سياسة لبنانية

انتظارات لبنان الثقيلة

حرّك البيان الصادر عن مجلس الامن في الخامس عشر من آذار (مارس) الراكد من المياه اللبنانية. فـ «القلق العميق من الحوادث الحدودية المتكررة» بين سوريا ولبنان وتداعيات الوضع السوري على الاستقرار اللبناني، الذي تصدر البيان، يؤشر الى تنامي الاهتمام الدولي بمخاطر ما يجري عند الحدود بين البلدين، إما دعماً للثورة وإما للنظام في سوريا.

قال أعضاء مجلس الامن الدولي الـ 15 في البيان الذي صدر بالاجماع إنهم يعبّرون عن «عميق قلقهم ازاء تداعيات الازمة في سوريا على استقرار لبنان». وأشار البيان إلى أنه من بين هذه الحوادث «حصل إطلاق نار عبر الحدود أدى إلى مقتل وجرح مواطنين لبنانيين وعمليات توغل وعمليات خطف وتهريب أسلحة عبر الحدود السورية – اللبنانية». وأكد «أهمية الاحترام التام لسيادة ووحدة الاراضي اللبنانية وسيادة السلطة اللبنانية»، داعياً اللبنانيين إلى «الامتناع عن الضلوع في الازمة السورية».
يأتي هذا القلق الاممي العميق اثر اعلانات اسرائيلية متتالية تستهدف تحديداً الدور الذي تتهم تل ابيب حزب الله به لناحية «تورطه في المسألة السورية»، وآخرها ما سربته الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من أن إيران وحزب الله «أسسا جيشاً قوامه 50 ألف مقاتل من الميليشيات في محاولة لإبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة».

تمدد
يعتقد تقرير دييلوماسي شرقي ان تسارع الاحداث السورية، وخصوصاً مسألة دفع الاطراف المتنازعة الى المزيد من الصدام العسكري من خلال تشريع التسلح وتسهيله، تهدد بانتقال الأزمة إلى لبنان «الذي يزداد استخدام أراضيه لتهريب السلاح والمسلحين إلى الداخل السوري».
ويشير التقرير الى ان هذا التمدد المحتمل شكل حافزاً لاجماع اممي على التحذير من هذه المسألة، اذ انه «لزمن طويل كان الوفاق غائباً عن مجلس الأمن الدولي، اثر تعثر العديد من مشاريع القرارات  وهناك تساؤلات حول قدرة مجلس الأمن والأمم المتحدة عموماً على القيام بأعباء حلّ مشاكل العالم المعاصر، وفي ظل صراع عالمي بين نمطين: نظام القطب الواحد ونظام تعدد الأقطاب».
ويرى ان «المجلس أثبت أن الأعضاء الخمسة عشر يستطيعون الاتفاق إذا أرادوا، فصدر بالإجماع بيان «القلق العميق» من «تداعيات الأزمة في سوريا على استقرار لبنان»، مناشداً «جميع اللبنانيين المحافظة على الوحدة الوطنية في مواجهة محاولات تقويض استقرار البلاد».
ويلفت الى ان مجلس الأمن دعا لبنان صراحة إلى عدم الانجرار إلى الأزمة السورية، والى اتخاذه موقفاً حيادياً ومراقبة الحدود قدر الإمكان لمنع تهريب الأسلحة وتسلل المسلحين إلى الداخل السوري، وإلى الزعماء اللبنانيين لإبقاء بلدهم بعيداً عن الصراعات الخارجية وفق إعلان بعبدا.

الحدود
ويتحدث التقرير الديبلوماسي الشرقي عن «منطقة الحدود السورية – اللبنانية التي شهدت في بدايات الثورة السورية اشتباكات عنيفة بين الجيش النظامي ومقاتلي المعارضة، وتساقطت الشظايا على مداخل القرى اللبنانية، لا سيما في البقاع الشمالي. اما اليوم فالعملية معاكسة. اذاً على رغم ان تسلل المقاتلين وتهريب الأسلحة عبر الحدود إلى الداخل السوري ليسا جديدين، إلا أن دمشق باتت ترى في هذا الاتجاه تهديداً جدياً دفع خارجيتها الى استخدام لغة التهديد في مخاطبة نظيرتها اللبنانية بعبارات مثل «ضبط النفس من قبل القوات المسلحة السورية لن يستمر إلى ما لا نهاية».
ويعتبر انه «بالتزامن مع إرسال المسلحين والأسلحة إلى سوريا عبر الحدود اللبنانية، يزداد حرص بريطانيا وفرنسا على تزويد المعارضة السورية المعتدلة  بالاسلحة، «حتى يتمكن المقاومون السوريون من الدفاع عن انفسهم»، حسب تعبير وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. وينوي الفرنسيون والبريطانيون تسليم الجيش السوري الحر صواريخ ارض-  جو  كي تستطيع قوات المعارضة بسط سيطرة تامة على المناطق التي صارت في قبضتها».

ما ينتظر لبنان
في المقابل، يشير ديبلوماسيون غربيون الى ان «ثمة الكثير مما ينتظر لبنان من الاحداث في سوريا، من الأزمة الإنسانية والنازحين وخروج الوضع عن السيطرة، الى ازدياد التوترات الطائفية واستعار الحرب الأهلية، وصولاً الى امتدادها الى خارج الحدود، نحو لبنان القريب».
ويلفتون الى «سلسلة من الهجمات التي شنها الجيش السوري الحر ومجموعات لبنانية مناصرة له ضد حزب الله، تعدّ مؤشراً قوياً على ثلاثة عناصر:
أ- تمدد الصراع في سوريا الى خارج حدودها على نحو أكثر تواتراً، مما يؤشر الى شراسة الفوضى وطبيعة القتال في كثير من الأحيان، فضلاً عن الانقسامات التي تخلق الصراع في كل أنحاء المنطقة وليس في سوريا وحدها.
ب- تمدد الصراع الى لبنان تحديداً، حيث التوترات الطائفية والمذهبية على اشدها، مع اتهام تيار المستقبل حكومة نجيب ميقاتي بأنها تخضع لحزب الله والنظام السوري.
ج- يجري العمل على إضعاف شرعية حزب الله كقوة سياسية في لبنان، بعد ثبوت مشاركته في الحرب الأهلية السورية».
ويقول الديبلوماسيون الغربيون بأن «هجمات مجموعات الجيش السوري الحر على حزب الله تظهر تفاقم الصبغة المذهبية في طبيعة الاحداث في سوريا، وتختصر حقيقة الصراع بين محور عربي – اسلامي، ومحور ايراني يتنافسان للفوز بسوريا، كموقع استراتيجي في المشروع السياسي لكل منهما».
ويرون ان «العنف المذهبي بات واضحاً في العديد من البلدان في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. ومع ذلك، فإن الانقسامات المتزايدة بين الجانبين في سوريا تؤثر في المناطق الحدودية، ويمكن بسهولة جداً ان تتمدد عنفاً في البلدان المجاورة، وخصوصاً لبنان الذي لديه تاريخ مديد من العنف الطائفي. لذلك، يأخذ الصراع السوري وجهاً أكثر طائفية، مع خطر انتشار الحرب في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط».

النصرة
في موازاة ذلك، يتحدث تقرير استخباري عن مخاطر التمدد الجهادي الى لبنان، مركزاً تحديداً على «جبهة النصرة». فيشير الى انه «بالمعنى الدقيق للكلمة ليست جبهة النصرة سورية المنشأ او التكوين. تشكلت في العام 2011 ونمت بسرعة واستقطبت مقاتلين عرباً من لبنان (جند الشام وفتح الاسلام) وليبيا وتونس وغيرها من الدول. هي ليست حكراً على عرق او هوية وطنية، بل يجمعها الانتماء الى الجهاد. وعلى رغم تعدد مشارب تكويناتها، اصبحت الجبهة قوة رائدة في الحرب الأهلية. لكن قتالها لن يقتصر – غالباً – على سوريا، بل ان ما يحدث هناك، معطوفاً على تورط مجموعات لبنانية، سيجعل مطاف الجبهة ينتهي في لبنان، الذي اصبح جزءاً لا يتجزأ من خطط مشروع «النصرة» كفرع من تنظيم القاعدة يعدّ الأسرع نمواً، ويسعى الى دمج الفصائل المتطرفة في لبنان تحت مظلة جبهة موحدة».
ويسمي التقرير «مجموعة درغام التي تعمل في لبنان بشكل وثيق مع جبهة النصرة في سوريا، وسبق ان ادت دوراً رائداً في خطط لإنشاء فرع لها في لبنان».
ويحذر من ان ثمة مجموعات «باتت تجهد لتأخذ قطار الحرب المقدسة الى لبنان، حيث ترى ان حزب الله احكم قبضته على السلطة. ونجاح مسار ايصال القطار يعني معركة شاقة ومتشعبة المخاطر والافرازات، خصوصاً ان تمكن هذه المجموعات من الحصول على التمويل والاسلحة اللازمة سيشكل تهديداً خطراً لحزب الله الذي تتهمه بمناصرة النظام، مما يفتح لبنان على مخاطر جمة، ليس اقلها الحرب المذهبية».
ويعتقد التقرير الاستخباري ان «حزب الله الذي بات جزءاً من المشهدية السورية، يواجه تحدياً خطراً ومتشعباً، مع ما يوجه اليه من اتهامات بتلهيه بالازمة السورية بدلاً من جهاده ضد اسرائيل، مما قد يدفعه الى البحث عن طرق للخروج من هذا الفخ. وليس اقرب طريق الى ذلك من العودة الى جبهته الجنوبية، اي الى مهاجمة اسرائيل، فيحصّل في ذلك اكثر من مكسب. فهو سيخفف مما حمل جسمه من احتقان مذهبي نتيجة اتهامه بقتل سوريين، وسيستعيد صباغ الشرعية المقاومتية، واستطراداً القومية – العربية والاسلامية. لكن معركة حزب الله مع اسرائيل ستضعفه بالتأكيد امام المد السلفي – الجهادي».

اسرائيل
وكان لافتاً في هذا السياق، اعلان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الميجر جنرال افيف كوخافي إن إيران وحليفها حزب الله أسسا جيشاً قوامه 50 ألف مقاتل من رجال الميليشيات السوريين لمساعدة الجيش في إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة.
وقال كوخافي في مؤتمر «هرتزليا» عن الاستراتيجية والدبلوماسية، إنه «إضافة إلى تزويدهما قوات الأسد بالأسلحة والمعلومات لمساعدته في هزيمة المعارضة المسلحة، تسعى إيران وحزب الله الى تقليص خسائرهما في حال سقوط الأسد من طريق محاولة تأسيس موطىء قدم لهما في سوريا لما بعد ذلك».
ولفت الى ان «سوريا «تتحول أطلالاً»، وانه منذ صيف 2012 تأسس في سوريا «جيش شعبي» تموله إيران ويدربه حزب الله». أضاف: «يتألف هذا الجيش من حوالي 50 ألف شخص منتشرين في تسلسل قيادي في أنحاء سوريا ويعمل إلى جانب وحدات الجيش التي تنهار في أماكن مختلفة. وتهدف الخطة إلى زيادة قوام الجيش إلى 100 ألف شخص».
وتابع: يواجه الأسد قوة معارضة تضم حوالي 100 ألف شخص، وان إيران وحزب الله «يدركان أن الأسد سيسقط قريباً ويستعدان لما بعد ذلك».
وقال: «الجيش الشعبي الذي تقوم ايران والحزب ببنائه هو، ضمن أمور أخرى، موطىء قدم في سوريا. في المرحلة الأولى لحماية مصالحهما الشيعية وفي المرحلة الثانية لحماية أصولهما وفي الثالثة ستخرج من داخل هذا الجيش زعامة تنافس لقيادة سوريا بعد سقوط الأسد» .

طلال عساف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق