رئيسيسياسة عربية

العراق: تجديد التحالف بين بغداد واربيل… ما هي الاهداف؟

في نهاية الاسبوع الماضي، وصل رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني الى بغداد على رأس وفد سياسي موسع. الزيارة اتت تحت عنوان عريض هو بحث الملفات المتعددة العالقة منذ زمن بين الاقليم الكردي وحكومة بغداد، وهو امر يبدو في الشكل طبيعياً لكنه في الجوهر والمضمون ينطوي على ابعاد ودلائل سياسية وغير سياسية متعددة.

الزيارة اتت لتنهي عملياً قطيعة بين الحليفين السابقين المالكي والبرزاني عمرها اكثر من ثلاثة اعوام وتخللتها مواجهات سياسية واعلامية مشهود لها.
في الشكل ايضاً تأتي الزيارة رداً على زيارة كان قام بها المالكي الى اربيل في 9 حزيران (يونيو) الفائت وترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء هناك وهو تطور نادر الحدوث وحافل بالدلالات.
وعليه، فإن كان الحدث اي وصول البرزاني الى بغداد حيث اجرى مروحة لقاءات واسعة وقبلها زيارة رئيس الوزراء العراقي للعاصمة الاساسية لاقليم كردستان العراق، مستجداً  ومدوياً، فإنه لا يمكن الا التوقف عنده ملياً، والبحث بعمق في تداعياته وسبر اغوار آثاره على مستقبل العملية السياسية في العراق.
لا ريب في ان الاسباب والعوامل التي دفعت المالكي بالاصل الى السعي لفتح صفحة جديدة مع الشخصية الكردية التي شكلت طوال العامين الماضيين قطب حركة الاعتراض والمعارضة المتصاعدة للمالكي والحكومة والتي بلغت اشواطاً متقدمة اوشكت ان تطيح الثقة المعطاة للمالكي من مجلس النواب وتقصيه عن المنصب البالغ الاهمية الذي يشغله منذ اكثر من ستة اعوام، لا سيما بعد ان سارع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الى الانضمام الى المعارضين للمالكي فاتسعت حلقتهم فنالوا نصاباً وطنياً كانوا يفتقدونه ويبحثون عنه بدأب.

لعبة سياسية
وبناء عليه، فإنه لم يكن غريباً اطلاقاً ان يذهب المالكي الى اربيل ويشرع مع زعيم اقليم كردستان الاول في «لعبة» سياسية مبنية على قواعد جديدة. فهي رحلة الباحث عن الخروج من مسار ازمة بدأت تحكم حلقاتها حواليه منذ صدور نتائج الانتخابات النيابية العامة الاخيرة قبل نحو ثلاثة اعوام والتي اظهرت تقدماً لخصمه الالد زعيم القائمة العراقية اياد علاوي عليه، وصحيح انه كان تقدماً طفيفاً في حينه، ولكنه كان كافياً لاحراج المالكي، وليقيد انطلاقته وحركته في الميدان السياسي العام، لا سيما ان علاوي بدأ يستند الى الدستور العراقي ليتصدى هو الى تأليف الحكومة كحق مكتسب وشرعي له، مما افضى يومذاك الى ازمة حكومية استمرت اشهراً عدة ولم تنفرج الا بعد اتفاق وضع المالكي امام شروط وموجبات كانت اشبه ما تكون بعملية حد لصلاحياته واجباره على القبول بشركاء اخرين في الحكم.
ويبدو جلياً ان المالكي بذل لاحقاً جهوداً كبرى ودخل في مناورات عدة داخلية وخارجية بغية الخروج من موجبات هذا الاتفاق الذي فرض عليه فرضاً من جهة، والانتقام التدريجي من اركان القائمة العراقية التي صارت تشكل منافساً اساسياً وجدياً له ولمشاريعه وطموحاته الجامحة.
وعليه ما لبث المالكي ان فتح ابواب مواجهة ازمة جديدة ومواجهات غير هينة عندما فتح ابواب المواجهة هذه مع القائمة بخطة اتهامات بحق احد ابرز اركانها نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، وادراجه في قائمة رعاة العمليات والممارسات الارهابية ودفعه لاحقاً للفرار من بغداد نهائياً.
وعلى مستوى الاداء العام بدأ المالكي عملية فرط تدريجي لعقد القائمة العراقية والتنصل من كل تعهداته والتزاماته السابقة في الحكم، وذهب بعيداً في عمليات تنكيل واضطهاد وتهميش للشارع المحسوب على هذه القائمة، على نحو يبعد معارضين يتهمونه بالسعي الى تكرار تجربة حكم ديكتاتورية على غرار تجربة صدام حسين المرة.

انتفاضة الوسط
وحيال ذلك كله، كانت انتفاضة محافظات الوسط الثلاث ذات الاغلبية السنية التي لا تزال تتوالى فصولاً رغم مرور اكثر من ستة اشهر على حدوثها. فمع بداية العام الحالي، خرج الى ميادين وساحات المدن الاساسية مئات آلاف العراقيين في مستهل حركة احتجاج جامحة عنوانها العريض وضع حد لعمليات التهميش المقصودة لسكان المحافظات الثلاث ووقف عمليات الاعتقال والقهر لهم تحت عناوين ومسميات غير قانونية وغير دستورية.
ورغم محاولات متعددة لاستيعابها ورغم محاولات عدة لحرفها عن مسارها واهدافها وجعلها حركة انفصالية فإن حركة الاحتجاج والاعتصام استمرت على وتيرة عالية، مشكلة ازمة حقيقية للمالكي ولشرعية حكمه.
ولانه سبق للمالكي ان فقد حليفه السابق الطرف الكردي اي البرزاني ولان مرض الرئيس العراقي جلال الطالباني وتغيبه الطويل عن الساحة العراقية، مضى المالكي قدماً في السعي لاعادة تطبيع علاقاته بإقليم كردستان وزعيمه الابرز البرزاني، لذا بادر الى خطة ممنهجة غايتها اعادة وصل ما انقطع مع الداعم الدائم السابق له اي البرزاني وحزبه، وهي خطة اعتمدت اسلوب العصا والجزرة. فسياسة العصا اتبعها المالكي مع الطرف الكردي خصوصاً قبل اشهر عدة عندما شكل قوة عسكرية صارت تعرف بقوة «عمليات دجلة”» مؤلفة من حوالي 5 آلاف جندي مهمتها الانتشار والتمركز وفرض الامن في مناطق تابعة خصوصاً لكركوك، تدرج عادة في اطار المناطق المتنازع عليها اي تلك التي وضعت عملياً تحت مراقبة الامم المتحدة في انتظار البت بملكيتها العقارية الاساسية وفق ما تدعي بغداد، ام انها فعلاً جزء لا يتجزأ من جغرافية اقليم كردستان سلب منها في ايام صدام حسين الذي عبث بخريطتها الديموغرافية كي يسلبها هويتها الكردية الاساسية، لا سيما بعدما اسكن في مدنها وقراها مجموعات عربية سنية وشيعية.

التصادم العسكري
واوشكت الامور ان تبلغ حد التصادم العسكري المباشر، ولا سيما بعدما دفعت القيادة الكردية بمجموعات من قوات «البشمركة» (اي الميليشيا الكردية) الى تلك المنطقة ولتحدث مواجهة محدودة في المكان والزمان، ولكنها احتاجت الى جهود كبرى لضبط التداعيات وتهدئة الاوضاع.
والى ذلك كله، حرك المالكي ملفات نفط الشمال العراقي انتاجاً وتصديراً وتنقيباً معتبراً ان هناك تجاوزات تقوم بها حكومة كردستان العراق لدرجة التلويح بمعاقبة شركات النفط العالمية التي تشارك في تهريب النفط المنتج من حقول الشمال وتبرم اتفاقات غير دستورية وغير شرعية مع حكومة اربيل.
وذهب المالكي الى ابعد من ذلك عندما هدد بتقليص الموازنة المالية لاقليم كردستان العراق ولموازنة قوة «البشمركة».
وبمعنى اخر، نجح المالكي والى حد ما في دفع البرزاني الى دائرة الازمة وتحت وطأة ضغوط بغية تطويعه والحد من جماحه، لا سيما ان المالكي اوصد الابواب والفرص امام اية معارضات تخرج من مناطق وتلتقي ببقية المعارضين لتشكل معهما نصاباً وطنياً واحداً، وخصوصاً في ظل فقدان الهوية الوطنية العراقية وغياب المشروع الوطني العراقي.
وفي المقابل ثمة اسباب ورهانات اخرى دفعت البرزاني الى اعادة حساباته من جديد، وبالتالي اعادة فتح الابواب الموصدة بينه وبين المالكي والتشكيلة السياسية التي يدور في فلكها.
فالرجل بات بفعل الوهن التدريجي الذي اصاب خصومه في الساحة الكردية، بعدما مرض الرئيس العراقي جلال الطالباني، والحديث المتزايد عن الصعوبة الكبرى في عودته الى منصبه وممارسة مهماته ودوره السياسي نظراً الى عدم تعافيه تماماً من الازمة الصحية التي ألمت به قبل اشهر واستدعت نقله الى الخارج، بات يضخم آماله وطموحاته واحلامه في تعزيز استقلالية اقليمه وربما في احتلال منصب الرئيس العراقي محل رئيس الاتحاد الديموقراطي والكردستاني المريض.

مكاسب تاريخية
وبمعنى اخر، ثمة مكاسب كبرى وتاريخية حصل عليها اقليم كردستان بفعل وجود المالكي في رأس هرم السلطة التنفيذية في العراق، قد تصير مهددة اذا ما مضى بعيداً في عدائه للمالكي ومخاصمته له ومواجهته اياه وربما تصير ايضاً معرضة للانهيار او التراجع اذا ما اعتلت منصب المالكي شخصية اخرى، او تركيبة سياسية مختلفة.
وعليه، فإن هناك من يرى  تلاقي مصالح بين المالكي والبرزاني وكلاهما يحتاج الى الآخر، وكلاهما يجد في الاخر متمماً له ومكملاً لدوره وحساباته وتوجهاته خلال المرحلة والمستقبلية.
فإذا كان البرزاني على سبيل المثال تراوده احلام الحلول محل الطالباني في رئاسة العراق التي وان كانت شرفية، فهي مهمة، فإن المالكي يحتاج الى معين يساعده لمواجهة المحافظات المنتفضة منذ اشهر في وجهه.
فضلاً عن ذلك، من الواضح ان المالكي التفت مبكراً لمواجهة الجهة التي تريد ان تقطع عليه طريق الوصول للمرة الثالثة الى منصبه الحالي، وهي التي بدأت اجراءات جدية لبلوغ مثل هذا الهدف حيث بالامكان وجود قوى وشخصيات شيعية لا تريد للرجل ان يؤبد حضوره في رئاسة الحكومة في العراق وتطمح بأن تأخذ دورها.
بالطبع ثمة من يقول بأن ايران هي التي مارست ضغوطاً على المالكي والبرزاني ليسند احدهما الاخر، او على الاقل ليطويا صفحة التناقض والخلاف بينهما، ولكن الثابت ايضاً ان واشنطن تبدو وكأنها تبارك هذا التحالف المتجدد بين بغداد واربيل.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق