ»، واستطراداً الى حرب استزاف طويلة مع هذه المجموعات؟
الاكيد ان هذا السؤال كبر وتجذر في اعقاب المعلومات التي راجت حول عدم تحقيق المرحلة الاولى من الحملة المصرية العسكرية لاهدافها المتوخاة، خصوصاً لجهة توجيه ضربة ساحقة او على الاقل موجعة للمجموعات المسلحة، فضلاً عن ان هذه المجموعات شرعت في اتباع نهج عمليات «حرب العصابات» على المراكز والوحدات العسكرية المصرية.
وعموماً، فالواضح ان عنصر المباغتة الذي اراد النظام المصري لحظة وجه قواته الى معقل المجموعات المسلحة في شمال الشيخ زويد في اقصى شمال صحراء سيناء، فقد وظيفته وان المسلحين المستهدفين استوعبوا الضربة وبدأوا بالرد عليها سريعاً وهذا الواقع يفضي الى امرين لا ثالث لهما: فإما ان يندفع الجيش المصري المحدود القوى الى حرب استنزاف ومواجهات طويلة مع المجموعات المسلحة التي تملك الارض والقوة والاستعداد لمواجهة طويلة، واما ان يقتنع النظام المصري الجديد بأن عليه اما ابتداع آلية ماكنة مع المجموعات المسلحة يشعر فيها بسيطرته غير المعلنة على الصحراء او الانكفاء نهائياً ويعيد قواته الى حيث اتت وفي كلتا الحالتين ثمة انتكاسة للنظام المصري الباحث عن فرصة انتصار واستعراض قوة مهما كان حجمها.

ابرهيم بيرم
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق