معارض

معرض جماعي صيفي يعكس التنوع في المشهد الفني المعاصر

عودتنا الغاليريهات الفنية في لبنان على ان تخصص في كل صيف معرضاً جماعياً شاملاً يجمع جديد الفنانين الذين تتعامل معهم تلك الغاليريهات  دورياً، وتكون قد عرضت لهم  افرادياً في اوقات سابقة، الى اعمال فنانين جدد، مما يتيح الفرصة امام الجمهور لاكتشافهم  والتفاعل معهم. وفي هذا الاطار وضعت غاليري جنين ربيز، الروشة – بيروت في المتناول خلال شهر اب (اغسطس) 2013 مجموعة ضخمة  اظهرت بوضوح مدى التنوع في المشهد الفني المحلي المعاصر.

 شارك في هذا المعرض كل من: آرا ازاد، مازن كرباج، شفا غدار، لور غريب، جوزف حرب وعفاف زريق الى جانب فنانين معترف بهم من ايفيت اشقر، زينة بدران، شارل خوري، هوغيت كالان، ريم الجندي، بسام جعيتاني، جميل ملاعب، هنيبعل سروجي، جان بيار واتشي، اسيا مسابكي وغسان غزال. كما ضم المعرض صوراً لفرنسوا سرغولوغو، رانيا مطر وريما مارون الى جانب منحوتات لليلى جريديني وتجهيز لارا ازاد.
والفنانون المشاركون الجدد هم: دالا بعاصيري، احمد قليج، محمد سعد وساندرا عيسى.

كل المدارس والاساليب
الثابت في هذا المعرض كما في سائر المعارض من هذا النوع، تميزه بانه يضم كل المدارس الفنية والاساليب، فتجد اعمالاً تعبيرية، تصويرية، رمزية وتجريدية، وقد استخدم الفنانون في انجازها الالوان الزيتية والاكريليك والالوان المائية والمواد المختلفة ميكسد ميديا حيث عرض كل فنان رؤيته الخاصة للاشياء والانطباع الذي يشعر به حيالها.
فهنيبعل سروجي معروف باسلوبه التجريدي المرتكز على الجزئيات يصورها بحركة دائمة تيمناً بالشعب اللبناني الذ
ي هو دائماً في حركة على حد قوله، ولوحاته انجزها بالاكريليك ومواد مختلفة وفي كثير من الاحيان يعمد الى استخدام النار ليعبر من خلالها عن رؤيته الخاصة وهي رؤية تجريدية في الطبيعة والفضاء الخارجي تتمثل بتثقيب اللوحة بواسطة الحرق او التشظيات التي يوضبها ويؤلفها على بياض اللون. في اعماله يبدو سروجي كأنه في صيرورة وجودية، اما التقنية عنده فتدل على مهارة عالية في فهم العمل من جوانبه البصرية واللونية.
ونر
ى في هذا المعرض ان  شارل خوري  لم يزل يركب شخصياته او بالاحرى اختراعاته ضمن سياقات متناغمة وهندسات مثيرة لا عيوب فيها ولا اخطاء، ومما لا شك فيه انه صاحب بناء تشكيلي مميز وخاص وشخصي كما اجمع النقاد وحتى لو كان يستنبط اشكاله الا انه يضفي عليها صبغة الواقعية.
و
من مسيرة شارل خوري يتبين يوماً بعد يوم انه فنان يتميز بالحلم وجموح الخيال ويملك القدرة على تغليب الجمال على المنطق وهو يجنح دائماً نحو طفولة فانتازية قد يخيل للناظر انها عفوية وتلقائية لم تتطلب اي تفكير مسبق لكنه سرعان ما يكتشف ان خطوط الفنان واثقة قوية ذاهبة الى مقاصدها المرسومة لها.

  0 دعوة للابحار
وماذا عسانا نقول عن فن جميل ملاعب ان كان هو نفسه القائل انه يبحث دائماً عن الجديد في القديم، يبحث عن الصورة التي لا صورة بعدها، بالاضافة الى تراث مملوء بالحضارات يطوقه من كل جانب، تراث يتواصل معه بعين مفتوحة وقلب خافق وحواس يرفع بها عمله الى حدود الحرية الاستقلال. تستوقفنا لوحة تجريدية  له عنوانها «البحر» يبدو فيها وكأنه يتحدى المسطحات الكبيرة، مظهراً مهارة نادرة في بسط الالوان، الى ان يخلق نوعاً من الشعرية البصرية. ففي هذه اللوحة المذكورة بسط الازرق بتدرجاته بشكل ساحر، كأنه يوجه دعوة الى الزائر ليبحر معه في هذا المدى البعيد الشاسع، ويلح عليه للاقلاع معه صوب الحلم الازرق.
في فنه عموماً يستوحي جميل ملاعب من الطبيعة، الا انه بالرغم من باعه الطويل معها واجادته لنقل ر
وعة اشراق الوانها، يبدو حتى اليوم حائراً مأخوذاً بعظمتها وهو يقول على اي حال «كأن الازهار تتحداني، في روعة اشراقها اريد ان اقطف لونها لأضمه الى مجموعة الواني»، كل هذا  يشعرنا بأنه لم يزل يحس بالعجز امام الوان الطبيعة التي لم يزل ينظر اليها بعين العاشق.
 واذا تأملت لوحات ايفيت كالان الكبيرة المعروضة ستحس ان هذه الفنانة تخرج معزوفات رائعة عبر رسوماتها. وكانت كالان دخلت عالم الفن متأخرة وانقطعت عنه فترة طويلة لانشغالها بأسرتها ووالديها، لكنها درست الرسم باكراً على يد الايطالي مانيتي الذي نحت نصب الشهداء الشهير في ساحة البرج، ودرست في الجامعة الاميركية في بيروت، وفي العام 1964 نحتت تمثالاً لوالدها الشيخ بشارة الخوري ثم انتقلت الى باريس عام 1970 لتعود وتنتقل الى نيويورك عام 1981. عملت هوغيت كالان مع النحات الروماني جورج ابوستو فقدمت اعمالاً فنية ونماذج تشكيلية حية، شاركت في معارض وصممت لبيار كاردان ولدور ازياء عديدة كما كتبت سيناريوهات لافلام هوليوودية، وبدأت العرض عام 1970 في دار الفخار، وعام 1982 في الجامعة الاميركية في بيروت وعام 1973 في صالة كونتاكت ثم في باريس وواشنطن وكاليفورنيا ولبنان.
تأثرت كالان بوالدها كثيراً واعجبت بشخصيته وهي لا تنكر ذلك لكنها تأثرت ايضاً بما تعلمته خلال حياتها من دراسة للفنون ومن الاطلاع على معارض الفن خلال اسفارها، لكنها تؤكد انها لم تكتسب اقل من حياتها اليومية ومن مشاهداتها في الشارع، لان الفن باختصار هو الحياة ولا يمكن فصله عنها.

لغة تواصل كونية
اما فن غسان غزال فيشمل لوحات وتجهيزاً، ذلك ان الفن بالنسبة الى هذا الفنان هو لغة تواصل اختبارية كونية معبرة ومحررة تناسب كل واحد منا لان قدرتها المرئية واللاملموسة تحرك طاقة وتوحي بقيم معرفية وعاطفية، لذا نرى ان عمله مرتبط بالتجريدية التي تتموج بين عوالم الواقع والخيال، وهو يأتي دائماً باشكال جديدة مبهمة ومجردة ليس لها وجهة وهي تعكس خصوصية اللوحة السرية واللازمنية.
 وكذلك ريم الجندي تؤكد ان فنها لا ينفصل ابداً عن حياتها الشخصية وهي تعبر عن كل افكارها واحاسيسها وهواجسها بطريقة الرسم التي تجيدها، وهي باختصار ترى ان اساس الوجود امرأة ورجل وتقول: «علمني اسلاف خفيون ان ابدأ من جسم ترابي لاصل الى روح مضاءة بالابيض… هذه طريقتي».
ونستذكر في هذا المعرض الجماعي معارض اثرت فينا حين عرضت لانها عالجت موضوعاً يمسنا، وبينها المعرض المشترك للفنانة لور غريب ونجلها الفنان مازن كرباج عن حرب تموز (يوليو) المدمرة، التي شنتها اسرائيل على لبنان في العام 2006 حيث في هذا المعرض عبّر كل من الفنانين بطريقة مختلفة وخاصة به، ولم تخل رسومات كرباج من جو المرح والتهكم.
في الختام يتضح لنا من بعد الجولة ان هذا المعرض الجماعي يعكس التجربة الفنية للفنانين المشاركين الذين يبحثون في الخطوط والاشكال، يحاورون الالوان والظلال، يحاولون التقاط الاحساس الغريب وغنى المشهد الفني اللبناني المعاصر كما اسلفنا.

كوثر حنبوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق