سياسة لبنانية

قانون الانتخابات: جزء من التسوية أم يُحذف منها؟!

لا يقل قانون الانتخابات الجديد أهمية وصعوبة عن رئاسة الجمهورية، لا بل يبدو الاتفاق على قانون جديد للانتخابات أصعب و«أعقد» من الاتفاق على رئيس جديد للبلاد… فإذا كان «الرئيس» يرأس الجمهورية لست سنوات من دون أن يحكمها، فإن قانون الانتخابات هو الذي يحدد هوية من يحكم لبنان لسنوات وربما لعقود طويلة… وإذا كان المسيحيون يشكون من خلل في التمثيل والتوازن، فإن هذه الشكوى متأتية أولا من قانون الانتخابات وطبيعته، وليس من رئاسة الجمهورية وصلاحياتها.
في كل جلسات الحوار الوطني التي عقدت حتى الآن، برز التنافس جلياً بين رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات، وبرز الخلاف خلافاً على الأولويات: الاتفاق على الرئيس أولاً أم على قانون الانتخابات؟! وهذا الخلاف يمكن تسويته عبر مبدأ «التسوية الشاملة» التي تعني الاتفاق على «سلة واحدة» تضم رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخابات، فلا يكون انتخاب للرئيس الجديد إلا إذ حصل توافق على قانون الانتخاب، ويترجم هذا الاتفاق عملياً وتجري انتخابات نيابية على أساس القانون الجديد بعد انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة جديدة انتقالية تكون «حكومة انتخابات»…
ولكن آخر المعلومات السياسية تفيد أن «حوارات الكواليس» لا سيما «كواليس باريس» تناولت حصراً موضوعي رئاسة الجمهورية والحكومة، على أن تقف «التسوية» عند هذا الحد ولا تتجاوزه الى قانون الانتخاب الذي يبقى «عقدة العقد» و«أم المعارك السياسية»، وبالتالي يكون تجميد قانون الانتخابات وعدم المضي قدماً في موضوع «النسبية» هو الثمن السياسي الذي يحصل عليه «المستقبل» في حال سار في تأييد خيار رئيس من 8 آذار (سليمان فرنجية)، لأن نقطة قوة «المستقبل» الأساسية تكمن في امتلاكه أكبر كتلة نيابية (40 نائباً)، وأي قانون جديد «نسبي» سيقلص هذه الكتلة الى حدود النصف (20 نائباً)… ولذلك فإن «المستقبل» يحاذر القانون الجديد للانتخابات ولا يتحمس لإجراء انتخابات جديدة وهو الذي كان أكثر المتحمسين للتمديد للمجلس النيابي.
لم يعد مهما ترقب ماهية الدور الذي يمكن أن تضطلع به لجنة درس قانون الانتخاب من غير أن يخفي كثيرون أن مهمتها صعبة وشبه مستحيلة. وتبدأ اللجنة الحالية مهمتها من حيث انتهت لجنة التسعة في كانون الثاني (يناير) 2014، التي أخفقت في التوصل الى توافق على قانون انتخاب واختلف أفرقاؤها على نظام الاقتراع وتقسيم الدوائر.
ورغم أن كل ما يدور حول القانون استهلك منذ سنوات، وحيث أن النقاش لم يعد يحمل منذ عام 2005 أي تفصيل لم يتم البحث فيه، إلا أن ثمة من يرى احتمالاً لخلط الأوراق، في حال أعاد التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية درس مشروع جديد للقانون. فالتيار والقوات مستمران في تنسيقهما المشترك، كما حصل بالنسبة الى الجلسة التشريعية، وهما الآن في طور الإعداد لبحث مشترك حول قانون الانتخاب على مستويين: الأول إبقاء القانون أولوية سياسية حالياً، وعدم تغييبه عن جدول أي حوار ثنائي أو موسع.
وكان العماد عون طرح تأييده لقانون انتخابات على أساس النسبية مع 15 دائرة، وسرعان ما لاقاه به الأمين العام لحزب الله ومن ثم الرئيس بري في تأكيده أن لا انتخابات إلا على أساس النسبية… أما الدكتور جعجع، وهو المعني بالنقاش والحوار مع عون تحت سقف ورقة النوايا، فهو رفض المشروع فورا، لأن النسبية بالمطلق تعزز التطرف بحسب رأيه، وهو لا يمكن أن يقبل بها حفاظاً على الوجود المسيحي وعلى الإسلام المعتدل. والقوات كان سبق أن أعدت مع «المستقبل» والاشتراكي مشروعاً مشتركاً بين الأكثري والنسبي. وتقول مصادر إن القوات والتيار الوطني الحر يدركان أن كلا المشروعين سيسقطان، الأول بفعل المعارضة السنية الشديدة المتمثلة في تيار المستقبل، ما سيفقده تغطية ميثاقية مطلوبة، كذلك سيسقط مشروع القوات وحليفيها بفعل المعارضة الشيعية المتمثلة بحزب الله وأمل، علماً أن جنبلاط تبرأ منه مؤخراً أيضاً، ما يؤدي تلقائياً الى العودة الى البحث عن مشروع قانون انتخابي جديد.
السؤال: في حال تنصل أو تملص «المستقبل» و«الاشتراكي» من القانون المختلط (الأكثري والنسبي) الذي اتفقا عليه مع «القوات»، وفضلاّ البقاء عند القانون الحالي (قانون الـ 60) أي خيار للقوات اللبنانية، مع العلم أنها الأكثر تضررا من قانون الـ 60، وأن العودة الى القانون الأرثوذكسي لم تعد ممكنة؟! فهل يكون الخيار هو تأييد القانون النسبي مع شروط وتعديلات أم التلويح، في حال بقي قانون الـ 60، بورقة تحالف انتخابي مع عون رغم استمرار الخلاف السياسي، فيتقدم التكتيك على الاستراتيجيا لمرة في حسابات القوات مع عون بعدما تقدم تكراراً في حسابات المستقبل مع حزب الله؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق