الأسبوع الثقافي

فيليب سالم: النجاح أمر صعب الترويض ولذلك التواضع ضروري

كنت دائماً اتساءل، عن سرّ انطلاق اسم المواطن اللبناني المتفوق في الخارج نحو العالمية، بينما اسمه في بلاده، لا يتخطى حدود وطنه الصغير؟ والاسماء اللبنانية التي طبقت شهرتها الآفاق في الاوطان الكبيرة، كثيرة، وفي مختلف ميادين الحياة… ولذلك، فانني اقتصر على ذكر بعض الاسماء العالمية في ميدان الطب فقط: مايكل دبغي الذي صار اسمه على كل شفة ولسان، بعد الانجازات الكثيرة التي حققها في هذا المجال. ميشال حاتم الذي اختاره الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ليكون طبيبه الخاص. بيتر مدوّر، اول لبناني ينال جائزة نوبل في مجال الطب. واخيراً فيليب سالم، قاهر مرض السرطان. جميعهم حققوا الانجازات العلمية، والمهارات الطبية، والشهرة العالمية الواسعة، وهم خارج وطنهم الصغير! فهل كُتب لعباقرة الاوطان الصغيرة، ان تظل طموحاتهم محدودة، واسماؤهم غير ساطعة، ما لم يكونوا من ابناء الاوطان الكبيرة؟! ما دفعني الى هذه التساؤلات، الكتاب الجديد عن «فيليب سالم: الثائر والعالِم والانساني» وفيه تروي الكاتبة مهى سمارة، سيرة هذه الشخصية اللبنانية الفذة والمتألقة، والمراحل المفصلية في حياته.

بمناسبة صدور كتاب «فيليب سالم: الثائر والعالِم والانساني» عقدت ندوة فكرية في فندق «البريستول» في بيروت، اتسمت بمناقشة تفاعلية بين المشاركين حول الكثير من الموضوعات والعناوين التي استقطبت اهتمام الحضور، والتي تمحورت حول جوانب حياة فيليب سالم واهمية انجازاته الطبية والعلمية، بحضور حشد من الاصدقاء والاعلاميين ونخبة من المفكرين ووجوه العلم والاجتماع.
كما وقّعت مهى سمارة على الكتاب الصادر عن دارَي «النهار للنشر» و«الساقي» بنشر مشترك، حيث يتم تسليط الاضواء على مختلف نواحي شخصية فيليب سالم، من ولادته في بطرّام (الكورة) الى دراسته في طرابلس وبيروت ونيويورك، الى تدريسه في الجامعة الاميركية في بيروت وعمله في مستشفاها إبّان الحرب، الى الشهرة العالمية في هيوستون واميركا واوروبا.

ابعاد عديدة
بداية، تكلم الدكتور فارس ساسين الذي ادار الندوة، ومما قاله:
«1- ان رؤية سالم للزمان المتجاوز لذاته دوماً لم تمنعه من العيش خارج الزمان، فهو ما زال في بطرّام ودروبها وحكاياتها ومع اهاليها، احياؤهم والاموات، وفي المنزل الاول…
2- أبعاد فيليب سالم المرموقة عديدة متعددة، كما يبين من كتاباته ومن الكتب التي تتناوله. فهو الطبيب والباحث والمربي والوطني والمحلل السياسي والمفكر الاجتماعي والوجودي. وهو يولي كل ميدان من الميادين حقه ويقارعه بحججه ويأخذه بأدلته وشهاداته. لكنه يبقى نفسه واحداً أحداً في كل هذه الميادين.
3- وهو جذري لا يكتفي بدراسة المعطى، بل يتعداه الى مسلماته. لذلك لا تقرأ نصاً لفيليب سالم في اي موضوع كان الا وتتعلم منه شيئاً جديداً. فهو دائماً يتخطى المتداول والمألوف الى المصادرات التي بُني عليها هذا المألوف ليعيد النظر فيها.
4- وطنية فيليب سالم صافية بريئة نابعة من ابن من ابناء جبل لبنان الذين طمحوا ان يكون وطنهم لبنان وطن الاشعاع والنور، مع ما واكب ذلك من الازمات والحروب. لكن ما يميّز فكره، الى التأكيد على عروبة لا شائبة فيها دون التخلي عن أي من حقوق الوطن الصغير وواجباته، اكتناه روح العصر والطابع البرغماتي العملي لما يدعو اليه».

اكثر من كارثة!
من جانبه، قال الدكتور انطوان غصين: «يقول الدكتور الشهير وليام اوسلر: «قبل ان تتعرف الى ماهية اي مرض اصاب شخصاً، إبدأ بالتعرف الى ماهية الشخص الذي اصابه هذا المرض». كان فيليب سالم يتعامل مع المريض قبل ان يتعامل مع المرض، وكان الذي يلح عليه الدكتور سالم هو ألوهية العمل الطبي، وهو يعتبر مثل الكثيرين ان الحياة هبة من اللّه، والمسؤول عن صيانتها وترميمها اذا تعطلت هو الطبيب. فهو اذاً يساهم بمساندة الخالق، وعمله الإلهي. وبعد، وبالاختصار، يطيب لي ان اقترح على العزيز فيليب ان يزيد الى مفهومه عن ألوهية الطبيب مفهوم ألوهية المريض فيكون اللقاء الطبي ابداً ودائماً بين آلهة يَشفون وآلهة يُشفون. قال ميشال شيحا، «ان كوناً من دون شعر كارثة كونية» وانا الطبيب اقول: ان كوناً من دون اطباء كفيليب سالم وامثاله من الكبار اكثر من كارثة كونية».

رجل خارق، حارق
وقال الصحافي طلال سلمان: «اما في سياق التعرف الى المشاهير وشبك علاقات الصداقة معهم، فلا مجال للمبارزة (بيني وبينه) لأن كل اسماء الاصحاب اللامعة يعرفون فيليب سالم ويلجأون اليه في احوال الشدة، في حين لا نجد لا من يداوي ولا من يعين من الزمن الذي يكاد يستهلك اعمارنا (…) ثم ان فيليب سالم رجل خارق، حارق، درس في الجامعة الاميركية، لكنه نال مساعدة من المجلس الثقافي البريطاني لمدة خمس سنوات مع غرفة وحمام مستقلين… اما الآن فهو من يساعد. وقد رتّب لسفر اكثر من عشرين طبيباً لبنانياً وعربياً لمتابعة تخصصهم في اهم مراكز السرطان في اميركا… وحقق معجزة التعاون والتنسيق بين الجامعة الاميركية والجامعة اليسوعية في بيروت، متجاوزاً كل الفروق والخلافات الدينية والثقافية واللاهوتية. (…) لقد كلفتني هذه الكلمات، ثلاث ليالٍ من القراءة عن هذا لطبيب، الاديب، الخطيب، المهيب، المصيب، العجيب، المنيب…».

قوة المحبة
وفي معرض تعليقها على صدور الكتاب، قالت المؤلفة مهى سمارة: «ركزت على انجازات ومساهمات الدكتور سالم في الثماني والاربعين سنة الاخيرة. ما سيكتب عنه مستقبلاً او ما سيكتبه هو ننتظره بشوق. اذ لا يزال امام الحكيم الكثير من الاحلام والافكار والابحاث التي يودّ تحقيقها وله وحده الحق في الحديث عنها. سبعون قد تكون بداية الخريف وسن التقاعد للأغلبية، انما ليس للبروفسور سالم، فلا حيويته الفكرية ولا حركته الدائمة ولا نشاطه الخارجي توحي بذلك (…) لا اخفي اعجابي بشخصية الوالد اديب لانه الصخرة التي قامت على ركائزها العائلة. ما قدّمه الأب البطريركي الذي كان يتدخل في اختصاصات اولاده يتكامل مع ما قدمته الوالدة لمياء مالك. ويعترف الدكتور فيليب ان القيم والمثل التي اخذها عن امه لا تقل اهمية عما أخذه عن الوالد. فمنها تعلّم المحبة اهم قوة في الارض، ومنها اخذ حلاوة اللسان وحسن الاستقبال وحب المساعدة وروح النكتة».

ترويض النجاح
ومسك الختام كان مع البروفسور سالم الذي قال: «النجاح أمر صعب الترويض ولذلك التواضع ضروري. هذه معركة تخاض، لذلك يجب ان ينجح الناجح في ترويض نجاحه… كما على الفاشل ان يستفيد من فشله. كل إمرىء لا بد له ان يفشل، والذي لا يفشل هو الذي لا يعمل. فلذلك عليه اذا فشل ان يستفيد من فشله». ثم تناول سالم علاقته بصاحب جريدة «النهار» ومؤسس دار نشرها الراحل الكبير غسان تويني، قائلاً: «اصبحت كاتباً بفضل هذا الصديق الذي شجعني على ان ادوّن افكاري، وقال لي في احدى جلساتنا في بيت مري: «الافكار التي لا تصاغ كتابة تزول».

محتويات الكتاب
يقع كتاب «فيليب سالم: الثائر والعالِم والانساني» في 299 صفحة من القطع الكبير، ويتألف بعد المقدمة، من خمسة اقسام. تروي الاقسام الاربعة الاولى حياة فيليب سالم من طفولته الى تأسيس «مركز سالم للسرطان» في هيوستن – الولايات المتحدة الاميركية، وتألقه عالمياً في ميدان الابحاث السرطانية وفي معالجة هذه الامراض. كما يظهر مساهمته في رسم السياسة الصحية للولايات المتحدة من خلال عضويته في «اللجنة الوطنية الاميركية للرعاية الصحية» وصداقته مع ثلاثة رؤساء اميركيين وتعاونه معهم دون التخلي عن واقعيته في تقويم السياسة الاميركية وعن التزامه المبدئي بقضايا العرب.
اما القسم الخامس والاخير، فيبرز اهمية مساهمة البروفسور سالم في طب السرطان وادخاله مفاهيم وممارسات جديدة في معالجة امراضه، ونظرته العامة في الطب والقضية الصحية والتعليم العالي، ورؤيته الخاصة المتكاملة للبنان ولقضيته ولدوره الريادي في ميداني السياسة والثقافة. واخيراً، يحلّل الكتاب رؤاه الفلسفية الانسانوية النابعة من معايشته اليومية للآمال والآلام، ومن عقلانية تفكيره والمامه بشؤون العالم المعاصر.

اسكندر داغر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق