افتتاحية

الحقيبة اغلى من الوطن والشعب

في كل دول العالم تحصل خلافات وصراعات ولكنها في النهاية ومهما تصاعدت تُحل بالحوار، الا عندنا في لبنان. فالحوار اشبه بحوار طرشان، ما ان يتم الاعلان عن تقدم، حتى يعود الى نقطة الصفر. وهذه هي الحال بالنسبة الى تشكيل الحكومة. سنة بالتمام والكمال مرت، شهدت لقاءات وجلسات حوار، تخللها اعتذارات، والنتيجة واحدة. لا حكومة.
في دول العالم الوزارات متساوية في الاهمية فلكل واحدة منها دور يقوم على خدمة البلد والناس. وبقدر ما تكون هذه الخدمة فاعلة، ومنتجة بقدر ذلك تكون الحقيبة مهمة، وهذا يتوقف على كفاءة الوزير الذي يديرها. اما عندنا في لبنان فقد قسموا الوزارات الى فئات. واحدة سيادية واخرى خدماتية وثالثة ثانوية الخ. واهمية هذه الوزارات بالنسبة الى المنظومة السياسية هي في نسبة ما تخدم مصالح الوزير الخاصة ومن جاء به دون الالتفات الى مصلحة المواطنين. وهذا هو سبب الصراع المستمر منذ سنة باشهرها الاثني عشر.
لم يعد امام الناس سوى هاجس واحد. هل هناك موعد اليوم في بعبدا؟ اذا كان الجواب ايجابياً يسود التفاؤل. واذا كان سلبياً تتلبد الاجواء ويرتفع سعر صرف الدولار وينعكس على الاسعار كلها. الرئيس المكلف خرج منبسط الاسارير، اذاً الاجواء ايجابية. الرئيس المكلف خرج عابس الوجه، اذاً عادت الامور الى نقطة الصفر. الحكومة ستبصر النور في الايام القليلة المقبلة، ويعود الدولار الى الانخفاض، الحكومة في طريق مسدود وعمت الفوضى في الاسواق، ومن يضبطها في غياب كامل للمسؤولية. فالحكومة عادة هي التي تسيّر شؤون الناس وتضبط الفلتان وتمنعه. اما عندنا فلا حكومة ولا من يضبط شيئاً.
سنة كاملة امضاها اللبنانيون على هذه الحال. ولا من يسأل ولا من يهتم. ولو انهم شكلوا حكومة فور استقالة حكومة حسان دياب لكنا اليوم نسير على الطريق الصحيح، ولكانت عجلة العمل تدور بشكل طبيعي، ولكان الاقتصاد عاد الى دورته العادية. ولكان الناس بدأوا يخرجون من الهوة التي رماهم فيها المسؤولون. الا ان المصالح الخاصة كانت اقوى واهم من مصلحة البلد والمواطنين، ولذلك بقي الوضع على هذه الحال. العالم يسأل ما قيمة هذه الحقيبة الوزارية اياً تكن اهميتها، وما هو الدور الذي يمكن ان يلعبه هذا الشخص دون غيره من الناس. الا ان المسؤولين لا يسمعون ولا يرون ولا يشعرون مع آلام المواطن الذي يعاني من ازمات هي الاقسى والاصعب منذ اكثر من 150 سنة.
تدخل العالم كله لحل الازمة المستعصية ومساعدة المسؤولين على تشكيل حكومة تنقذ البلاد، من الامين العام للامم المتحدة غوتيريش الى الاتحاد الاوروبي، الى الولايات المتحدة فروسيا والدول العربية، ولكن المنظومة ادارت ظهرها ولم ترد. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زار لبنان مرتين في محاولة للمساعدة على تشكيل الحكومة واجرى محادثات وانتزع وعوداً معتقداً انهم سيلتزمون بها، وما ان استقل الطائرة عائداً الى بلاده حتى سحب الجميع وعودهم. ان الطبقة السياسية عندنا عجيبة غريبة لا مثيل لها في العالم كله. ولذلك لم يعد هناك امل في تشكيل حكومة الى اخر العهد. فهل يستطيع البلد والمواطنون تحمل كل هذه الويلات طوال هذه المدة؟
بعد كل هذه الضغوط الخارجية التي لم تصل الى اي نتيجة، وفي ظل تقاعس الشعب الذي لا يحرك ساكناً لاجراء التغيير، مع انه مصدر كل قوة وهو الذي يعاني الويلات فان اليأس دب في النفوس وانقطع الامل بان يكون لنا حكومة ترعى شؤوننا. فليتدبر كل فرد منا اموره بنفسه. فالفلتان والفوضى سيدا الموقف الى ان يبدل الله من حال الى حال.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق