صحة

من نوعية أطباقكم تكتشفون صحة أطفالكم!

لمجرد أن ينظر انسان في عيني طفل قد يتفاءل ويبتسم فكيف اذا سمعت أنثى أنها سترزق بعد تسعة أشهر بطفل؟! وماذا لو سمع رجل أنه سيُصبح أباً؟ الفرحة طبعاً هائلة لكن الهاجس يبقى كبيراً والأسئلة لا بد كثيرة: فكيف يُفترض تربية هذا الطفل؟ ماذا يأكل؟ كيف يستحم؟ ماذا لو بكى؟ ماذا لو جاع؟ ماذا لو شعر بمغصٍ؟ وهل التعامل مع رضيع يختلف عن التعامل مع طفل في سنته الأولى أو الثانية أو الثالثة؟

من زمان ونحن نسمع نقاشات محورها: كيف نضمن بداية صحية لأطفالنا؟ أجوبة كثيرة سمعناها وأسئلة كثيرة ظلت تلحّ تحت العنوان عينه. وهذا العنوان، في حد ذاته، جمع في الأمس القريب نخبة من الخبراء والاختصاصيين في علم التغذية واللياقة البدنية في منتدى صحي عُقد في الجامعة الأميركية في بيروت للبحث مجدداً في أهمية التغذية والأنشطة البدنية في عمر مبكر كاستراتيجية وقائية ضد الأمراض المزمنة، مثل السكري والسمنة والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.

كما العجينة
العنوان إذاً قديم – جديد، لكن سرعة تزايد الأمراض المزمنة وانتشارها في أعمار مبكرة جعلا العنوان يتجدد بقوة بحثاً عما يضمن بداية صحية للأطفال. فالطفل مثل العجينة يتأثر قلباً وقالباً بما يُقدم له، فإذا كان جيداً كبر بصحة وعافية جسدية وعقلية وإذا كان سيئاً يتحقق معه المثل القائل: هذا ما جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد!
الأدلة العلمية إذاً كثيرة حول امكانية تفادي الإصابة بكثير من الأمراض المزمنة عند البالغين من خلال اتباع نظام غذائي سليم في وقت مبكر من الحياة، وتحديداً خلال الأيام الألف الأولى من عمر الطفل. المسألة إذاً ما عادت مجرد تكهنات وما عاد القول أن الطفل لا يأكل إلا الصحة رائجاً، فالصحة ليست في كمية الغذاء بل في نوعيته. وفي هذا الإطار تقول عميدة كلية الزراعة وعلوم الغذاء في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة نهلا حولا: ان الأيام الألف الأولى هي التي تحدد طبيعة كل العمر، لهذا يجب على دول كل المنطقة وليس لبنان وحده التركيز على صحة الأطفال في السنوات الثلاث الأولى.
والسؤال التالي قبل الدخول في التفاصيل الغذائية هو: وماذا عن الرياضة البدنية؟
الجواب يأتي في شكل تأكيد من الكلية الأميركية للطب الرياضي وفيه: ممارسة الرياضة في وقت مبكر تؤدي على المدى الطويل الى سلوك صحي في مرحلة البلوغ. لكن ما يُقلق في هذا الإطار هو أن تدني النشاط البدني بين الأطفال، بعد انتشار الألعاب الالكترونية والآي باد والآي بود، أصبح ظاهرة. وهذا ما جعل نسبة السمنة تزيد بين الأطفال، علماً أن الرياضة تساعد على إفراز مواد كيميائية مثل الأندورفين التي تعطي شعوراً بالسعادة وتزيد الحماسة للتفوق الأكاديمي وتجعل الأطفال يبدون أكثر ذكاء وقدرة على استيعاب ما يدور حولهم.

عادات سليمة
يُقال: «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»… لكن من قال أن العلم هو مجرد حروف وأبجدية وأرقام؟!! العلم هو أيضاً تلك العادات الجيدة المكتسبة من غذاء ورياضة وقيم وأخلاق… فماذا عن الغذاء؟ وكيف يمكن لأمٍ جديدة أن تقدم الصحة في طبق طفلها مقترناً بعادات سليمة؟
الطفل يُقلد الوالدين، الأب أولاً ثم الأم، كأن يقول مثلاً: حين أكبر سأشرب السيكارة! طموح! هو يعتقد أن السيكارة علامة نضوج واستقلالية. والده، مثاله، يُدخن فلماذا لا يفعل هو حين يكبر؟! البند الأول إذاً تشجيع الطفل على التمثل بوالديه شرط التزامهما بالعادات الصحية السليمة! يعني يفترض بالأب الصالح أن يستعيض عن السيكارة وهو يلاعب طفله بتناول تفاحة مثلاً! وقبل هذا البند، قبل أن يكبر الطفل ويصبح ابن سنتين أو ثلاث سنوات، وقادراً على أن يتمثل بمن هم أمامه، ماذا يفترض أن يأكل وهو ابن أشهر لينمو سليماً؟
أمران يُفترض ألا يغيبان عن بال الأبوين حين يباشران في إدخال أنواع الغذاء المختلفة الى وجبة طفلهما. الأمر الأول هو أن الطفل لا يأكل كثيراً ولا يفترض به أساساً أن يأكل كثيراً. والأمر الآخر هو أن الطفل الذي ينمو بمعدل 24 سنتمتراً في سنته الأولى يتباطأ نموه في السنتين التاليتين بمعدل 11 سنتمتراً في السنة الثانية وثمانية سنتمترات في السنة الثالثة. إذاً يفترض ألا يخاف الوالدان من تدني هذه المعدلات لأن هذا طبيعي جداً.
تؤثر إذاً البيئة التي ينمو فيها الطفل، في مراحله الأولى، في مقوماته الفكرية والجسدية وحتى النفسية لاحقاً. وما لا يعرفه كثيرون هو أن العالم يشهد سنوياً عدم استطاعة أكثر من مئتي مليون طفل دون سن الخامسة بلوغ  كامل طاقاتهم الفكرية والبيولوجية بسبب سوء التغذية!

قل لي ماذا تأكل
والسؤال: كيف ننجح في اقتفاء أثر البيئة السيئة على نمو الطفل؟
مقولة أخرى شهيرة يمكننا تحويرها هنا لتصبح بدل: «قل لي من تعاشر أقل لك من أنت»… «قل لي ماذا تأكل أقل لك كيف ستُصبح!» فالبيئة تؤثر في الصغير، مثلما تُعلّم أصابع اليد في العجينة، فينمو إذا أخطأنا في التعامل معه بمشاكل صحية ونفسية وبقابلية نحو الإجرام أحياناً وبمستويات فكرية متدنية تجعله غير قادر على الحفظ والقراءة والكتابة والاستيعاب… فالدماغ في مراحله المبكرة يكون حساساً، فإذا لم يتعلم الطفل النطق في شكل صحيح بين الشهر السادس وعامه الأول قد يجد صعوبة في لفظ الأحرف وهو يكبر. إذاً هناك جملة عوامل قد تؤثر في نمو الطفل هي: سوء التغذية، نقص اليود، فقر الدم الناجم عن النقص الحديدي وطبعاً نقص فرص التعليم والتنبيه! كأن نتركه الى الخادمة تُطعمه وترعاه وتنبهه وإذا أخطأ هو نلومها هي!
الطفل يحتاج، مثل الكبار، الى المجموعات الغذائية الخمس، الى النشويات والبروتينات والى الفاكهة والخضار والدهون. ويفترض مدّ الصغير من كل هذه الأنواع لكن بكميات صغيرة، وإذا كان يرفض أن يتذوق، فليشارك في تحضير الطعام، في خلط الطحين وفي مد العجين مثلاً، ولا بدّ أن تتولد فيه حشرية أن يتذوق لاحقاً ما شارك، ولو باللعب، في إعداده. وتذكروا دائماً أن البروتينات أساسية في النمو العقلي للطفل واللحم الأحمر مصدر أساسي للحديد بينما الفاكهة والخضار غنية بالعناصر المرتبطة ببناء الصحة السليمة، اما الحبوب فتمده، مثل اللبن والحليب، بالكالسيوم.

ممنوع
ممنوع تقديم الحليب خالي الدسم الى الأطفال ما دون الثلاث سنوات، ويفترض تقديم أطعمة متنوعة من أجل تشجيع الطفل على اتباع عادات غذائية سليمة لاحقاً. وهنا، في هذه المرحلة، يجب تدريب الطفل أيضاً على شرب المياه والسوائل في كوب. ويُحبذ اختيار الأطباق والأكواب الملونة التي تزيده حماسة على الأكل والشرب. المياه الغازية ممنوعة. العصائر المحفوظة مليئة بالسكر غير الطبيعي وتضرّ. رقائق البطاطا الجاهزة غير مستحبة. أما لجوء البعض الى مكافأة الطفل بقطعة شوكولا أو بوجبة همبرغر سريعة فأمر يضرّ على المدى الطويل ويجعله يشعر وكأن تلك الأنواع هي مكافأة قيّمة بينما الأكل الصحي عقاب!
مراقبة تناسب الطول والوزن ضرورية. والكشف المبكر عن أي خلل، قبل انصهار العظام وتوقف النمو، مهم جداً ايضاً. وإذا كان الغذاء لا ينفع في جعل النمو طبيعياً، بسبب وجود عامل وراثي أو هورموني، فيفترض استشارة طبيب غدد صماء لتحديد ما إذا كان السبب في نوعية الغذاء أم لا.
أمر آخر قد يجهله (أو يتجاهله) كثيرون وهو أن الطفل الذي يذهب الى حضانته من دون تناول وجبة فطور قد يهبط مستوى السكر في دمه، فتتدهور قدراته الفكرية، وإذا فشل الأهل في إقناع طفلهم في تناول الفطور فيفترض إرغامه على تناول كوب حليب أو تفاحة. ويفيد جداً هنا أن يحصل تنسيق بين البيت ودور الحضانة أو المدرسة كي لا يُصار الى عرض أي من المواد الغذائية المصنعة أمام الطفل من أنواع التشيبس والشوكولا والمشروبات الغازية التي يستسيغها عادة الصغار، والاستعاضة عنها بأنواع صحية.
نعود لنكرر: الطفل ليس مجرد لعبة جميلة تجعلنا نحصل على أمومتنا أو أبوتنا فنشعر بالاكتفاء النفسي. الطفل هو كائن حيّ يحتاج الى الكثير من العناية والمعرفة ليكبر بصحة وعافية، ألم يُقلْ في غارب الزمان: لا يُبنى جسم إلا بعد أن يفنى جسم؟ ^


نوال نصر

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق