افتتاحية

لو يتحرك الشعب

الكلام عن الاستحقاق الرئاسي على اهميته، لم يعد يعني الشعب اللبناني الغارق في بحر من الازمات، سببها طبقة سياسية استولت على السلطة، بعد تمرسها في حروب داخلية، نقلتها من وراء المتاريس الى كراسي الحكم، فاذا بها تقود البلاد الى هاوية سحيقة، يصعب الخروج منها. انه وضع مأساوي غارق في التعقيدات المستعصية، التي بات حلها يتطلب وطنية صادقة تضحي بمصالحها من اجل مصلحة الوطن، وهذه يبدو انها غائبة عن الساحة اللبنانية. فبعد سنوات من التناحر حول الحصص والمكاسب، تقدمت المصالح الخاصة على ما عداها. فسدت كل السبل امام الحلول، الى ان وصل لبنان الى ما هو عليه اليوم. نزعوا عنه الصورة المشرقة، التي طالما كانت محط انظار الدول المحيطة بنا ودول العالم، واغرقوه في ظلمات، يتطلب الخروج منها قبل اي شيء، رحيل هذه الطبقة التي لم تبق جهة او منظمة دولية الا وتحدثت عن فسادها.
في بلدان العالم كله لا يستغرق انتخاب رئيس للبلاد سوى ساعات. فهناك قوانين ودستور يعمل بها المعنيون بصورة طبيعية، وبكل سهولة وبساطة، اما في لبنان فالامر يتطلب اشهراً واحياناً سنوات، دون اي مراعاة لاوضاع الشعب الكارثية، فالطبقة السياسية تتقاتل وتتصادم، وكل طرف يحاول الاتيان برئيس يحمي مصالحه، ولم تذكر مرة واحدة مصلحة البلد، ولما كان التباعد هو عنوان هذه الطبقة تتعقد الامور وتصعب الحلول، ويتمدد الفراغ، وهذا هو حال لبنان اليوم. لا رئيس للبلاد، ولا حكومة فاعلة، مجلس نيابي معطل، فشل بعد مرور سنة على انتخابه، في اقرار الاصلاحات التي يمكن ان تسهل خروج البلد من ازماته، وكان الفشل الاكبر في عدم انتخاب رئيس.
كل هذه الفوضى ما كان يمكن ان تحصل، لو كانت هناك محاسبة. فالشعب الذي هو مصدر كل السلطات، انحصر دوره في عد الضربات التي يتلقاها يومياً، من هذه الطبقة الفاشلة التي اغرقته في المآسي، وعندما تغيب المحاسبة يتوسع الفلتان. يتحدثون عن صيف سياحي واعد، ولا يهتمون بحمايته، فيزدهر قطع الطرقات، واعمال الخطف والفوضى، التي تبعد السياح والمستثمرين. المؤسستان الوحيدتان اللتان لا تزالان تقومان بواجباتهما الكاملة، وهما الجيش اللبناني والقوى الامنية، فلولاهما لما بقي لبنان، ومع ذلك فانهما لا تنجوان احياناً من حملات تشويش وتجن عليهما. حقاً اننا بلد العجائب والغرائب. فبعدما ادهشنا العالم في ما مضى، حتى استحقينا لقب منارة الشرق، ومستشفى الشرق وجامعة الشرق، نزعت المنظومة بحكمها الفاسد هذه الصورة المشرقة واغرقتنا في ظلام دامس، حتى بات الخروج منه شبه مستحيل.
المحاسبة هي اساس كل نجاح، واذا لم يستيقظ المواطنون من سباتهم القاتل ويبدأوا بالمحاسبة، فلا يمكن ان تستقيم الامور، والبداية في صناديق الاقتراع، السبيل الوحيد لزحزحة المتحكمين بالسلطة عن مواقعهم والوصول الى حل. ليس صحيحاً ان الشعب عاجز، بل هو قادر على قلب الصورة ساعة يقرر النهوض والمواجهة. قد تكون الاثمان غالية ولكن الاوطان لا تبنى الا بالجهاد والتضحيات. فمتى ادرك الشعب هذا الواقع، يبرز امل بالاصلاح، وفي ما عدا ذلك سنبقى نجرجر اذيال الخيبة والتفكك والانحلال. هل نريد وطناً؟ اذاً علينا ان نسترجعه ونعيده الى الطريق الصحيح الذي انحرف عنه، وسار في طرقات مزروعة بالالغام. فلبنان قوي ولكن قوته متوقفة على همة شعبه فهل يتحرك؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق