رئيسيسياسة عربية

جسر مدمر في الموصل لا يزال شريان حياة لمدنيين طالت معاناتهم

أصبحت أنقاض جسر فجره تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل لعرقلة تقدم القوات العراقية شريان حياة للمدنيين مع تحرر المزيد والمزيد من المدينة الواقعة في شمال العراق من قبضة المتشددين.
وتدافع رجال ونساء وأطفال ومسنون إلى ضفتي نهر الخوصر أحد روافد نهر دجلة وعرضه نحو 30 متراً وبعمق متر واحد والذي عبرته قوات مكافحة الإرهاب الأسبوع الماضي في هجوم أثناء الليل.
وتحرك مدنيون بخطوات متثاقلة على سلالم وأنابيب على امتداد الجسر الذي انهار في المياه العكرة ويهتز على الضفة الأخرى للنهر بمحاذاة طريق ترابي.
وجرً الفارون من الشرق إلى حي الزهور حقائب وأيضاً عربات أطفال وكراسي متحركة. وحمل العائدون غرباً إلى المثنى أكياساً من الأرز والبطاطا (البطاطس) والبصل وكراتين من البيض وحزماً من حفاضات الأطفال. وفي العادة تبلغ مسافة الرحلة في الاتجاهين بضعة كيلومترات.
وقال اللواء سامي العريضي لرويترز هذا الأسبوع بعد جولة على جانبي النهر سيراً على الأقدام «الآن يوجد أناس يدخلون وأناس يغادرون».
وأضاف أن الذين غادروا يعودون وأن المغادرين الآن جاءوا من أحياء تشهد اشتباكات حالياً.
وقال العريضي إنه يتوقع أن أحدث الذين تم إجلاؤهم سيعودون خلال يوم أو يومين مع توغل القوات العراقية أكثر صوب الغرب.
كانت الأمم المتحدة حذرت من أن الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة لطرد الدولة الإسلامية من الموصل – أكبر معقل حضري للتنظيم المتشدد في العراق أو سوريا – قد تؤدي إلى نزوح ما يصل إلى 1،5 مليون شخص.
لكن مع استعادة الحكومة السيطرة على معظم الجزء الشرقي من المدينة ظل معظم السكان في ديارهم أو انتقلوا بشكل مؤقت مع أقاربهم إلى أحياء أخرى.
وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد مهمة الجيش الذي عليه أن يقاتل وسط المدنيين في مناطق مكتظة بالمباني ضد عدو استهدف غير المقاتلين وتخفى وسطهم.

ظروف قاسية
والهجوم لاستعادة الموصل والذي تشنه قوة برية قوامها 100 ألف فرد من القوات العراقية وقوات الأمن الكردية وفصائل شيعية هو المعركة الأكثر تعقيداً في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
وعندما بدأ الهجوم في تشرين الأول (اكتوبر) كانت الحكومة تتطلع إلى استعادة السيطرة على المدينة بحلول نهاية 2016 لكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال في كانون الأول (ديسمبر) إن عملية طرد المتشددين قد تستغرق ثلاثة أشهر أخرى.
وحمل فواز – وهو مدرس عمره 46 عاماً كان عائداً عبر الجسر المحطم إلى منزل عائلته في المثنى يوم الاثنين – إناء معدنياً يمكن تعبئته بالوقود في يد وكيساً من الأغذية الطازجة في اليد الأخرى.
وقال «قضينا شهرين بدون غذاء، اعتمدنا فقط على ما خزناه» واصفاً الظروف القاسية التي واجهها سكان كثيرون بعد بدء حملة الموصل في منتصف تشرين الأول (اكتوبر). وقال فواز إنه فقد نحو 30 كيلوغراماً من وزنه في تلك الفترة.
وعبر فواز النهر في وقت سابق الأربعاء لشراء بعض الإمدادات وتفقد مكان عمله القديم لكنه عاد قبل حلول الليل إلى الحي الذي يقطنه والذي تسيطر عليه القوات العراقية الآن لكن قذائف المورتر التي تطلقها الدولة الإسلامية لا تزال تسقط هناك.
وهوّن فواز من الخطر بضحكة معبراً عن الإيمان العميق الذي يقول سكان الموصل إنه أعانهم على تحمل الحكم الوحشي للدولة الإسلامية على مدى عامين ونصف العام قائلاً «الله موجود».

اعتادوا العنف
على طول طريق يمتد غرباً صوب الأطلال الأثرية بالمدينة تنطلق في جانب منه عربات همفي مدرعة سوداء تنقل الجنود من وإلى جبهات القتال حيث يقاتلون مهاجمين انتحاريين للدولة الإسلامية بالرشاشات والصواريخ والضربات الجوية.
وعلى الجانب الآخر يسير مدنيون بينهم أطفال ومعاقون. ويفر كثيرون من الاشتباكات ويحملون معهم أغلى ما يملكون لكن آخرين يسعون لإنجاز بعض المهام مثل شراء مواد البقالة أو إعادة ربط كابلات الكهرباء.
واندفعت عربة همفي على الطريق لتعزيز القوات. وخلف العربة كان رجل يرتدي غطاء رمادياً على الرأس يقود دراجته وسط الأتربة التي خلفتها. ومرت عربتان همفي في الاتجاه المعاكس تحملان مدنيين معاقين.
وقال جندي يحرس موقع قيادة متقدماً «ترى بأم عينك: يد تقاتل ويد تساعد».
وكان هناك متجر للبقالة في أحد الشوارع يقف فيه صبي يبيع بذور زهرة الشمس للجنود.
وكان أطفال صغار أمسك أحدهم بدمية باربي يلعبون في شوارع جانبية حيث تتدلى أشجار البرتقال بفعل الثمار الناضجة. ووقف ضابط كبير بزي أسود يوزع الشوكولاتة.
ولم يظهر الارتباك على الأطفال بسبب دوي الانفجارات أو سماع أصوات إطلاق النار. وخلال فترة من الاشتباكات الكثيفة في منطقة قريبة توقف صبيان لا يزيد عمرهما عن عشر سنوات على طريق حيث كانت تسقط رصاصات طائشة على الأرض من حين لآخر. ونظرا إلى السماء.
وقال أحدهما «هناك طائرة هليكوبتر أباتشي، هناك إنها تقترب! ستهاجمهم… لقد تعّودنا على ذلك».

تجنب المخيمات
على الرغم من المخاطر الواضحة يقول سكان الموصل إنهم يفضلون البقاء في ديارهم بدلاً من الذهاب إلى مخيمات خارج المدينة حيث الظروف قاسية والحركة مقيدة بشكل كبير.
وفر نحو 135 ألف شخص إلى مخيمات خارج الموصل تديرها الحكومة وجماعات إغاثة. وزاد التقدم السريع من وتيرة النزوح في الأسبوعين المنصرمين لكن الأعداد لا تزال قليلة جداً قياساً إلى إجمالي السكان.
وقال أبو أحمد الذي يزور عائلته في حي الزهور في عطلة نهاية الأسبوع «نحن لم نترك بيوتنا وتحملنا كل هذا القصف كي لا نعيش في الخيام».
والحرب المستعرة على الطريق لا تثير قلق أبو أحمد.
وقال «إن شاء الله لن يحدث شيء» قبل أن ينبطح على الأرض ويهرول للاختباء عقب سماع صوت صاروخ في السماء.
وفجأة بات الشارع الذي كان يقف فيه أبو أحمد خالياً من المدنيين والجنود. وبعد 15 ثانية انفجر الصاروخ على بعد نحو كيلومتر وأطلق عموداً من الدخان الأسود في السماء.
وسرعان ما حلت أصوات إطلاق النار محل صيحات التحية والالتئام المفاجىء للعائلات التي ملأت الشارع قبل لحظات فقط.
ووقف أبو أحمد مرة أخرى وضحك بصوت منخفض ونفض التراب عن ملابسه قائلاً «صاروخ… الحمد والشكر لله».

رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق