سياسة عربية

فلسطين: «فتح» و«حماس» تتقاذفان كرة الفشل

مجدداً تدور التساؤلات والتكهنات المتعددة حيال امكان اجراء المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية المنشودة على الاقل في المدى الزمني التقريبي الذي حدد لها في السابق. كان يتعين ان يكون اللقاء الحواري الثاني بين ممثلين عن حركة «فتح» واخرين عن حركة «حماس»، قد انعقد في القاهرة خلال الايام القليلة الماضية، لكنه ارجىء الى ما بعد زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى اسرائيل في 20 اذار (مارس) الحالي.

اكثر من تساؤل اثير حول الاسباب الجوهرية التي ادت الى تأجيل موعد هذا اللقاء. ولا يمكن لاي مراقب لمسار هذا الموضوع ان يقتنع تماماً بأن التأجيل سببه فقط الانشغال بزيارة اوباما الى الاراضي المحتلة، اذ ان ثمة الكثير من الاسباب التي يمكن ادراجها جميعاً في خانة ان امر المصالحة لا يسلك الطريق الصحيح المفضي الى انهاء هذه المسألة التي شغلت الرأي العام الفلسطيني لأعوام عدة، كون الخلاف بين اكبر تنظيمين فلسطينيين ادى الى صراعات متنوعة وانقسامات عميقة في الشارع وفي الوجدان الفلسطيني عموماً.
حركة «حماس» تقر على لسان نائب رئيس مكتبها السياسي موسى ابو مرزوق بأن التلاسن الذي جرى في لقاءات سابقة بين القيادي البارز في «فتح» عزام الاحمد والقيادي البارز في «حماس» رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عبد العزيز دويك، كان السبب الابرز الذي دفع «حماس» الى طلب تأجيل الاجتماع.
ويشير ايضاً الى ان السلطة الفلسطينية عادت  وطلبت تأجيلاً اخر الى ما بعد مغادرة اوباما الاراضي المحتلة، وانفاذاً لنصيحة تلقتها هذه السلطة من الادارة الاميركية، تحاشياً لان تكون لهذه اللقاءات انعكاسات سلبية على زيارة اوباما الاولى بعد انتخابه لولاية ثانية قبل اشهر عدة.

مماطلة مقصودة
في عمق مشهد المصالحة الفلسطينية ثمة «مماطلة» مقصودة او تعطيل متعمد من طرفي هذه المصالحة، فكلاهما يجدان المبررات والذرائع بغية ارجاء الاجتماع الموعود الذي تعلق عليه الآمال الكبرى ليكون خطوة متقدمة على طريق تأليف الحكومة الواحدة التي هي بالنسبة الى كل شرائح الشعب الفلسطيني العنوان العملي العريض لتكريس المصالحة الفلسطينية التي طال امد انتظارها اكثر من اللازم، واحبط المراهنون بسببها اكثر من مرة.
في عمق المشهد اياه، ثمة تقاذف لطرفي المصالحة لكرة المسؤولية بين عدم المضي قدماً في مسيرة المصالحة الى خواتيمها المنشودة، مما ينطوي على احتمال عودة السجال السياسي والاعلامي بين الطرفين، واستطراداً تبديد كل التقدم الذي شهدته سابقاً مسيرة المصالحة خصوصاً في الاشهر القليلة الماضية تحت نظر السلطة المصرية ورعايتها.
ابو مرزوق يحمل مسؤولية التأجيل والمماطلة الى السلطة الفلسطينية، واستطراداً الى الضغوط الاميركية على هذه السلطة. ويقول ان الادارة تضغط على السلطة وتحذر من ان مشاركة «حماس» في النظام السياسي الفلسطيني ستمنع المعونة الاميركية، ما يعني ايضاً منع المانحين من الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه السلطة. ويصل الى الاستنتاج الآتي: «الاميركيون يضغطون على السلطة من اجل منع استرداد اللحمة الفلسطينية».
وثمة في رأي القيادي في «حماس» سبب اخر غير «المانع المالي» وهو الخوف من «عدوى المقاومة» اذ يقول: «لا يمكن انكار او تجاهل الموقفين الاميركي والاسرائيلي وانعكاسهما السلبي على المصالحة، خشية نقل المقاومة الى الضفة الغربية».
وفي مقابل هذه الرؤية «الحمساوية» للعوامل التي تؤجل استكمال مسيرة المصالحة، هناك رؤية اخرى معاكسة من جانب رئيس حركة «فتح» ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن)، اذ نقل عنه في الآونة الاخيرة قوله ان «مجريات المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية تدعو الى التشاؤم، ذلك انها تتخطى التفاصيل الى الجوهر، هل ان حركة «حماس» تريد الشراكة فعلاً ام ان الصعود «الاخواني» (اي صعود الاخوان المسلمين) في العديد من دول المنطقة يدفعها الى تبني استراتيجية تتبنى الانقلاب والانفراد في السلطة؟

تحليل عباس
لذلك، فإن عباس يقدم تحليلاً عميقاً للاسباب التي تحول دون مضي حركة «حماس» في طريق المصالحة الى المحطة الاخيرة، وفحواها ان صعود القوى الاسلامية التي هي من نسيجها الفكري ومن جنسها العقائدي الى رأس هرم السلطة في العديد من دول المنطقة وفي مقدمها كبرى هذه الدول وهي مصر، وهذا ما يشجع «حماس» على التمهل في المصالحة، وعلى الاصرار على مواقفها المتصلبة ومطالبها العالية السقف.
وهكذا، وبناء على رؤية الطرفين، فإن عرقلة المصالحة خارجة عن ارادة كليهما. فهي عند قيادة «حماس»، عدم حماسة الادارة الاميركية لانجاز المصالحة واتمام خطواتها، والى «فيتو» اسرائيلي غير معلن لكي لا تكون المصالحة ارضاء للشعب، ولرغبات الشعب الفلسطيني الذي دفع الثمن الاكبر من جراء انشطار القرار الفلسطيني الى شطرين. ومن ثم تكون «خسارة» كبرى للسلطة فتحرمها العائدات والمساعدات المالية التي تعتاش عليها مع «جيش» الموظفين والعاملين والمتكسبين الذين ينتظرون بفارغ الصبر رواتبهم الشهرية ومخصصاتهم المالية.
يضاف الى ذلك، الخشية التي تتملك الجانب الاسرائيلي من سريان ثقافة العمليات والمواجهات العسكرية مجدداً في الضفة الغربية التي نعمت منذ اوان انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد وفاة الزعيم الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات بهدوء نسبي طويل لم تعتد عليه اصلاً، خصوصاً بعدما جاهر عباس وبشكل دائم برفضه المطلق للعودة الى خيار العمليات العسكرية مع القوات الاسرائيلية، معتبراً ان صلاحية هذا الخيار انتهت الى غير رجعة، وبالتالي يتعين الاكتفاء بالمقاومة المدنية وبالمفاوضات الديبلوماسية.
اما عند ابو مازن فعزوف «حماس» عن استكمال ما بدأته من رحلة المصالحة مرده الى رهانها على عامل الوقت الذي سيغير معادلات السلطة والحكم في المنطقة العربية بأكملها لمصلحة الاسلام السياسي الصاعد بسرعة صاروخية، فتكون تلك الخريطة الجديدة عاملاً اساسياً في تعزيز حضور «حماس» وتمكينها على نحو لا يجبرها على التخلي عن المكاسب السلطوية التي حققتها في غزة وقطاعها اولاً، وبالتالي سمح لها باستكمال رحلتها التي بدأت بشكل عملي وجدي منذ اكثر من ثلاثين عاماً نحو القبض على زمام الامرة والقيادة لدى الشعب الفلسطيني.

صورة متشائمة
بصرف النظر عن دقة او صحة منطق السلطة، او تبرير حركة «حماس»، فالواضح ان راصدي هذه المسألة هم من الان فصاعداً امام صورة اخرى لها تنطوي على المزيد من احتمالات التشاؤم.
وابرز معالم هذه الصورة الاتي:
– ان مسيرة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وعلى لسان طرفيها الاساسيين هي في حالة مراوحة او بمعنى اخر في حالة نكوص عما تحقق على طريقها خلال الفترة السابقة.
– ان طرفي المصالحة باتا في مرحلة التجرؤ اكثر فأكثر على التصريح بأن المصالحة المنتظرة من الجميع صارت في وضع صعب، حسب توصيف عباس نفسه.
– في السابق، وبالتحديد خلال لقاء المصالحة الاخير في العاصمة المصرية، خرج المراقبون باستنتاج فحواه ان ثمة صعوبات وعراقيل وفجوة برزت بين الطرفين من شأنها ان لم تجد من يدور الزوايا ويعالج التناقضات ويقرب الرؤى، فإنها ستترك انعكاسات سلبية على مسار المصالحة، ومن بينها احتمال العودة الى نقطة الصفر.
ومع ذلك، فإن الطرفين المعنيين مباشرة بالمصالحة اصرا على اظهار المناخات والخطوات الايجابية، وحرصا في المقابل على حجب الاجواء والمناخات السلبية، على امل ان يكون عامل الوقت كفيلاً بإيجاد سبل لتقريب وجهات النظر، ورأب الصدع خصوصاً ان كلا الطرفين كانا قد قطعا عهداً امام الجمهور الفلسطيني العريض، وامام العديد من الانظمة العربية، ولا سيما الانظمة الصاعدة من رحم «الربيع العربي» ان ينجزا المصالحة الفلسطينية مهما كانت الاثمان، لان ذلك لم يعد «ترفاً» او قضية عابرة يمكن صرف النظر عنها، بل صارت امراً ضرورياً وملحاً من لزوم مرحلة ما بعد انتفاضات «الربيع العربي»، وما فرض ذلك من معادلات وتحولات املت على الجميع ضرورة اعادة النظر الى واقع الملف الفلسطيني من اساسه، ولا سيما لجهة ضرورة انهاء الانقسام بين غزة التي تحكمها حركة «حماس»، والضفة الغربية التي تقبض على زمام الامور فيها بيد من حديد السلطة الفلسطينية وعمودها الفقري حركة «فتح» ومن والاها من شخصيات وقوى تعتبر نفسها صاحبة الحق التاريخي بالزعامة الفلسطينية، كونها اولى التنظيمات الفلسطينية وصاحبة الرحلة الجهادية الطويلة والشاقة.

صعوبات وعراقيل
وبناء على تلك الوقائع والمعطيات والوعود الضمنية، فإن افصاح طرفي المصالحة عن صعوبات وعراقيل تعترض استكمال ما بدآه، يرخي حداً من التشاؤم، لانه يعطي انطباعاً فحواه ان مرحلة التهدئة ومرحلة التفاوض التي بدأت قبل اشهر عديدة قد انتهى مفعولها، لانتفاء القدرة او الرغبة على تضييق الفجوة بينهما، ما يوحي ايضاً بأن الشارع الفلسطيني الذي كان يعقد ولو على خفر واستحياء بعض الامال على امكان انجاز اي شكل من اشكال المصالحة، سيكون عليه من الان فصاعداً انتظار انفجار الهدنة السياسية والاعلامية الحالية، وعودة الامور الى المربع الاول، مربع التناقضات والانقسامات.
واللافت في هذا السياق ان عباس الذي كان خلال الفترة الماضية متميزاً بتكتمه على خياراته وخطوطه السياسية، بدا في الآونة الاخيرة يرسل الى من يعنيهم الامر، وخصوصاً في بعض العواصم العربية المعنية، رسائل فحواها انه ليس مغلول اليدين معدوم الحيلة، فهو مستعد للبحث عن تموضع سياسي جديد، اذا ما بقيت هذه العواصم «تدلل» حركة «حماس»، وبالتالي تدفعها الى التصلب ورفع سقف شروطها للمصالحة، وبالتالي تنتظر لحظة سياسية مؤاتية لا تكون فيها مجبرة على تقديم اية تنازلات.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق