افتتاحية

يا اولاد ثورة الارز حافظوا على ذكرى الشهداء

طارت الجلسة السابعة والثلاثون لمجلس النواب كغيرها من الجلسات الست والثلاثين التي سبقتها. فلا النصاب اكتمل، ولا انتخاب رئيس للجمهورية تم. انها حقاً مهزلة ما بعدها مهزلة. حتى اننا تحولنا الى اضحوكة على ألسنة الناس. لماذا؟ لان شخصاً، او شخصين يتحكمان بمصير البلد والناس دون مراعاة لمشاعر او لمصالح احد من المواطنين.
والواقع الراهن الذي وصفه النواب بـ «المسخرة»، ربما قليل عليه هذا الوصف، فتصوروا ان مرشحين للرئاسة يخوضان المعارك الصامتة والمتحركة ضد بعضهما، يقاطعان جلسات مجلس النواب في اغرب موقف لم يشهد مثله بلد من بلدان العالم. منذ سنتين وهما يعملان بكل ما توفر لهم من قوة، لمنع مرشح من 14 اذار من الوصول، ولما تيسر لهم ذلك بسبب ميوعة 14 اذار التي ادت الى ترشيح اثنين من 8 اذار، انقلبت المواقف وتحول الحليفان الى عدوين وفتحا الحرب على بعضهما في لعبة مضبوطة الايقاع، لان المخرج حريص على ان يبقى الوضع على ما هو عليه دون اي تبديل، فالنواب الذين يتوجهون الى مجلس النواب لاختيار رئيس، هل يمكن ان ينتخبوا والشخصان المعنيان غائبان؟
هذا الطقم السياسي الفاسد الفاشل فقد كل القيم، وفقد كل احترام لدى القاصي والداني. فانسان بلا وطنية يتحول الى شخص بلا كرامة، ومتى فقدت الكرامة لا تسأل ماذا يمكن للانسان ان يفعل؟
هكذا انهار كل شيء في هذا البلد من رأس الهرم الى اصغر موظف في هذه الدولة، وامتد الفساد والفراغ والتعطيل الى التجمعين اللذين كانت لهما اليد الطولى في تدمير البلد. ففريق 8 اذار وبعد ان تحقق له كل ما كان يتمنى بفضل غباء 14 اذار السياسي، اختلف على المغانم ودبت الخلافات بين اعضائه، وتحول الاصدقاء الى اعداء. وبدل ان يسارع هذا الفريق الى قطف ثمار ما كان ليحلم بها، انزوى كل في منزله يحمل على الاخر ويشن عليه الحملات. طبعاً هذا ليس مستغرباً، لان اعضاء 8 اذار هم جزء من الطبقة السياسية الفاسدة. فهم مشاركون في الحكومة وفي المجلس النيابي ويتحملون الجزء الكبير من الفساد والتعطيل.
اما فريق 14 اذار فحدث عنه ولا حرج. فقد اوصلته سياسته الغبية الى الحضيض، بحيث انبرى قطبان من اقطابه يرشحان اثنين من 8 اذار لرئاسة الجمهورية، فكأن الرجال فقدوا من داخل هذه الفئة. لقد انتابهم الوهن والضعف منذ اليوم الاول لثورة الارز، وبدل ان يحافظوا على مبادئها، وهي مفتاح قيام الدولة الحرة السيدة، ساروا من استسلام الى استسلام ومن تخاذل الى تخاذل، حتى وصل بهم الامر الى هذه الحالة التي يتخبطون فيها، ولا يعرفون كيف يخرجون منها. وحتى يطبقوا نهائياً على الامل الذي علقه الناس عليهم، يوم اعطاهم شيكاً على بياض في 14 اذار 2005، دبت بينهم الخلافات وتباروا في التودد الى 8 اذار وتأييد اركانها.
يقول احد اركان 14 اذار ان الخلافات داخل الحركة هي رئاسة الجمهورية ومتى انتهت تنتهي الخلافات. كلام يدعو الى السخرية، فالوفاق والاتفاق يجب ان يكونا اولاً، وقبل كل شيء، على رئاسة الجمهورية، لانها العمود الفقري لثورة الارز، وهي قبل المحطات الاخرى. وهكذا محوا الصورة المشرقة التي ادهشت العالم يوم نزل الى الشارع مليون ونصف مليون مواطن يبايعون هذه الحركة واضعين كل امالهم فيها، فاذا بها تخيبهم. لقد مرت ذكرى 14 اذار هذه السنة حزينة باردة، اشبه بليالي كانون، لم يزينها مهرجان ولا حتى لقاء صغير، اللهم باستثناء حركة خجولة جداً تكاد لا تذكر، قام بها النائب نديم الجميل في ساحة ساسين في الاشرفية، ليذكر «ابطال» 14 اذار بالذكرى. هذه الخطوة وان كانت صغيرة، فهي كبيرة بمعانيها، لانها اثبتت انه لا يزال هناك رجال يتشبثون بمبادىء 14 اذار التي لم تعد ملكاً لحفنة من المتخاذلين، بل اصبحت ملك الشعب اللبناني كله، الذي يعدو وراء دولة تليق بوطن اسمه لبنان له من التاريخ المجيد ما يؤهله ليكون في مصاف الدول الراقية لولا هذه الطبقة السياسية المتحكمة بمصيره ومصير ابنائه.
بماذا يجيب سعد الحريري اذا سأله جمهور 14 اذار عن كآبة الذكرى هذه السنة؟ وبماذا يجيب سمير جعجع؟ لعلهما يجيبان بانهما انضما الى صفوف 8 اذار، ورشحا اثنين من قادة هذا التجمع لرئاسة الجمهورية. هل تخليا عن مبادىء 14 اذار؟ وماذا بقي من التوكيل الذي منحه الشعب، او الاكثرية الساحقة من هذا الشعب، لسياسيين اعتقد المواطنون انهم على قدر المسؤولية، فاضاعوا كل شيء وصح فيهم قول الشاعر:
ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
اركان 14 اذار التعيسة انزووا في منازلهم، ويا ليتهم خصصوا وقتهم لاعادة تقويم الوضع واكتشاف ما جنت ايديهم، ولكنهم راحوا يبكون على اطلال الذكرى، ويخدرون الناس بان 14 اذار باقية. فلو كان هذا الكلام صحيحاً، فاين هي؟ ولماذا لم تتحرك؟ ولماذا تركت الذكرى تمر بهذه الكآبة؟ طبعاً الشعب انتزع الوكالة منهم، لذلك خافوا ان يتحركوا، وبدوا مفككين عاجزين، وحتى بترشيحهم اثنين من 8 اذار فشلوا في سد الفراغ في رئاسة الجمهورية. عام 2005 كانت كل الاوراق بين ايديهم فاضاعوها الواحدة تلو الاخرى، ففرغت الايادي التي لم تعرف ان تتمسك بالحقوق وتدافع عنها. 8 اذار انتزعت منهم كل شيء وباتت تتحكم بالساحة وفق اهوائها ومصالحها، فعطلت انتخابات الرئاسة وشلت الحكومة، ليس بالثلث المعطل الذي كانت تتمسك به، بل بالكل المعطل لانها اخذت كل شيء. الرئاسة بيدها وورقة المجلس النيابي بيدها، وورقة الحكومة بيدها والادارات الرسمية مشلولة بأرادتها، والعلاقات اللبنانية – العربية معطلة بسياستها، فتحول لبنان الى جسم بلا روح، تتقاذفه الامواج الاقليمية، ولا قدرة له على النهوض.
علينا ان نذكر اركان 14 اذار علّ الذكرى تنفع، ثورة الارز ملك الثوار الذين هم الشعب اللبناني، وهو يطالب سعد الحريري وسمير جعجع بسحب ترشيح عون وفرنجية والعودة الى مبادىء 14 اذار. يا اولاد ثورة 14 اذار، ثورة الارز حافظوا على ذكرى الشهداء ولا تدعوهم وهم اموات يتأسفون على استشهادهم في سبيل مبادىء اضاعها من لم يتمكنوا من حمل المسؤولية.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق