افتتاحية

السياسة الفاسدة والثقة المفقودة

منذ ايام اعلن في الولايات المتحدة عن افلاس احد البنوك (سيليكون فالي)، اشتدت السحوبات وفاقت الطلبات حجم السيولة لديه، فوقع في عجز. اهتز النظام المالي الاميركي كله، وانعكس على البنوك والبورصات الاميركية والاوروبية، وساد الهلع بين المودعين الذين خافوا على جنى عمرهم. ولكن في الولايات المتحدة دولة، ومصلحة المواطن فيها لها الاولوية على كل ما عداها. في اليوم عينه، اطل الرئيس الاميركي جو بايدن على المواطنين، وطمأن المودعين مؤكداً لهم ان ودائعهم بخير، ويمكنهم سحبها ساعة يريدون دون اي عقبات، فاعاد الطمأنينة الى النفوس، واستعادت البورصات نشاطها العادي. ذلك ان الشعب يثق بمسؤوليه، لانهم اثبتوا على مر الزمان انهم موضع ثقة وهي اساس كل تعامل ناجح.
تملك الحزن والغضب اللبنانيين وهم يقارنون بين دولتهم والدول الاخرى، بين حكامهم وحكام الدول. تعثرت المصارف في لبنان او هكذا ادعت، واتيحت الفرصة لها فاقفلت ابوابها. وفي غرف مغلقة فعلت فعلها. حولت وهربت وساعدت على التهريب حتى طارت مليارات الدولارات الى الخارج. وتمنعت عن تلبية المواطنين وانكرت على المودعين امانات عهدوا بها اليها، وعلى اساس انها موضع ثقة فاذا العكس هو الصحيح. وقد رفض المجلس النيابي اقرار قانون الكابيتال كونترول ليمنع هذه الجريمة، فكان ما كان.
ماذا فعلت الحكومة المسؤولة عن حماية مصالح مواطنيها، خصوصاً وان الحكومات وهي التي استدانت ودائع الناس وبددتها، وقفت موقفاً اثار الاستغراب والاستنكار. وضعت خطة سمتها خطة التعافي، شطبت فيها الودائع وحملت المودعين الخسائر، وبرأت نفسها والبنك المركزي والمصارف، في وقاحة لا مثيل لها، كانت موضع استنكار واستغراب. انها خطة جهنمية ثلاثية الابعاد، ابطالها الثلاثي الذي بات معروفاً. (الحكومة والمصرف المركزي والمصارف). فالحكومة جاءت في المكان والوقت الغلط ولم تتحمل المسؤولية، وبرهنت انها غير جديرة بالثقة، لم تكتف في انكار الودائع، بل انها هجمت على جيوب المواطنين تبحث فيها عن دريهمات قليلة ربما تكون قد بقيت فيها. وكلفت وزير ماليتها البحث عن ابواب جديدة يمكن ولوجها، لفرض ضرائب جديدة. فالضرائب حق للدولة على المواطنين، تجبى للانفاق على المشاريع الحيوية. ولكن في لبنان الضرائب تجبى لتمويل الصفقات المشبوهة وتغذية الهدر والفساد. حتى ذاع صيت الطبقة السياسية في العالم كله. ودون ان تنفذ مشروعاً واحداً. فلا كهرباء ولا ماء، ولا ادوية، وضربت القطاع الصحي حتى اصبح اللبناني عرضة للموت دون ان يتمكن من دخول المستشفى، وحولت الطرقات الى افخاخ تتسبب الحفر فيها بعشرات الحوادث المميتة يومياً. ولم تنس ان تضرب الليرة اللبنانية، فافقرت اللبنانيين بنسبة 90 بالمئة وهي واقفة تتفرج، دون ان تقوم باي خطوة توقف هذا الانهيار. هذه السياسة افقرت لبنان بعد سنوات من العز والازدهار كان خلالها قبلة دول المنطقة، وعزلته عن محيطه وعن العالم، وبات يصنف بين الدول المفلسة. ان الحكومات التي تفرض الضرائب، من واجبها ان تراعي قدرة المواطن الشرائية، بحيث لا تغرقه في الديون. ولكن الحكومة عندنا، ولانها ليست على مستوى الحكومات، راحت ترفع التعريفات والرسوم، دون حساب، حتى فاقت قدرة المواطن على السداد. ولم تسأل نفسها يوماً كيف سيتدبر امره، ومن اين يأتي بالمال اللازم لدفع كل هذه الرسوم، وكيف يعيش؟ خصوصاً في ظل سيطرة الدولار، الذي حلق بلا سقف، حتى اصبحت اكبر قطعة نقدية لبنانية تساوي اقل من دولار واحد. ولو قامت بعملية حسابية بسيطة وقارنت بين متوسط دخل الفرد والضرائب والرسوم التي فرضتها لادركت اي جريمة ارتكبتها بحق المواطنين.
اما الشريك الثاني وهو البنك المركزي، مهندس السياسة المالية، فقد ركز جهده على كيفية تذويب ودائع الناس، مطبقاً سياسة «الهيركات» المقنع عبر تعاميم قضمت نسبة كبيرة من الودائع، وهو ماضٍ في هذه السياسة حتى يقضي على ما تبقى، حماية لشريكتيه الحكومة والمصارف وحماية لنفسه.
المصارف الشريك الثالث هي المسؤولة مباشرة امام المودعين، الذين يرفضون تقاذف الكرة بلعبة جهنمية يحاول فيها كل طرف القاء المسؤولية على الاخر. باختصار المصارف لم تحترم الامانة، وفرطت بها دون استئذان، وجاءت تتبرأ مما فعلت، وهي تضرب اليوم لمنع اي جهة شعبية او قضائية من محاسبتها.. صحيح اننا لا نعيش في دولة تحكمها القوانين، بل في غابة القوي فيها يأكل الضعيف.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق