افتتاحية

جواب قد لا يبصر النور ابداً

يتساءل المواطنون لماذا لا تسن القوانين والتشريعات الضرورية لوضع حد لهذا الفلتان في الحياة العامة، ولماذا لا يعمد المسؤولون الى ضبط الامور حفاظاً على الصحة وحياة الناس؟
النقص ليس في القوانين. ففي لبنان تخمة منها، ولكن العلة في المسؤولين والسياسيين المتعاقبين على مراكز المسؤوليات. فهم الذين لا يحترمون القوانين التي يسنونها، ولا يعمدون الى تطبيقها. ولذلك انتشرت الفوضى في الحياة اللبنانية حتى بات ضبطها من الامور شبه المستحيلة. السبب دائماً هم السياسيون واهل السياسة الذين لا يفقهون منها سوى ما يؤمن مصالحهم الخاصة، اما مصلحة الشعب ومصلحة الوطن فهما غير واردين في حساباتهم.
قبل سنوات سنوا قانوناً يقضي بعدم التدخين في الاماكن العامة. والكل يعلم مدى الضرر الذي يسببه التدخين. فهو يدمر الانسان ويقضي عليه. شنوا يومها حملة عنيفة ضد هذه السموم وسيروا الدوريات، وداهموا الاماكن العامة وضبطوا المخالفين. فاستبشر المواطنون خيراً، خصوصاً اولئك الذين لا يدخنون ولا يريدون ان يجلسوا في اماكن عابقة بالدخان القتال. ولم تمض اسابيع قليلة حتى تلاشت الحملة، وعاود المدخنون سيرتهم الاولى، فعادت المقاهي والمطاعم ووسائل النقل تعبق بهذه الاجواء المسمومة، ولا من رقيب او حسيب. فلماذا قاموا بهذه الحملة ولماذا تراجعوا عنها؟ الجواب عند المسؤولين.
سنوا قانوناً يمنع التكلم بالهاتف الخليوي اثناء القيادة. وكما كانت حملة لمكافحة مخالفة التدخين، كذلك جرى بالنسبة الى الهاتف وهنا ايضاً استبشر المواطنون خيراً. فالجميع يعلمون كم هو مضر التحدث بالهاتف اثناء القيادة، فهو يمنع السائق من التركيز وقد يؤدي به الامر الى الهلاك. وفي كل يوم نسمع باعداد مخيفة من القتلى والجرحى على الطرقات، ومعظمها يكون ضحاياها من الذين يتكلمون على الهاتف اثناء القيادة. لقد بتنا نرى رجل السير، الذي يفترض فيه مكافحة هذه المشكلة، ينظر الى السائقين والهواتف على اذانهم وخصوصاً السيدات اللواتي يبدأ حديثهن في ساعات مبكرة من الصياح، فكان لديهن عشقاً للهاتف، فيشيح بنظره وكأن الامر لا يعنيه. وهكذا تستمر المخالفات ويستمر سقوط الضحايا ولا من يسأل. فلماذا لا يطبق القانون؟
سنوا قانوناً للسير ينظم الحركة على الطرقات ونشروا رجال الامن لمنع المخالفات وتجنيب المواطنين الموت. وسرعان ما اختفى كل شيء وعادت الفوضى الى الطرقات. يجتاز السائقون الاشارات الحمراء ويتجاوزون السرعة المحددة ولا من رقيب. في كل يوم نسمع عن عدد مخالفات السرعة. ولكن اين هي التدابير التي تردع المواطن من ارتكاب هذه المخالفة؟ الجواب طبعاً عند المسؤولين.
اصدروا قراراً يمنع الدراجات النارية من التنقل بعكس السير. ومن الواضح ان كثيراً من الحوادث تتسبب به هذه الدراجات المخالفة، وغالباً ما يسقط قتلى وجرحى، فلماذا لا تطبق الحكومة قرارها؟ ولماذا لا تمنع الدراجات من التعدي على السائقين والمواطنين، بارغامها على احترام قانون السير؟
ان مواطناً واحداً لم ينج من التعرض لخطر هذه الدراجات المخالفة، فلماذا لا تكافحونها؟ لماذا يخالف سائق الدراجة القانون امام اعين رجال السير دون ان يوقفوه ويتخذوا العقوبة اللازمة الرادعة بحقه حتى لا يكرر فعلته؟
والمسؤولون لا يكتفون بعدم تطبيق القوانين، بل يصدرونها هم ثم يعمدون الى مخالفتها والمثل الابرز لا يزال حديث الناس هذه الايام ويهدد بالتسبب بمشكلة مناطقية وطائفية.
قبل ايام اصدر رئيس الجامعة اللبنانية قراراً بتعيين عميد في الجامعة اللبنانية في طرابلس، بعد يومين سحب قراره فاثار مشكلة لم يعد يعرف كيف يخرج منها.
لقد سبق لرئيس الجامعة ان بدل موقفه يوم كان وزيراً اختاره الرئيس سليمان كوزير وسطي في الحكومة، خارج الانقسام السياسي بين 8 و14 اذار. ولكنه يوم ارادوا اسقاط حكومة الحريري، وكانوا بحاجة الى صوت واحد لتأمين الثلث المعطل، انقلب هذا الوزير على وسطيته وانحاز الى جانب 8 اذار فسقطت الحكومة.
حتى قانون الطائف الذي اصبح دستوراً لم يطبقوه، رغم ذهابهم الى المملكة العربية السعودية، وبقائهم لايام طويلة فيها، حتى تم التوصل الى هذا الاتفاق الذي انهى الحرب في لبنان. غير انهم لما عادوا اختاروا البنود التي تلائمهم واهملوا اخرى فغرقت البلاد في الفوضى، ولذلك نحن بلا رئيس للجمهورية منذ حوالي الثلاث مئة يوم. فمتى يستفيق المسؤولون؟ ومتى تطبق القوانين في لبنان بلد القانون فتستقيم الامور؟ الجواب في علم الغيب وقد لا يبصر النور ابداً.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق