جان سالمه… حارس أيام الثقافة في «وطن النجوم»
«جائزة جان سالمه الأدبية» السنوية، صار عمرها 15 سنة. وعلى مدى هذه السنوات، منحت الجائزة الى 15 شخصية من شخصيات لبنان الثقافية، بينهم الأديب والشاعر والمؤرخ والباحث وكاتب السيرة والمترجم، والى ما هنالك من الحقول الأدبية. وهذه الجائزة، هي إحدى الجوائز اللبنانية الرمزية، التي يمنحها افراد من عشاق الأدب ومجانين الثقافة – اذا جاز التعبير – في غياب جوائز الدولة! ولهذه المناسبة، قام صاحب الجائزة الأديب والشاعر جان سالمه، باصدار كتاب بعنوان «باقة من المبدعين» يتحدث عن عشرة من الكبار كرّمتهم لجنة الجائزة، من سنة 1998 حتى سنة 2009، في تبويب جميل وطباعة أنيقة وتجليد فني فاخر، وهم: الدكتور محمد الباشا – الأديب أنطوان مشاطي – الدكتور فوزي عطوي – الدكتور نقولا زياده – الدكتور منير اسماعيل – الشاعر جورج غريّب – الدكتور جوزف الصايغ – الدكتورة سلوى الخليل الأمين – الدكتور جميل جبر – الدكتور أنيس مسلّم. من هنا، نظمت «ندوة الابداع» التي تديرها الأديبة والشاعرة سلوى الخليل الأمين، ندوة حول كتاب «باقة من المبدعين» في دار نقابة الصحافة اللبنانية.
قدّم الاحتفال، الاعلامي الأديب سليمان بختي، معتبراً ان هذه المناسبة، هي مناسبة عطاء، ومن القلب. زهرة تتفتح قرب زهرة، واذا الكتاب «باقة من المبدعين». جائزة تكبر مع كبارنا، تختصر المسافة بين الكلمة والفكرة والعقل، وتقيم الجسور بين الحياة والأحلام، وتكسر الحواجز التي يقيمها الجهل واللغات والعقائد. وتوكيد على ان الثقافة هي الطريق الى عهد الخلاص في لبنان.
من مبدع الى مبدعين
يرى سليمان بختي، ان ما يميّز الجائزة، وباقة من المبدعين، انها من مبدع الى مبدعين، فهي فعل تبادع، وفعل تعاضد، وفعل نهضة. لافتاً الى ان في تجربة جان سالمه، الكرم بالمفهوم الاغريقي، كرم الروح، كرم العقل. والى ان هذا الكتاب سجل من ذهب لأناس عقولهم من ذهب وقلوبهم من نور وإرادتهم من حديد. ما يفعله جان سالمه، انه يحاول وضع المكان الصحيح في الزمان الصحيح، بمعنى ما، صناعة التاريخ.
تقدير بحجم وطن
الدكتورة سلوى الخليل الأمين استهلت كلامها بالاشارة الى ان «ندوة الابداع» تحتفل اليوم، بباقة ابداعات لمفكرين لبنانيين، اطل عليهم الأديب جان سالمه، مكرّماً عطاءاتهم وابداعاتهم بسخاء ودود، وتقدير بحجم وطن، عبر جائزته الادبية السنوية، اكراماً واحتراماً منه، للابداع اللبناني في حقول الأدب والشعر والفنون الراقية.
الكلمة هي العنوان
تعتبر سلوى الخليل الامين، ان لجنة الجائزة لم تلتفت يوماً، عند اختيار شخصية العام المكرّمة الى التوجهات السياسية او الطائفية او المذهبية او المناطقية، بل ابقت الكلمة هي العنوان، حيث الايمان بنتاج العقل اللبناني المبدع الخلاق، نابع من الشعور الوطني، الذي يحتم على الجميع، احترام كتّابه ومفكريه، لأنهم الشعلة البهية والمعطاءة، التي اسبغت على لبنان هذا الفكر المتنور الذي تجاوز الحدود، وعبر البحار، متواصلاً مع شعوب الاوطان المنتشرة على مساحة الكرة الارضية كلها، من اجل ان يبقى لبنان…. بلد الاشعاع والنور… دون منازع.
لذلك، تكرّم «ندوة الابداع» جان سالمه، تقديراً لجهوده المتواصلة، في تكريم الكبار من الكتّاب المبدعين، وفي اعداد وتوثيق احتفالات الجائزة، منذ سنة 1998 حتى سنة 2009، ضمن كتاب خصه بعنوان «باقة من المبدعين».
مُغالبة الاحباط الثقافي
الصحافي والوزير الاسبق جورج سكاف، لفت في كلامه، الى ان «أول عهدنا بجان سالمه خِلته اسماً لجائزة أدبية، قبل ان اعرفه أديباً مبدعاً، وشاعراً مُلهماً، ومؤلفاً غزير العطاء في الرواية والآداب، بالفرنسية والعربية وتساءلت: لماذا يُعطي جان سالمه جائزة ادبية تُكرّم الأدباء وهو الأجدر بالتكريم؟».
يجيب على التساؤل في كتابه «كلمات في سعيد عقل»، بأنه أعجب وتأثر بجائزته، تُمنح اسبوعياً من على هذا المنبر الصحافي، وتصنع هي الحدث الفكري والثقافي. شاقه الا تكون الدولة هي التي تقدّم جوائز التكريم والتشجيع الى المبدعين من أبنائها، فانتدب نفسه، مع رفاق خُلّص، لمغالبة الاحباط الثقافي بإنشاء جائزة تُسعد مانِحَها والمشرفين عليها اكثر مما تُسعد مستحقيها.
جائزة بين الجوائز
انطلقت جائزة جان سالمه تكرّم الأدب والأدباء سنوياً، وهي مستمرة منذ خمس عشرة سنة. مع ان مُقدّمي الجوائز في لبنان، وفي البلدان العربية – حسبما يقول جورج سكاف: من مجالس ثقافية وشعراء، ومن رؤساء دول وملوك، صاروا اكثر من الذين تُمنح لهم، يُقتصر بعضها على درع او شهادة تكريم، ويبالغ الآخرون بجوائز تتخطى الآلاف والملايين، يحجبونها غالباً، لأنهم لا يجدون من يستحقها… فبدت جائزة جان سالمه كأنها بطلة إحدى رواياته التي يعدّ لها البيئة الأدبية اللائقة قبل ان يُقدم على وضعها. فيبدأ بقصة صغيرة من صميم حياته، تكبر فصولاً متلاحقة بما ينسج حولها من لمحات نيرّة يلتقطها من مطالعاته ومراقبته تطور الحياة من حوله، كما في رواية «النفوس الكبيرة».
عهد ذهبي يتجدّد
في سياق كلامه، استحضر جورج سكاف، الحركة الثقافية في لبنان وهي في ذروة تألقها، قائلاً: «في منتصف القرن الماضي وقبل ان يضرب الاعصار الأمني لبنان، عشنا زمن «الندوة اللبنانية» لمؤسسها ميشال اسمر، فكان عهدها عهداً ذهبياً للفكر اللبناني يتألق ويتجوهر، وللشخصية اللبنانية تتمايز وتتفوق، ولدور ريادي للبنان في الشرق نموذج حرية وديمقراطية، ثقافياً وعلمياً، اقتصادياً وسياسياً. كان محاضرو «الندوة» قادة رأي، ومحاضراتها اساس كل نشاط جوهري وعمل خلاق. تتناول مواضيعها كتابات الصحف وتدور حولها نشاطات المحافل الشبابية والاكاديمية. دُوّنت في مجلدات تحتل المكتبات والمكاتب، وهي اليوم من أهم المراجع الوطنية. نشعر اليوم، بأن ذاك العصر الذهبي اخذ في التجدد في «ندوة الابداع» و«جائزة جان سالمه»، سواء في تكريم المبدعين او بما يُغدق عليهم من بدائع.
وردة في عُروة
وتكلم الاديب جورج مغامس، لافتاً الى انه قرأ لجان سالمه، في الوجد والوجدان… وفي الحياة بلغة الحياة… وزاد في شغفه بالكلمة عجناً وخبزاً وعلى موائد الشهّائين، أن خصّ ربابنة سفنها الى موانئنا بجائزة كالنّضح بالزُّوفى في يوم الغطاس. انها الجائزة التي كمنديل يمسح العرق، او وردة في عُروة تجمّل النظر وتعطر النفس. هي ذي تعزّي عن وقت مسفوح في خباء الاعتزال، عن مكابدة ومخاضات… تشد على ايدي المبدعين، وهي هي تعترف بالجميل، ولن يضيع جميل، به العارف اعترف…
رمزية ورمز
اما المحامي النقيب عصام كرم، فيرى ان جان سالمه جريء وواثق بنفسه. والا… كان هذا المثقف العصامي عدّ للعشرة قبل ان يدخل الايوان النخبوي. لجنة الجائزة من الاسماء الادبية الحسنى. ونائلو الجائزة من الذي تُتلى فعالهم يوم تُفتح سيرة الهناءة الفكرية… فيتساوى مَنِ مَنح مع مَن امتنح… وتثوي الكلمة في المكنس البهيّ. والأسامي بهجة.
ويرى ايضاً، ان جائزة جان سالمه، والاسم لمّاع، رمزية ورمز. هي رمزية لأن جان سالمه، في لعبة المال، ليس قاروناً. ولا هو كارلوس غصن. هو السّريّ، لا الثريّ. وهي رمز لأنها تعتمد القيم في انتقاء من يخطرون في حلبة الابداع. وما يضيرها أنها رمزية. ميشال هويلبيك نال جائزة غونكور في2010 ومعها عشرة أورو. قيمة الجائزة في رمزيتها… وفي ما هي رمز. هذا حتى لا يصير المرشحون، كما في فرنسا، احياناً، منهومين اكثر وفارغين اكثر، وحتى لا تصير اللجان الحاكمة هدفاً لصيد دُور النشر بالسمين الثمين.
مشية الطموح
اشار النقيب عصام كرم، الى ان في فرنسا جوائز ادبية صارت اسماؤها شيئاً من التقليد. غونكور. رونودو. ميديسيس. فيمينا. ادمون غونكور أنشأ الجائزة في سنة 1903 لمكافأة افضل عمل نثري صادر في خلال السنة. وغونكور تُمنح للكاتب الواحد مرة واحدة… الا رومان غاري. نالها في 1956 بإسمه… وفي 1975 باسم مستعار… اميل أجار. وهكذا في بريطانيا، جائزة بوكر. وجائزة اكاتاغاوا في اليابان.
وخلص الى القول، الجائزة تؤثر في سيرورة الكتاب. وفي مبيعه. وفي تداوله. ربما كنّا ما نزال في البدايات في لبنان. في مرحلة استنهاض الهمم واثارة الدّمم. وليس كثيراً على جان سالمه ان يكون من السباقين في مشية الطموح.
وختاماً، كلمة الشكر لصاحب الجائزة جان سالمه، الأديب والشاعر والناقد، وحارس ايام الثقافة في «وطن النجوم» من غدر الزمان وآفة النسيان.
اسكندر داغر