سياسة لبنانية

هل تجري الانتخابات البلدية أم تؤجل؟!

هذا هو السؤال «المحيّر» الذي يطرح حالياً في لبنان. فرغم اقتراب موعد الانتخابات البلدية وتوجيه وزارة الداخلية الدعوة رسمياً للهيئات الناخبة، ورغم التأكيدات الصادرة عن قيادات وقوى سياسية وحزبية بشأن ضرورة إجراء الانتخابات وتأييدها والاستعداد لها… لا تدل المؤشرات والمظاهر الى أن هناك انتخابات ستجري في القريب العاجل، لا بل تسود على نطاق واسع حالة من التشكيك وعدم اليقين ازاء هذه الانتخابات في أوساط الرأي العام، وحتى في صفوف المرشحين أنفسهم الذين لا يصدقون أن هناك انتخابات بلدية ستجري فعلاً. كما من الممكن ملاحظة أن الأحزاب لم تعلن حالة التعبئة الشعبية ولم تطلق العنان لماكيناتها الانتخابية وإنما تشغّل الحد الأدنى من طاقتها وجهوزيتها…
هذه الحالة من التشكيك وعدم اليقين تعكس أزمة الثقة العميقة والهوة الواسعة بين الناس والطبقة السياسية الحاكمة التي صارت مصداقيتها وصورتها «في الحضيض». فما عاد اللبنانيون يصدقون وعودها والتزاماتها وإنما يرجحون أن تكون الانتخابات البلدية «مسرحية جديدة» تكرر سيناريو الانتخابات النيابية وتصل الى النتيجة والنهاية ذاتها: «التأجيل والتمديد»… وما عاد اللبنانيون تأخذهم المظاهر الخادعة. فوزير الداخلية مجبر على تنفيذ القانون الذي يفرض عليه توجيه الدعوة حكماً للانتخابات وهو يقوم بعمله ومسؤولياته. والأطراف السياسية ليس أمامها إلا الإيحاء بتأييد الانتخابات والذهاب إليها، وحيث أن أي طرف لا يمكنه منفردا تحمل مسؤولية عدم إجراء الانتخابات في موعدها أو التهرب منها وعدم الانخراط فيها…
المسألة تتجاوز أزمة العلاقة المستحكمة بين الحاكمين و«المحكومين»، وحيث تتوافر جملة أسباب وعوامل معززة لحالة الغموض والشك التي تلف الانتخابات البلدية وللاعتقاد السائد بأن مصيرها لن يكون أفضل من الانتخابات النيابية… وهذه أبرزها:
1- الحالة المزرية التي وصلت إليها الدولة «المقطوعة الرأس» وتلامس حدود التعطيل والشلل الكامل وسط انتفاء كل مظاهر الحياة السياسية الديمقراطية وعمليات تداول السلطة على كل المستويات. وسيكون من الصعب تبرير عدم إجراء انتخابات نيابية في حال إجراء انتخابات بلدية، مع استمرار الأسباب والظروف التي أدت الى إلغاء الأولى قائمة…
2- قدرة الحكومة الحالية على إدارة ملف الانتخابات البلدية (والمقصود بالدرجة الأولى القدرة السياسية لا المالية ولا الأمنية) بعد إخفاقها في إدارة ملفات أقل صعوبة وتعقيداً مثل ملف النفايات، مع العلم أن هذه الحكومة صفتها انتقالية ومهمتها في الأساس مواكبة الانتخابات الرئاسية وتأمين الانتقال السياسي الهادئ الى عهد جديد وحكومة جديدة تتولى هي الانتخابات النيابية والبلدية. فكل الملفات الاساسية والحساسة مؤجلة الى ما بعد انتخاب الرئيس… ومع أن فشل «الحكومة المركزية» يشكل حافزاً إضافياً في اتجاه الاعتماد أكثر على «السلطات المحلية»، وبالتالي تجديد هذه السلطات وتحفيزها، إلا أن هذا الفشل يمكن أن ينسحب على موضوع الانتخابات البلدية أيضاً…
3- الموقف الفعلي لقوتين أساسيتين على الساحة اللبنانية:
– المستقبل الذي ليس في أفضل وضع، وليس جاهزاً لخوض الانتخابات البلدية في ظل شارع سني متغيّر وميزان قوى جديد، وفي ظل ضائقة مالية ومع ماكينة انتخابية متوقفة منذ سنوات.
– حزب الله الذي يتفرغ لمعركته المصيرية في سوريا التي تحدد مستقبله ومستقبل لبنان، ولا يجد ما يدفعه الى تحويل جهده في اتجاه الداخل اللبناني والتحول من لاعب إقليمي الى «لاعب محلي بلدي» وتحويل عناصره من جبهات القتال الى صناديق الاقتراع، والنزول بثقله في «اختبار قوة شعبي» في توقيت غير مناسب، كما لا يمكنه تجاهل هذا الاستحقاق والاستخفاف به أو تلزيمه لحليفته «حركة أمل»…
4- الوضع المسيحي الجديد بعد اتفاق معراب وأدى عملياً الى توحد القوتين الأكبر مسيحياً، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، اللتين التقتا عند محطة الرئاسة ولكنهما تجاوزتاها الى إرساء تحالف يغطي المسائل والملفات ذات الاهتمام المسيحي المشترك بدءاً من الانتخابات البلدية… والتساؤل جارٍ الآن ما إذا كان هذا التحالف سيُعطى فرصة إثبات وجوده وتاكيد تفوقه وتحجيم خصومه وحيازته للأكثرية الشعبية المسيحية، وبالتالي تعزيز موقفه وموقعه في المعركة الرئاسية وما سيليها (الحكومة وقانون الانتخابات والانتخابات النيابية)…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق