افتتاحية

الكبار يتجبرون والصغار يدفعون الثمن

يستمر الكبار في العالم بالتلاعب بمصير الصغار، مصير الشعوب المقهورة التي لا حول لها ولا قوة، وليس لها من خيار سوى الخضوع لارادة المتحكمين بها. هذه الصورة تتجلى بافضل شكل في سوريا. فاذا قررت الولايات المتحدة وروسيا اعلان هدنة يتوقف القنال وتصمت المدافع واذا قررتا العكس تشتعل الحرب على جميع الجبهات. لو ارادتا وقف الحرب الدائرة في سوريا منذ اكثر من اربع سنوات لكانت توقفت منذ اللحظة الاولى، ولكنهما مع الاسف لا تريدان، واقصى ما تعملان من اجله هو هدنة هشة تخرقها الاطراف المتقاتلة مرات، ويقال ان روسيا عينها يكون لها ضلع في هذا الخرق. فيا له من زمن سيء.
مرة جديدة تسد موسكو بما تتمتع به من امتيازات، طريق السلام في سوريا، وتشجع حلفاءها على شن الغارات الجوية المدمرة مستهدفة النساء والاطفال. ولا تكتفي بذلك، بل تساهم في شن الغارات الجوية الوحشية التي تطاول في معظمها الابرياء من الشعب السوري، فكأن روسيا تريد ان تقود حرب ابادة ضد هذا الشعب المغلوب على امره. اخر الاعيب موسكو التي تتغنى بالسلام في العلن، وتعمل على اشعال نار الحرب، هي منعها مجلس الامن الدولي من اصدار بيان اممي بشأن جرائم الحرب، التي ترتكب في حلب وتدمر البشر والحجر. وبهدوء اعصاب لافتة رفض فيتالي تشوركين البيان، ورأى فيه انه «ضرب من ضروب الدعاية». كيف؟ لا نعلم. انها عبارات درج الروس على استخدامها للهروب الى الامام، والمضي في سياستهم، وهي موضع انتقاد العالم. فالروس لا يهمهم ان سقط المئات بل الالاف من الشعب السوري البريء، بل كل همهم هو تحقيق مصالحهم ولو على جثث الاطفال والنساء.
الرفض الروسي للبيان الاممي كان موضع تنديد من قبل ممثلي الدول في مجلس الامن، وخصوصاً المندوب البريطاني ماتيو مايكروفت، معتبراً ان هذا الموقف يقول الكثير عن دعمهم وحمايتهم لآلة الحرب المدمرة. وبدل ان تعمل روسيا على تثبيت دعائم السلام وانهاء القتال في سوريا، عملت على تشجيع الاستمرار في المعركة والمشاركة  فيها بغارات جوية مكثفة، طاولت المستشفيات والاماكن المدنية العامة فسقط المئات من الشعب السوري، ضحية هذه الغارات، معظمهم من النساء والطفال.
البيان الاممي كان يدين استئناف اعمال العنف في حلب، ويحمل المسؤولية عنها الى الهجوم العسكري للنظام، دون ان يذكر روسيا بشيء، رغم مشاركتها في الغارات. فلماذا اقدمت على منع صدوره، هل لانها لا تريد ان يستتب الامن في هذا البلد المنكوب، لان القتال يؤمن مصالحها؟
الغارات الروسية لم تتوقف رغم المناورة التي قامت بها موسكو باعلانها سحب قواتها من سوريا. فهي اخرجت آلتها العسكرية من الباب، لتعيد ادخالها من الشباك. فبئس هذه السياسة التي اقل ما يقال فيها انها تشجع على الاجرام. والبيان الاممي لم يأت من عبث. فقد شهدت مدينة حلب المنكوبة على مدار الاسابيع الثلاثة الماضية تصعيداً عسكرياً خطيراً، اسفر عن مقتل اكثر من 280 مدنياً، بينهم 57 طفلاً بحسب حصيلة المرصد السوري.
ويستغل النظام السوري الدعم الروسي المعنوي والعسكري اللامحدود للمضي في القتال، في وقت كان قبل الدخول الروسي الى سوريا بآلته العسكرية المدمرة على وشك الانهيار. وابلغ الرئيس السوري نظيره الروسي فلاديمير بوتين بانه لا يقبل بأقل من تحقيق انتصار نهائي ضد المعارضة في حلب. رد الدول على هذه التصريحات طبعاً لم يكن على كلام الرئيس الاسد، بل على روسيا التي هي سبب هذا الكلام، وتقف وراء هذه المواقف. فدعت عواصم العالم روسيا الى التعامل بشكل عاجل مع هذا التصريح غير المقبول على الاطلاق. غير ان موسكو التزمت الصمت ولم تعلق على كلام الاسد، ما اوحى انها تؤيده، لا بل تساهم فيه. أبعد كل هذا هل يجوز ان يستمر العمل والتنسيق مع روسيا لاحلال السلام في سوريا، فيما هي تعمل لاشعال الحرب حفاظاً على مصالحها بعيداً عن اي مصلحة سورية؟
وسط هذا الوضع المتأزم والمشبوه لناحية السياسة الروسية، يبرز الدور الاميركي المتخاذل او المتآمر، لم نعد نعلم وان كان هذا الامر واضحاً تماماً امام المراقبين. فالاميركيون في العلن لا يقلّون مراوغة عن الروس. فهم بعد ان رفضوا التدخل في الحرب المشتعلة منذ اكثر من اربع سنوات في سوريا، وكان بامكانهم لو فعلوا ان يوقفوا القتال منذ اليوم الاول للقتال، التزموا موقف المتفرج وكأنهم كانوا راضين عما يجري، ومؤيدين للموقف الروسي المساند منذ اللحظة الاولى للنظام السوري. فهل هناك من لا يزال يؤمن بوعود الكبار وادعاءاتهم الكاذبة.
ان الولايات المتحدة، وبدل ان تنتقد الموقف الروسي، وتتصدى له وتواجهه بحزم، ادانت تصريحات الاسد، اي انها تركت الرأس المدبر وانتقلت الى الفروع التي لا تقدم ولا تؤخر في سير المعركة، في ظل تدخل الكبار. ودعا المتحدث باسم الخارجية الاميركية مارك تونر روسيا الى التعامل بشكل عاجل مع هذا التصريح.
بعد كل ما تقدم نعود الى النظام العالمي الذي يسود مجلس الامن الدولي ونتبين بما لا يقبل الشك، بان لا امل للشعوب الصغيرة المغلوبة على امرها، الا باصلاح هذا النظام، فيلغى نظام الفيتو نهائياً، وتتساوى الدول جميعها امام القانون، فلا تعود دولة واحدة قادرة على التحكم بقرارات تجمع عليها الدول باستثناء واحدة، فهل يتحقق ذلك يوماً؟ لعل الحلم سيتحول الى حقيقة وان كان من الصعب جداً الامل بذلك.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق