افتتاحية

منظومة التعطيل الى متى؟…

«اذا لم تستحِ افعل ما شئت». هذا المثل العامي ينطبق تماماً على منظومة سياسية امسكت بالبلد وبجميع مفاصله، وتحكمت به حتى اوصلته الى الانهيار والافلاس دون ان يرف لها جفن. فعطلت الادارات والمؤسسات وقضت على الاقتصاد وافرغت الخزينة ودفعت المواطنين الى الفقر والجوع. وبعدما كان لبنان مثالاً تتغنى به جميع دول المنطقة، واتخذت شعوبها منه محطة لا بد منها، للترويح عن النفس، هجره الجميع واصبح موضع شفقة.
منذ ايام اصدرت منظمة الشفافية الدولية لائحة بالدول التي تعاني من الفساد، ضمت مئة وثمانين دولة، احتل لبنان فيها المرتبة المئة والخمسين، وصنف من بين الدول المتخلفة الاكثر فساداً. كان لبنان منارة للازدهار والبحبوحة فحطموه، وها هو العالم يشهد بذلك. حرموا شعبه من الدواء، وقضوا على النظام الاستشفائي، وكان مستشفى الشرق، حرموه من قطرة مياه تصل الى منازله، فاضطر في عز فصل الشتاء، ووسط العاصفة الشديدة الى ان يستعين بالصهاريج لقضاء حاجاته المنزلية، وهو المعروف عنه انه بلد الينابيع الغزيرة. حجبوا عنه النور، فقضوا على الكهرباء، بفعل سياساتهم التي سخرت كل شيء من اجل خدمة مصالحهم الخاصة. فقبل ايام اطلع البنك الدولي الوفد النيابي اللبناني الذي زار الولايات المتحدة، ان القرض الذي خصصه لجر الغاز من مصر والكهرباء من الاردن مجمد، وليس مدرجاً على جدول اعمال البنك، لان لبنان لم ينفذ الشروط المطلوبة، واهمها شرطان: الاول التدقيق في حسابات شركة الكهرباء، وهذا مطلب حقيقي وضروري، بعد ان لوثت سمعة لبنان بالفساد، والشرط الثاني تشكيل الهيئة الناظمة، وهو مطلب نسمع به منذ سنوات ولكن القابضين على قطاع الكهرباء يرفضون الاستجابة لهذا المطلب، لانهم يريدون ان يبقوا متسلطين، لا تقاسمهم اي جهة سلطتهم.
انها شهادات دولية لا يرقى الشك اليها، ولكن المنظومة سدت اذانها، وحولت انظارها وابت ان تسمع او ترى. فكل همها ان تبقى قابعة في عروشها، مسخرة الدولة باسرها لمصالحها. وينتاب المواطن اللبناني الحزن والغضب معاً، عندما يرى الدول التي كانت صديقة للبنان القديم، لبنان الاشعاع والنور والعلم، تتحرك بقوة، رغم انشغالها بقضايا دولية خطيرة لدفع هذه المنظومة الى ان تعود الى ضميرها وتتخلى عن مصالحها الشخصية، من اجل مصلحة البلد والشعب. ويغضب ويحزن اكثر، عندما يرى المسؤول الفرنسي دوكان، يجول على مصر والاردن والولايات المتحدة، لتأمين الكهرباء للبنان، فيما المسؤولون اللبنانيون غير المسؤولين يتلهون بسياسات كيدية، لا تمت الى المصلحة العامة بصلة، بل هي قائمة على النكايات المتبادلة، فيما المواطنون يرزحون تحت ثقل ازمات بحجم الجبال تنزل على رؤوسهم.
ففرنسا مثلاً، تبدي من الاهتمام بلبنان اضعاف ما يبديه اركان المنظومة. وهي لهذه الغاية، رتبت اجتماعاً خماسياً ضم الى جانبها الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر ومصر، وهي دول تهمها مصلحة الشعب اللبناني المغلوب على امره، يقابل ذلك في الداخل خلافات وانقسامات، تعطل انتخاب رئيس للدولة يعيد بناء ما تهدم وتدمر، تعاونه حكومة فاعلة لا تمت الى المنظومة باي صلة، والا بقيت الامور على حالها. مجلس نيابي انتخبه الناس، ليقود معركة التغيير، وينقذ البلد، فاذا بالنواب الجدد ينضمون الى القدامى، ويصبح المجلس داخل المنظومة شعاره التعطيل.
ان الفساد المستشري تحول الى «جائحة»، وهو ينتشر بسرعة، وعلى مساحات واسعة. فهل ينجح التحرك الخارجي الذي نعلق عليه الامال في انتشال لبنان من الهاوية؟ وهل يأتي يوم نتخلص فيه من هذه المنظومة الفاشلة، ونحدث التغيير المنشود؟ لا دوام الا الله عز وجل وكل ما عداه قابل لان يتغير وينتهي. فنرجو الا يكون هذا اليوم بعيداً.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق