ثروة ضائعة بين الجهل وعدم الكفاءة
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
هذا هو واقع المواطنين مع «مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان» يتمتع هذا البلد بثروة مائية لا تقل اهمية عن الثروة النفطية، لو عرف المسؤولون استغلالها. في الزمن الجميل، يوم كان في لبنان رجال على قدر المسؤولية، يقدمون المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة، اقترح احد الوزراء يومها مد انبوبين، واحد لنقل البترول من الخليج الى لبنان لسد حاجاته، والاخر ينقل المياه منه الى دول الخليج. نعم الى هذا الحد كان بالامكان الافادة من الثروة المائية. فكيف هو الحال اليوم؟ اقدمت المؤسسة مع بداية هذا العام على فرض رسوم بلغت عشرات اضعاف ما كانت عليه قبل سنوات قليلة. واعتقد اللبنانيون ان هذه الاموال هي لتمكين المؤسسة من اصلاح الوضع، ووقف التقنين الذي يتدرج سنوياً من اليوم حتى بداية فصل الشتاء، ويشتد قساوة كلما تقدم الزمن، بحيث يضطر المواطن الى الاستعانة بالصهاريج لسد حاجاته من هذه السلعة الحياتية التي لا يمكن العيش بدونها فيتكبد نفقات اضافية لا قدر للاكثرية الساحقة على سدادها، نظراً للظروف القاسية التي يجتازها البلد، الا ان فألهم خاب. فما ان اطل نيسان وقبل ان يتوقف المطر، بدأت المؤسسة بالتقنين. فلا شيء تبدل، وهي تصدر اسبوعياً بيانات تدعو الى تسديد الاشتراكات، مع العلم ان التقارير افادت ان كمية المتساقطات هذه السنة بلغت ضعف المعدل العام. فمقابل اي تقديمات فرضت هذه الزيادة الخيالية. من المتعارف عليه وفق القوانين، ان الانسان يدفع مقابل سلعة يحصل عليها. ولكن مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، تريد من المواطن ان يدفع دون مقابل او احقاقاً للحق، مقابل جزء بسيط من حقوقه فمن يفصل في هذه القضية؟ وهل هو مضطر لدفع فاتورتين واحدة للمؤسسة والثانية للصهريج؟
لماذا وصلنا الى هذا الواقع الاليم؟ بالطبع ان الجواب معروف، وهو نتيجة حكم غير كفوء مارسته هذه المنظومة التي هيمنت على البلد، فدمرت المؤسسات وافلست الخزينة واوقعت المواطنين في الفقر والعوز، ودفعتهم الى الهجرة، وكل ذلك بسبب الفساد الذي استشرى في كل مكان، وطغت المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية. فتقاسمت المراكز حصصاً توزعتها في ما بينها، ووظفت ازلامها في الادارات الرسمية دون التطلع الى الكفاءة والخبرة، فتربع كثيرون على كراسيهم، دون ان يكونوا مستحقين، فعم الخراب. لقد وصلنا الى حال لم يعد من الجائز السكوت عنه واصبح من الملح اجراء التغيير وازاحة كل هذا الطقم السياسي الذي اوصل البلد الى الوضع الخطير جداً، وهذا يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وليس اي رئيس، بل ان يتمتع بالكفاءة والنظافة والقدرة على اجراء التغيير، وان يكون بعيداً عن كل ما يمت الى هذه المنظومة بصلة.
من هي الجبهة الصالحة للتغيير، بعدما تخلى المجلس النيابي عن مسؤولياته لانه على صورة المنظومة وهو منها. فلا يبقى امام البلد سوى الشعب الذي هو مصدر كل السلطات، فهل ينتفض ويزيح عنه هذه الاعباء المكدسة على اكتافه، دون ان يكون له دور فيها؟
هذا هو الباب الوحيد للاصلاح، فهل من يملك مفتاح هذه القوة النائمة فيوقظها من غفوتها القاتلة، فتهب لاتقاذ هذا الوطن الجميل قبل ان يقضوا عليه نهائياً؟
«الاسبوع العربي»